طباعة هذه الصفحة

الباحث في مجـال الأمن الغذائـي.. رشيد عنان لـ”الشعـــب”:

الإنجـازات تعكـس صرامة قرار تعزيز السيـادة الغذائية

أم الخير سلاطني

الرؤية الاستراتيجية للرئيس تبون تتحقّق ميدانيا..

الإرادة متوفرة.. الموارد كافية والعمل جادّ..

يعتبر الأمن الغذائي أحد المحاور الرئيسية للأمن القومي في الجزائر، حيث شهد تطورا ملحوظا منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون سدة الحكم، في ظل أزمات عالمية عاصفة، أرخت بظلالها على اقتصاديات الدول..

ولقد وضع الرئيس عبد المجيد تبون ملف الأمن الغذائي على رأس أولويات برنامجه، وركز على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز القدرات المحلية في الإنتاج الزراعي والصيد البحري، وشمل ذلك - بحسب الدكتور عنان رشيد- إصلاحات هيكلية عميقة، مثل رقمنة نظام منح الأراضي، دعم الفلاحين، وتطوير الشراكات الدولية في المجال الزراعي، وأوضح أن هذه الجهود انعكست على مساهمة قطاعي الفلاحة والصيد البحري في الاقتصاد الوطني، حيث شهدت ارتفاعا يمثل خطوة غير مسبوقة إلى تحقيق السيادة الغذائية المستدامة.

رؤيـة استراتيجيـة..

ويرى الباحث عنان رشيد، أن الأمن الغذائي  يمثل ركيزة من الركائز الأساسية لضمان استقرار البلاد وتحقيق تنميتها المستدامة، خاصة في ظل التحوّلات العالمية الأخيرة والأزمات المتلاحقة، ما اقتضى وضع رؤية استراتيجية طموحة أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون، شملت تفعيل برامج جديدة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، تحديث البنية التحتية، واستغلال الفرص الاستثمارية الدولية.
وعدد الدكتور عنان أبرز الإنجازات التي حققتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة على صعيد الأمن الغذائي، ودور هذه السياسات في بناء مستقبل غذائي مستدام وآمن، لافتا إلى التطورات الملموسة التي شهدتها الجزائر في المجال بالاستناد إلى رؤية استراتيجية شاملة، كانت بدايتها من إعداد الكتاب الأبيض للأمن الغذائي الذي يمثل مرجعا شاملا للسياسات العمومية في مجالات الفلاحة والصيد البحري، وقد تم إعداده بمشاركة خبراء جزائريين دوليين عام 2020، في خطوة محورية نحو تحديد الأولويات الوطنية وتعزيز البحث والابتكار في هذا المجال، زيادة إلى إعادة هيكلة قطاع الفلاحة والصيد البحري وفصلهما، ليصبح الثاني قطاعاً مستقلاً، ما ساهم في تعزيز تربية المائيات وإطلاق مشاريع جديدة تهدف إلى رفع إنتاج الثروة السمكية وتطوير هذا القطاع الاستراتيجي.

اجـراءات جـادّة وجريئة

وتحدث الدكتور عنان عن إصلاح نظام منح الأراضي الفلاحية ورقمنته، كواحد من الانجازات المحققة، من خلال توفير آلاف الهكتارات للاستثمار الفلاحي في الجنوب الجزائري، وإلغاء الامتيازات غير المستغلة، إلى جانب إنشاء “ديوان تطوير الزراعات الصناعية في الأراضي الصحراوية” الذي يوفر شباكاً وحيداً لتسهيل العمليات الإدارية وتقييم ملفات المرشحين، دون أن يغفل استمرار الإنتاج الفلاحي على الرغم من تداعيات الجائحة الصحية العالمية، حيث حافظت الجزائر على استقرار الإنتاج الزراعي وسلاسل الإمداد، بفضل التدابير المبكرة التي اتخذتها الدولة لضمان استمرارية الأنشطة الفلاحية وتوفير المنتجات الأساسية في الأسواق.
ويقول الباحث إن “الجزائر اتخذت إجراءات جادة وجريئة، تشجع على استمرار العطاء في القطاع الفلاحي، بتعويض خسائر الفلاحين والصيادين المتضررين من الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الحرائق والفيضانات وسوء الأحوال الجوية، ما ساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئات، فضلا عن توجهها إلى تعزيز القدرات التخزينية وتطوير البنية التحتية، بإطلاق مشاريع كبرى لتعزيز قدرات تخزين الحبوب واسترجاع المزارع النموذجية، بالإضافة إلى إعادة إحياء مشروع “السد الأخضر” لتحسين استدامة الموارد المائية والزراعية.”

تحقــق التزام تعزيــز السيـــادة الغذائيــة

وقال الدكتور عنان إن الإنجازات المحققة بين 2020-2024، تعكس التزام الجزائر بتحقيق الأمن الغذائي الوطني وتعزيز سيادتها الغذائية، من خلال خطوات عملية وشراكات دولية تهدف إلى بناء مستقبل مستدام ومزدهر، على غرار مضي الجزائر نحو توسيع التعاون الدولي في الزراعة، بإطلاق شراكات استراتيجية مع دول مثل قطر وإيطاليا لتعزيز الإنتاج الزراعي، بما في ذلك مشاريع إنتاج الحليب والحبوب، ما يدعم الأمن الغذائي المحلي ويخفف من الاعتماد على الاستيراد، كما شهدت الجزائر زيادات ملحوظة في الأجور لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، مما ساهم في تمكين فئات واسعة من الوصول إلى حصص غذائية متوازنة، في مواجهة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

رهانـات مرفوعـة..

وتحدث الباحث في تقييم السياسات العمومية في مجال الأمن الغذائي، عن تحديات تواجه الجزائر في سبيل تحقيق سيادتها الغذائية، على غرار تزايد الطلب على الغذاء بتزايد عدد السكان، إضافة إلى التغير المناخي المتوقع أن يزيد عن مستواه بحلول 2050 والذي سيؤثر سلبًا على إنتاج القمح ومصادر المياه، مشيرا أن الفلاحة تواجه ضغوطا متزايدة، مما يتطلب الموازنة بين توفير المياه للري الزراعي والاستهلاك المنزلي، إضافة إلى التهديدات التي تواجهها الأراضي الزراعية مثل التصحر، تدهور الخصوبة، وارتفاع تكلفة الإنتاج في المناطق الجنوبية، فضلا عن عدم استقرار السياسات الزراعية والمشاكل المرتبطة بالتسويق والتوازن بين العرض والطلب، التي تزيد من تعقيد المشهد الغذائي، علما أن رئيس الجمهورية حرك مشاريع كبرى في برنامجه لتفادي هذه الضغوط، سواء بضمان الأمن المائي من خلال محطات التحلية التي تسهم إسهاما كبيرا في توفير الماء الشروب، أو من خلال إعادة بعث مشروع “السدّ الأخضر” الذي يمثل حصانة بيئية رفيعة، وغير ذلك من المشاريع..

الدمج بين الحلول العلمية والاصلاحات الاجتماعيـة والاقتصاديــة

ودعا الباحث رشيد عنان، إلى رؤية شاملة تدمج الحلول العلمية مع الإصلاحات الاجتماعية، والسياسات الزراعية والاقتصادية، من أجل تحقيق الانتقال إلى مفهوم “السيادة الغذائية” عبر إنجاز استراتيجية وطنية تمتد إلى غاية 2062، تزامناً مع مائوية استقلال الجزائر، مشددا على ضرورة حل مشاكل الأراضي الزراعية وتوجيه الجزائريين نحو أنماط غذائية صحية تعتمد على المواد المحلية غير المكلفة، ودعا إلى تعزيز وتسريع عمل بنك البذور الوطني للحفاظ على التنوع الوراثي والمحلي، والاهتمام بزيادة الإنتاج عبر وسائل صديقة للبيئة واستخدام أقل للمياه، مع دعم البحث والتطوير في مجال الأمن الغذائي عبر تمويل كافٍ وإعطاء أولوية وطنية للابتكار.
ويرى الدكتور عنان ضرورة إشراك القطاع الخاص في مراقبة الجودة وتعزيز الأمن الحيوي، مع تطوير قطاع الغابات ليصبح محوراً اقتصادياً مهماً من خلال الزراعة الجبلية والأعشاب الطبية، ودعم الصيد البحري والاقتصاد البحري، وتعزيز الاستثمار في تربية الأحياء المائية واقتصاد البحر، إلى جانب تنويع مصادر دخل الفلاحين والصيادين، بتوفير مصادر دخل متعددة وتنويع النشاطات للفلاحين والصيادين مع تحسين نظام الضمان الاجتماعي الخاص بهم، فضلا عن تطوير الأقطاب الفلاحية بناءً على الخصوصيات الجغرافية لكل منطقة، ومحاربة التصحر وتسريع استصلاح الأراضي.

تغيــير النمـط الغذائي

ويعتقد الباحث أن تغيير النمط الغذائي الجزائري واحد من التحديات التي تواجه الأمن الغذائي، ويستوجب إعداد دراسات لإعادة نمط التغذية التقليدي الذي تعرض للتغيير خلال الاستعمار، مثل الاعتماد الكبير على القمح اللين والزيوت الصناعية التي تؤدي إلى أمراض العصر، مع ضرورة استغلال التجارب والصدمات السابقة، مثل جائحة كورونا، لوضع استراتيجيات طويلة المدى لإدارة الأمن الغذائي.
وثمن المتحدث دعم الشباب وتشجيعهم على العمل الزراعي، بالإضافة إلى التركيز على الأنظمة الزراعية المستدامة مثل الأكوابونيك، الذي يُظهر توجهاً نحو تطوير قطاع زراعي أكثر إنتاجية واستدامة، وتحويل الدعم إلى دعم مباشر لمكافحة التبذير وتحسين استهلاك الموارد، إلى جانب التركيز على المنتجات الصحية، من أجل توجيه الاستهلاك، مؤكدا أن خطط تحقيق الأمن الغذائي، تحظى بإرادة سياسية قوية، موارد كافية، وتنسيق محكم بين مختلف القطاعات لضمان تحقيق الأهداف.