إنّ العثور على أشخاص يعيشون فرادى، معظمهم من كبار السنّ، متوفّون في بيوتهم بعيدا عن عائلاتهم، لا يُكتشف أمرهم إلاّ من قبل الجيران والأقارب، أصبح ظاهرة مقلقة، كما حدث مؤخرا عند اكتشاف امرأة في العقد السادس ميّتة في شقّة مستأجرة بالقطب الحضري سيدي سرحان التابع إداريا لبلدية بوعينان.
تفطّن بعض الجيران لهذه الوفاة ليُبلغوا عنها الدرك الوطني لبلدية بوعينان، وبعد استكمال الإجراءات من قبل الشرطة العلمية تم نقل جثتها، وثبت أنّها توفيت قبل أربعة أيام بحسب معاينة أوّلية قام بها الطبيب الشرعي، ليتمّ استكمال العملية بتشريح جثتها بمستشفى “فرانتز فانون” بالبليدة فيما بعد لمعرفة أسباب وفاتها.
تأثّر سكان الحي كثيرا بالقصّة الحزينة لهذه المرأة واحتاروا لعيشها بمفردها، وسط أخبار بأنّها كانت متزوّجة في ولاية المدية ثم غادرت بيت زوجها بعد وفاته، وأنّها كانت تشتغل عاملة نظافة في إحدى المؤسّسات الصحّية قبل وفاتها، وأنّها لم ترغب في الإقامة مع عائلة أخيها.
وباشرت الضبطية القضائية التحرّي والتحقيق في وفاة هذه السيدة، التي لا تختلف كثيرا عن قصّة شيخ عجوز وامرأته فارقا الحياة في منزلهما بمدينة الأربعاء، وحدثت هذه الواقعة في غضون الأسابيع القليلة الماضية، وبحسب مصادر عليمة فقد اكتشف وفاتهما ابنهما الذي يقيم لوحده، ولما جاء يتفقّدهما لم يفتحا الباب فاضطرّ إلى تكسيره ليكتشف بأنّهما ميّتين.
واستنادا إلى ذات المصدر، فإنّ الشيخ المتوفي يعاني من مرض في الأعصاب، لكنّ وفاته مع زوجته سويّا أثار الاستغراب في انتظار استكمال التحقيقات من قبل الجهات الأمنية لمعرفة أسباب الوفاة وهل تعرّضا الفقيدين إلى اعتداء من عدمه.
وبلغنا أيضا من قبل عون للحماية المدنية خلال تأدية مهامه بأنّ هذا الجهاز سجّل عدّة حالات وفاة أشخاص يعيشون فرادى في ولاية البليدة خلال السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة جديدة لم يتعوّد عليها المجتمع الجزائري لما كان يتبع نظاما اجتماعيا أساسه العائلة الكبيرة، إذ يموت الشخص أمام أعين أقربائه أو يعلمون بوفاته وقت حدوثها.
وفي الفترة الأخيرة أصبح المجتمع يتبع نظام الأسرة الصغيرة، حيث يٌفضّل الأزواج الجدد العيش في سكنات لوحدهم مستقلين عن العائلة الكبيرة، وهذا لتفادي وقوع مشاكل أو خلافات بين أفراد العائلة، كما تغيّرت العلاقات والروابط بين الجيران ولم يعد الجار يطمئنّ على جاره كما في السابق.
في هذا الصدد، تقول ربّة بيت مطلّقة بأنّ الكثير من الأشخاص ينعزلون بحثا عن راحة البال لاستحالة العيش تحت سقف واحد بسبب عدم التوافق مع أفراد العائلة، ومن بين الأسباب التي أدّت إلى تشتّت المجتمع -بحسبها- الخلافات الكبيرة التي تحدث بين الورثة لدرجة أنّهم يقاضون بعضهم على حساب صلة الرحم وصلة القرابة.