اكتشاف سرطان الثدي وتشخيصه في مرحلة مبكرة وأخذ العلاج في أوانه، يجعل علاجه ممكنا وسهلا، في المقابل يساهم وجود مراكز في مختلف مناطق الوطن لاستقبال المريضات وحصولهن على البروتوكول العلاجي لهذا الداء يخفف من آلام المرض. فالعلاج المنتظم والتكفل النفسي يخلقان نوعا من الطمأنينة وحب الحياة لدى الكثيرات من المصابات بالداء الخبيث.
التقت “الشعب” نساء رفعن راية العزيمة والإرادة للوقوف أمام انكسار المرض وآلامه، ومن تلك النماذج الحية لنساء اللائي تحدين السرطان وواصلن حياتهن غير آبهات بما يخفيه المرض لهن، فاطمة ربة بيت في الستين من العمر، أم لخمسة أطفال تعيش حياة طبيعية رغم اصابتها بسرطان الثدي منذ ما يقارب العشرين سنة، لم يثن من عزيمتها على الاستمرار في حب الحياة.. اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في مرحلة متقدمة بالصدفة ما استدعى استئصال ثديها الايسر لكنها لم تشعر بالنقص ولم تنظر الى نفسها بازدراء بل ما تزال تتمتع بعافيتها.
تقول فاطمة إنها في يوم كانت تتهيأ للذهاب إلى حفل عرس وعندما حاولت إنزال حقيبة ملابسها من على الخزانة سقطت عليها وجرحت جرحا لم يكن خطيرا.. بعد عودتها من حفل الزفاف شعرت بآلام ما أوجب زيارة الطبيب بعدها بأيام، وهنالك كانت المفاجأة عندما شك الطبيب في إصابتها بالداء الخبيث الشيء الذي أكدته التحاليل والأشعة التي أجرتها بعد ذلك.
لم يكن الخبر في بداية الأمر هيّنا، ولم يتقبله أفراد عائلتها كبارهم وصغارهم، غير أن التسليم لقضاء الله وقدره، وبداية رحلة العلاج بوهران (المركز الجهوي لمكافحة السرطان بسيدي بلعباس لم يكن موجودا وقتها)، والتقائها بحالات مشابهة لمرضها جعلها تحس بأنها ليست وحدها في هذا العالم من تعاني به وأيضا حبها لأسرتها جعلها تكافح من أجل العيش والقيام بواجباتها اتجاههم.
تتحدث فاطمة عن بداية رحلة العلاج وكم كانت صعبة حصص الكيميائي والعلاج بالأشعة وتساقط شعرها الطويل الذي كان يصل خصرها وتغير ملامح وجهها، ثم العودة الى طبيعتها بعد الانتهاء من العلاج، ثم تدهور صحتها والبدء في العلاج من جديد إلى ان اعتادت هذا الامر ولم يعد يقلقها ولا يؤثر بها، إضافة إلى وقوف زوجها إلى جانبها وما حظيت به من حب من أفراد أسرتها وانخراطها في جمعية “أمل في الحياة” التي كانت تساعدها والمريضات في مصاريف العلاج/ كما كان مقرها مكانا للقاء العشرات من المريضات والحديث عن المرض والعلاج، كان يزيد من عزمها على محاربة المرض بالصبر والأمل في غد أفضل.
كانت اللقاءات واستقبال رئيسة الجمعية وعضواتها لهن والوقوف إلى جانبهن وتنظيم الحفلات لهن في المناسبات الوطنية والدينية بمثابة العلاج النفسي لها ولمثيلاتها من المريضات.
ولأنها تؤمن بأن الموت أجل محدد لا يقدمه مرض ولا تؤخره صحة، تعيش فاطمة حياتها بشكل طبيعي وتتمتع بوقتها وسط عائلتها تقوم بأعمال البيت اليومية بالرغم من أنها أصبحت جدة، وتخرج الى السوق لشراء كل ما تحتاجه وتقوم أيضا بواجباتها اتجاه عائلتها وجيرانها، وأيضا تستقبل ضيوفها ببيتها بكل حفاوة.
هي امرأة لا تريد أن ترى الشفقة في أعين الآخرين، ولا تريد أن يهزمها المرض الخبيث، حتى لا تتدهور صحتها ويقتلها اليأس قبل الداء.
أما عزيزة فهي سيدة في الخمسين من العمر كادت تفقد عقلها يوم أخبرها طبيبها بأنها مصابة بسرطان الثدي ويجب أن تجري عملية استئصال الورم الخبيث، دون وعي منها طرقت كل أبواب جيرانها لتخبرهم بأنها مصابة بالداء ولا تدري كيف تتصرف ولا كيف تنجو من الموت، ولحسن حظها كانت فاطمة إحدى جاراتها، فاستقبلتها بصدر رحب وحكت لها وضعها وكيف تعيش بخير منذ سنوات ولم تتأذ كثيرا من المرض ونصحتها استئصال الورم في بدايته قبل ان يتطور ويؤثر على صحتها وألا تيأس حتى تتغلب على المرض.
بعد إجراء العملية الجراحية، تتابع عزيزة العلاج الكيميائي وبالأشعة.. لا أحد يصاحبها إلى المركز فالزوج مريض والأبناء منشغلون بعملهم وليس لها ابنة ترافقها أو تقوم بدلا عنها بأشغال البيت.. عليها أن تخرج من حصة الكيميائي إلى السوق ثم إلى البيت لتحضير الطعام للزوج والأبناء والغسل والتنظيف.
ووطدت عزيزة هي الأخرى علاقات مع الأطباء المعالجين والمريضات وأصبحت تبادلهن الزيارات وتطمئن على صديقاتها عند إصابة احداهن بوعكة صحية ولم تعد تبالي بالمرض. فالسرطان الذي أصيبت به منذ 2017 بالنسبة لها ورم تم استئصاله وعلاج لابد ان تداوم عليه والعمر له أجل سواء بمرض أو بغير مرض. فلا يأس مع الحياة بالنسبة لفاطمة وعزيزة وتحدي المرض يأتي بالعزيمة، شفاهما الله وجميع المريضات.