طباعة هذه الصفحة

مـن ثـورة التحرير إلـى ثورة البنـاء والتنوير

جزائـر منتصـرة بإشـراك المــرأة والطفل فــي الفتوحات

فتيحة كلواز

دستــور 2020 عـزّز المكاسب وعبّـد الطريـق للنساء المبدعـات

بين أمس يمتدّ طوله إلى عقود من الزمن مضت واليوم في كنف جزائر جديدة تصنع غدها ليكون مشروع أمة وكينونة حارب الجزائريون من أجل تحقيقها طوال 132 سنة، لم تستكن فيها المقاومة الشعبية إلى الخنوع والذلّ والهوان، وجيلا بعد جيل سطّرت الثورة التحريرية صباح الأول من نوفمبر 1954 آخر فصل في مسيرة تحرير وطن، إنجازات حقّقتها دولة الاستقلال، سليلة ثورة نوفمبر الخالدة لصالح المرأة والطفل.  

مسيرة سطّر أبطالها ملحمة بالنار والدم..كانت المرأة والطفل الرقم الفاعل الأول في معادلة الحرية، وارتكزا بين نضال صامت هو أرضية نضال مسلّح خرج ينادي «الله أكبر.. تحيا الجزائر»، وكما الأرض قبضت على أحرارها ولم تترك جذور أبنائها تضمحل في دولة محتلّة عجزت كلّ استراتيجياتها الشيطانية لاستيطان الأرض، لفضت الجسد الدخيل، فكانت المرأة نقطة ارتكاز وطن عاش في أحشائها وفي قلبها، أرضعت الأم أبناءها حليب الفطرة الإنسانية الرافضة للقيود والأغلال، لتتعاقب الأجيال من مسيرة تحرير وطن إلى مسيرة بنائه على أسس من الوطنية والكفاءة والعلم.

المرأة..استمرارية وطن

بعد أن كانت المراة المعادلة الصعبة في وجه المستعمر من خلال الدور الحاسم الذي قامت به، فمن المجاهدة التي حملت على عاتقها مهمة التحرير ورفعت السلاح في وجه جيش الاستعمار الغاشم، إلى الفدائية التي تنقلت بين أزقّة المدن حاملة بين ذراعيها قنابل وسلاح لمهمة محدّدة، إلى المسبّلة التي قامت بإيواء المجاهدين وتحضير الطعام لهم بل وكانت العين الساهرة على سلامتهم، بالإضافة إلى جمع الاشتراكات ونقل الرسائل والأدوية من منطقة إلى أخرى، سواء في المدن أو الأرياف كانت المراة الواجهة الأولى للثورة التحريرية فصمودها غالبا ما كان سندا للمجاهدين الذين تركوا عائلاتهم ولجأوا إلى الجبال لتكون نقطة انطلاق الرصاصة الأولى في آخر فصول تحرير الوطن.
لم تركن تلك السيدات إلى الضعف والجبن بل كثيرات هنّ من وقفن في شموخ فوق «الكازما» التي يختبئ فيها المجاهدون لتنفي علمها بمكانهم، غير آبهة بالمخاطر المحدقة إن علم مستجوبوها من الأعداء بالحقيقة، بل كانت توجّه نظرها نحو غد يرفرف العلم الجزائري على أرض الأحرار، داوت جراح المصابين وشدّت على يد من اختار أن يجاهد في سبيل الله لتحرير الوطن، بل كانت الأم الحانية والحاوية لقضية أمة ووطن، فربّت أبناءها على حقيقة جزائريتهم وكذب استراتيجية التغريب والسلخ عن الهوية الجزائرية التي حملتها كلمة «لي زانديجان».
ومع استقلال الجزائر لم تتنصّل المرأة من مسؤوليتها في إرساء قواعد السيادة لجزائر حرّة، وجنبا إلى جنب مع أخيها الرجل واصلت المرأة نضالها وأداء دورها المحوري في مرحلة بناء وتشييد جزائر جديدة تؤسّس لغد أفضل تحت راية الحرية، ما منحها مكاسب كثيرة وكبيرة لتعزيز دورها الفاعل بأبعاده الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية.
توفّر إرادة سياسية قويّة لتذليل كلّ المعوقات أمام تمكين المرأة من دورها، سهّل مهمّة توسيع مكاسبها في مختلف المجالات والقطاعات مع التركيز على الجانب الاجتماعي على اعتبار أنّها الأم الحاوية المربية للأجيال، فأم قويّة يعني رجل غد قويّ ومسؤول ومؤمن بمهمّته في بناء الغد، لذلك حرص الدستور الجزائري على إعطائها المكانة التي تستحقّها من خلال إقراره لحقوقها، ما منحها تواجدا متزايدا في الحياة العامة للمجتمع الجزائري، حيث استطاعت المرأة مسايرة كلّ التغيّرات على مدى عقود من الزمن، لكنّ الأكيد أنّها لم تحني رأسها ولم تتهرّب من مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الجزائر.
وعلى اعتبار أنّها الوعاء الضامن للاستمرارية، حرصت القيادة العليا وضع برامج دعم قيادة المرأة وتجسيد مشاركتها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، وجاء دستور 2020 معزّزا لمكاسب المرأة الجزائرية كمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، مبدأ المناصفة بين الجنسين في كلّ المجالات الوظيفية والانتخابية، حماية المراة من كلّ أشكال العنف في الفضاء العمومي والمهني سواء كان عاما أو خاصّا، وهي خطوة وصفها رئيس الجمهورية بالنوعية «تعزّزت بها مكتسبات المرأة الجزائرية التي سجّلت حضورها وأثبتت جدارتها في تقلّد المسؤوليات والمناصب العليا في الدولة».
مكتسبات هامّة تضمّنها دستور 2020 الذي كان تجسيدا لالتزامات رئيس الجمهورية الـ 54 لعهدته الأولى، حيث تجسّدت عبر آليات متعدّدة وتنسيق قطاعي عمل على برامج التحسيس والحماية وترقية سبل إدماج المرأة وتمكينها، من خلال البرنامج الوطني القطاعي المشترك لدعم انخراط المرأة في الإنتاج الوطني.
وجاء البرنامج تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية، حيث انطلق في فيفري 2021 «ضمن عمل متناسق لتنشيط ديناميكية بعث الأنشطة الاقتصادية وتطوير المقاولاتية النسوية والمؤسّسات الناشئة، باعتبارها فاعلا أساسيا في دفع العجلة التنموية»، إلى جانب دليل «الإدماج الاجتماعي الذي يعدّ مرجعا لآليات الحماية والتكفّل بموجب منظومة تشريعية تتلاءم مع ثوابتنا الوطنية، كما «يضمن القانون استفادة الضحايا من هياكل الاستقبال وأنظمة التكفّل ومساعدة قضائية».
كما حرصت الدولة على تمكين المرأة اقتصاديا من خلال تشجيعها على المقاولاتية النسوية لولوج المرأة عالم الشغل عن طريق الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة والوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب والوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغّر، ولم تغفل الدولة الجزائرية دعم المرأة الريفية «وجعلها داعمة أساسية للتنمية الريفية وتحقيق الأمن الغذائي، وذلك من خلال تسطير برامج تكوينية مختلفة لصالح هذه الفئة».

الطفل..غد الجزائر الجديدة ومستقبلها

إلى جانب دور المرأة في استمرارية الدولة من خلال منحها مكتسبات تسهّل أداء دورها الفاعل في مختلف المجالات، لا يمكن بما كان إغفال جزء مهمّ من معادلة بناء الجزائر الجديدة، لأنّه الغد بكلّ تفاصيله، والمستقبل بكلّ آمال وأحلام حاضرنا، الطفل رجل الغد وقائده أَوْلَته الجزائر الأهمية القصوى، نظرا لأهميته الاستراتيجية في قادم السنوات، فالناظر إلى الماضي يجد أنّ هذا الطفل ساهم في الثورة التحريرية وانخرط في العمل الفدائي تاركا ألعابه وطفولته ليكون مسؤولا أمام مهمّة وطن.
ولعلّ النّصب التذكاري الذي خلّد اسم «لو بتي عمر» أو عمر ياسف الذي استشهد رفقة علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي ومحمود بوحميدي في 1957 بالقصبة وهو لم يتجاوز 12سنة، يعطينا صورة حقيقية عن دور الطفل الثوري على غرار باقي شرائح المجتمع في مسيرة التحرير.
ولاستكمال مرحلة إرساء قواعد الجزائر الجديدة كان لزاما على القيادة العليا إعطاء الطفل الحقوق التي تضمن له نموّا طبيعيا وسط حاضنة اجتماعية صحّية تجمع الأسرة، المدرسة والشارع والمجتمع بصفة عامة، حِرصٌ جعل الجزائر تحقّق مكاسب عديدة في مجال احترام حقوق الطفل، كان آخرها المادة 71 من دستور 2020 التي كرّست مبدأ جديد هو المصلحة العليا للطفل الهادف إلى ضمان الرعاية والحماية لهذه الفئة من المجتمع.
 مع ضمان إلزامية ومجّانية التعليم والرعاية الصحّية، وكذا حمايته من كلّ أشكال العنف والاستغلال «والتكفّل بمختلف احتياجات هذه الشريحة من المجتمع، على غرار الأطفال اليتامى وذوي الاحتياجات»، إلى جانب استحداث الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة الهيئة الرسمية التابعة للوزير الأول، جاءت لتعزيز التنسيق بين جميع المتدخلين في مجال الطفولة عن طريق لجنة دائمة تابعة لها تجمع ممثلين عن مختلف القطاعات.
ولا يمكن الحديث عن حماية الطفل وحقوقه دون الحديث عن تأسيس المشرّع الجزائري لترسانة قانونية تتكفّل بـ «الارتقاء بالطفولة وحمايتها والتصدّي للجرائم المرتكبة في حقّها، على غرار القانون المتعلّق بالوقاية من جرائم اختطاف الأشخاص ومكافحته، قانون الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحته والقانون المتعلّق بالوقاية من الاتّجار بالبشر ومكافحته وكذا القانون المتعلّق بالوقاية من المخدّرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتّجار غير المشروعين بها»، ما يعكس حرص المشرّع الجزائري على إحاطة الطفل بالحماية الكاملة.

الإنسان ذخيرة الأمّة وسؤددها

طفل، امرأة ورجل، الكلّ معني باستمرارية مسيرة بناء جزائر جديدة ضحى من أجلها أكثر من 5 ملايين و600 ألف شهيد، هي مهمّة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، هي أمانة وطن ترتكز على مسؤولية جماعية لحماية الحاضر وصناعة المستقبل بسواعد تقوّت بمكتسبات سمحت ببناء وطن في قلب رجل الغد تربّى على يد امرأة سيدة في مجتمعها، جزائر تحيا وتستمر بحب أبنائها وانتمائهم لها، جزائر تراهن على الحاضر لبناء المستقبل، لذلك وضعت الأسس الدستورية والقانونية للاستثمار في الإنسان لأنّه ذخيرة الأمّة وسؤددها وأغلى وأهم ثروة تملكها أيّ دولة.