طباعة هذه الصفحة

يمكـن استغلالها في صناعة الملابـس والأقمشة..

الجلود والأصواف.. الثروة النائمة بالجلفـة

موسى دباب

فرصـة لتطويـر الاقتصـاد المحلّـي وتعزيـز الصناعـة التقليديــة

لا بديـل عـن التفكير في آليـات فعّالـة لتعزيـز استغـلال الـثروة المهملــة

تكثيــف الجهــود لتنمـية شعبــة الصوف واستقطـاب الاستثمــارات.. ضــرورة

الاستثمــار في الموارد الطبيعيـة يعـزّز الاقتصـاد المحلّــي

في ولاية الجلفة.. تمتدّ المساحات الشاسعة وتحتضن القرى والبلدات حياة نابضة، ترعى الملايين من رؤوس الأغنام التي تعكس غنى هذه المنطقة في الثروة الحيوانية، وتعتبر الجلفة واحدة من أبرز الولايات في الجزائر من حيث عدد رؤوس الأغنام، وتحتلّ المرتبة الأولى وطنيا في هذا المجال. فعلى مرّ العصور، لعبت الأغنام دورا مهما في اقتصاد المنطقة، ما أسهم في تشكيل ثقافتها وهويتها.

بالرغم من هذا الغنى، تواجه الجلفة تحدّيات كبيرة، إذ لا توجد أرقام رسمية دقيقة تحدّد العدد الفعلي لرؤوس الأغنام، ممّا يضفي على الوضع غموضا وتقديرات غير موثوقة، ولكن، ما يثير القلق هو أنّ الجلفة لا تستفيد كما ينبغي من منتجاتها الحيوانية، خاصة الجلود والصّوف التي تعتبر ثروات مهملة تلقي بظلالها على البيئة المحلية.
تعتبر جلود الأغنام وصوفها من الموارد الطبيعية الغنية التي يمكن استغلالها بشكل فعّال، لكن الواقع يشير إلى أنّها تهمل وتعتبر نفايات تلوّث الأودية، ممّا يساهم في تفاقم المشاكل البيئية. ورغم هذه المعطيات، يرى مختصّون في الاقتصاد أنّ هناك فرصة حقيقية لتطوير الاقتصاد المحلّي وتعزيز الصناعة التقليدية، من خلال استثمار هذه الموارد بشكلٍ أفضل.
في الوقت الذي تسعى فيه بعض المبادرات المحلية إلى إعادة تقييم قيمة هذه المواد، تبرز إمكانية استخدامها في صناعة الملابس والأقمشة، ممّا قد يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النشاط الاقتصادي في المنطقة. لكنّ السؤال الذي يطرح بقوّة، هو: هل ستنجح الجلفة في تحويل هذه الثروة الضائعة إلى مصدر للنموّ والازدهار، أم ستظلّ هذه الثروة مجرّد تهديد بيئي يلاحقها؟
تشير الإحصائيات إلى أنّ ولاية الجلفة تنتج كميات كبيرة من الصوف والجلود سنويا، خصوصا خلال أعياد الأضحى، حيث يتمّ ذبح عشرات الآلاف من الأغنام في المذابح العمومية، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة التي تذبح في المنازل. هذا الأمر يعكس زيادة كبيرة في كميات الصّوف والجلود المتاحة، ممّا يستدعي التفكير في آليات فعّالة لتعزيز استغلال هذه الثروة وتنميتها في الاقتصاد المحلّي.

الجلود والصّوف .. موارد مستدامة

في هذا الإطار، تم تنظيم يوم دراسي بجامعة زيان عاشور، عام 2022 بعنوان “مساهمة شعبة الصوف في الاقتصاد المحلّي والوطني”، حيث تمّ تناول أهمية تطوير هذه الصناعة. وقد أشار المتحدّثون، بما في ذلك مدير السياحة والصناعة التقليدية، إلى ضرورة تكثيف الجهود لتنمية شعبة الصوف واستقطاب الاستثمارات اللاّزمة.
وتشير الإحصائيات إلى أنّ إنتاج الصوف في الجلفة شهد تصاعدا ملحوظا، حيث بلغ نحو 69.640 قنطارا في عام 2020.. يعكس هذا الرقم الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه الموارد، والتي يمكن استغلالها بشكل فعّال من خلال الاستثمار في مشاريع تحضير وغسل الصّوف.
كما تم تسليط الضوء على أهمية إنشاء التعاونيات الفلاحية والحرفية كخطوة أساسية لتحقيق تنظيم مهني يساهم في تعزيز الاستغلال الأمثل لمادة الصّوف. حيث أكّدت الأستاذة آمال عدواني، خلال محاضرتها، أنّ تنظيم الفلاحين والحرفيين ضمن إطار تعاونيات يساعد على تحسين العمليات الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة.
يمكن أن يسهم الاستثمار في هذه الموارد الطبيعية واستغلالها بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد المحلّي في الجلفة، ويخلق فرص عمل جديدة، ممّا يضمن نموّا مستدامًا للمنطقة.

التعاونيات والحرفيون.. أمل تطوير صناعة الصوف

تعتبر إنشاء التعاونيات الفلاحية والحرفية خطوة أساسية لتحقيق تنظيم مهني يعزّز الاستغلال الأمثل لمادة الصّوف. حيث أوضحت الأستاذة آمال عدواني، أنّ تنظيم الفلاحين والحرفيين ضمن إطار تعاونيات يسهم في تحسين العمليات الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة.
في هذا السياق، تعمل العديد من الجمعيات المحلية والحكومية على دعم تطوير شعبة الصّوف. من أبرز هذه الجمعيات “جمعية تمكين” التي نجحت في استقطاب تمويل دولي عبر برنامج كابدال، المدعوم من وزارة الداخلية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. ويسعى هذا البرنامج إلى تعزيز المشاريع الحرفية وتشجيع الشباب على الانخراط في هذا القطاع.
وتستخدم الجلود في صناعة المنتجات الجلدية مثل الحقائب والأحذية، بينما يعتبر الصّوف مادة خام لصناعة الملابس والأغطية. ويمكن أن تساهم هذه الصناعات في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الدخل المحلّي. كما أنّ إعادة استخدام الجلود والصّوف يساعد في تقليل التلوّث وتحسين الظروف البيئية في المنطقة.

إعادة الحياة للجلـــود والصــــّوف..

تعتبر إعادة استخدام الجلود والصّوف خطوة مهمة في تقليل التلوّث وتحسين الظروف البيئية في منطقة الجلفة.
 بلخير بوعبدلي، إطار في مديرية البيئة، يسلّط الضوء على أهمية إعادة التفكير في كيفية استثمار هذه الثروة، مستعرضا كيفية استغلال الجلود والصّوف كموارد قابلة للاسترجاع، من خلال معالجة متخصّصة تبدأ من مرحلة الجمع وصولا إلى الاستفادة منها في الصناعات التقليدية.
خلال محاضرة مثيرة، أشار بوعبدلي إلى أنّ كثيرين يعتبرون الجلود والصّوف نفايات منزلية، بينما يراها هو نفايات خاصّة تحتاج إلى معالجة متخصّصة منذ البداية، بدءا من مراحل الجمع والنقل وصولا إلى التخزين والمعالجة والإزالة.. “بدلا من ترك هذه المواد مهملة في الأودية، يمكن تحويلها إلى فرصة ذهبية تساهم في تعزيز التنمية المستدامة”.
أكّد بوعبدلي أنّ الجلود والصّوف يمكن استغلالهما كموارد قابلة للاسترجاع، ممّا يسهم في تحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية. من خلال تطوير آليات فعّالة لجمع هذه المواد ومعالجتها، يمكن خلق فرص عمل جديدة، وتقليل التلوّث، وتحسين ظروف المعيشة في المنطقة.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية

يتناول بلخير بوعبدلي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المتعلّقة بإعادة استخدام الجلود والصّوف، مشيرا إلى أنّ هذه المواد تعتبر فرصة لتوفير فرص عمل جديدة، ممّا يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للعديد من الأسر. ويبرز بوعبدلي أنّ استغلال هذه الموارد سيخلق وظائف في مجالات متعدّدة، مثل الصناعة التقليدية وإعادة التدوير.فيما يتعلّق بالبعد الاقتصادي، يؤكّد بوعبدلي على أهمية مكافحة التلوّث. حيث أنّ التعامل الصحيح مع الجلود والصّوف يمكن أن يساهم في الحدّ من التلوّث الهوائي والغذائي والمائي، وهي قضايا ملحّة تواجه المجتمع اليوم. إذ إنّ ترك هذه المواد في الأودية يتسبّب في الفيضانات وتفشّي الأمراض وتلوّث المياه، ممّا يؤثّر سلبا على الصحة العامة.

من التلوّث.. إلى الفرص الاستثمارية

يصف بلخير بوعبدلي منظر بقايا الجلود والصّوف المتناثرة على ضفاف الأودية بأنّه مشهد ينذر بالخطر، إذ تتحوّل هذه المواد إلى مصدر للتلوّث وتساهم في مشاكل الفيضانات. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه الكميات الهائلة من الجلود والصّوف أن تصبح فرصا استثمارية، بدلا من اعتبارها نفايات.
ويشير بوعبدلي إلى أنّه خلال يوم دراسي نظّم في بلدية مسعد، أبدى الحرفيون مخاوفهم من نقص المواد الأولية، حيث أكّدوا أنّهم لا يستطيعون الوصول إلى هذه المواد على الرغم من توفّرها بكثرة. كما يعوق غياب التخزين والمعالجة الصحيحة استغلال هذه الموارد القيّمة.

فرصة لحماية التراث الثقافي

يبرز بلخير بوعبدلي أهمية الاستثمار في الجلود والصّوف من خلال دعوته لإنتاج زربية جلفاوية قادرة على المنافسة مع المستوردات. ويعتبر أنّ هذا الاستثمار ليس مجرّد مشروع اقتصادي فحسب، بل هو وسيلة أيضا لحماية التراث الثقافي. ويؤكّد بوعبدلي أنّ الزربية الجلفاوية تتميّز بجودتها العالية وصحّتها، ممّا يؤهّلها لمنافسة المنتجات المستوردة.كما يشير بوعبدلي إلى تجربة مستثمر تركي في ولاية غليزان، حيث نجح في تنظيم صناعة الصّوف وتصديره إلى دول مثل الصين وإسبانيا. ويقول: “هذا النموذج يعكس الإمكانات الهائلة التي يمكن تحقيقها إذا تم التعامل بجدية مع هذه الموارد”.
ويعتبر بوعبدلي أنّ استغلال الجلود والصّوف في ظلّ التحدّيات البيئية والاقتصادية الحالية هو خطوة ضرورية نحو تحقيق استدامة بيئية. ويشدّد على أنّ الاستفادة من هذه المواد ليست خيارا بل ضرورة تقتضيها الظروف الحالية، مُضيفا: “بدلا من أن نترك هذه الثروة مهملة، يمكن أن تكون حلاّ فعّالا للعديد من المشكلات”.وفي سياق دعوته، يوجّه بوعبدلي نداء إلى جميع المعنيين، من رجال الأعمال والمستثمرين إلى المؤسّسات المعنية، للانخراط في هذا المشروع الحيوي. فالاستثمار في الجلود والصّوف يمكن أن يحقّق فوائد اقتصادية، ويعزّز الحفاظ على البيئة، ويعيد الحياة للصناعات التقليدية.ويلفت بوعبدلي النظر إلى أنّ المنطقة تحتوي على حوالي خمسة ملايين رأس غنم، بالإضافة إلى وجود مصنع للجلود، ممّا يفتح المجال أمام فرص لا حصر لها. إذا تمّت الاستفادة من هذه الموارد بشكل صحيح، يمكن أن نشهد تحوّلا ملحوظا في الاقتصاد المحلّي، ممّا يسهم في تحسين الظروف المعيشية للأسر ويعزّز من الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية في الجلفة.