مرّ عام كامل منذ بداية العدوان الصّهيوني على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، والذي خلّف وراءه مأساة إنسانية عميقة، حيث استشهد أكثر من 45 ألف مدني جراء الهجمات العنيفة التي طالت الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس، استخدم الكيان آلة الحرب بشكل غير مسبوق، ما أثار موجة غضب واستنكار عالمي تجاه استهداف المدنيّين والبنية التحتية الأساسية.
رغم حجم الكارثة الإنسانية، كان الصمت الغربي المدوي مثيرًا للشّبهات، ويعكس ازدواجية المعايير التي غالبًا ما يتعامل بها الغرب مع القضايا الإنسانية، بينما يتم التعامل بصرامة مع انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق أخرى، إلا أن القضية الفلسطينية غالبًا ما تُهمّش، ما يثير تساؤلات حول دور المصالح الجيوسياسية وتأثيرها في تعاطي المجتمع الدولي مع هذا الصراع.
في هذا السياق، برزت الجزائر كواحدة من الدول القليلة التي واصلت دعمها غير المشروط للفلسطينيين، فمنذ بداية العدوان كثّفت الجزائر جهودها على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، حيث قامت بتقديم العديد من مشاريع القرارات في مجلس الأمن بهدف وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائم الحرب التي ارتكبها، كما كانت الجزائر واضحة في موقفها الرافض للتطبيع مع الكيان، وسعت إلى حشد الدعم الدولي لفلسطين في المحافل العالمية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
دعم جزائــري للفلسطينيـّين
مباشرة بعد اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من أوائل الزعماء السياسيين في العالم، الذين أعلنوا دعماً صريحاً للقضية الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، ومنذ تولي الجزائر مقعدها في مجلس الأمن في جانفي 2024، قادت حملة دبلوماسية نشطة لفضح جرائم الكيان الصهيوني. وقدّمت الجزائر عدة مشاريع قرارات تهدف إلى إنهاء العدوان ودعم حقوق الفلسطينيين، ما وضع الولايات المتحدة وحلفاءها في موقف محرج أمام العالم.
ويرى العديد من المحلّلين أنّ الجهود الجزائرية داخل مجلس الأمن تُعتبر تاريخية، خاصة بعد أن نجحت في كسب دعم العديد من الدول، بل إن بعض الدول الغربية اتخذت خطوات للاعتراف بدولة فلسطين نتيجة للجهود الجزائرية رغم الفيتو الأمريكي الذي أعاق العديد من مشاريع القرارات التي قدمتها الجزائر.
صـوت فلسطين فــي مجلـس الأمـن
بداية من جانفي 2024، أخذت الجزائر على عاتقها دعم القضية الفلسطينية بقوة على الساحة الدولية، مستغلّة عضويتها في مجلس الأمن للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وقدّمت عدة مشاريع قرارات كان الهدف الرئيسي منها هو تحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار، حماية المدنيين الفلسطينيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وفي فيفري 2024، قدّمت الجزائر أول مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، تضمّن المشروع أيضًا دعوة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى قطاع غزة، ورفض عمليات التهجير القسري للفلسطينيين، كما شدّدت الجزائر على ضرورة التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. ومع ذلك، تمّ إجهاض هذا المشروع بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، وخلال الاجتماع قدم ممثل الجزائر في الأمم المتحدة عمار بن جامع مداخلة تاريخية، مؤكّدا بأنّ الجزائر لن تتوقف وستعود في كل مرة للدفاع عن الفلسطينيين وتجريم الكيان الصهيوني، كما وجّه بن جامع انتقادات شديدة للممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن مجلس الأمن يجب أن يدعم جهود بناء الدولة الفلسطينية بدلاً من عرقلتها. وأشار إلى أنّ العدوان على المدنيين في غزة لا يمكن أن يستمر دون محاسبة، مطالبًا باتخاذ موقف حازم من المجتمع الدولي لفرض السلام على أولئك الذين يرفضونه.
وبالفعل عادت الجزائر مرت أخرى بمشروع قرار جديد، حيث دعت إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الكيان الصهيوني. المشروع كان يهدف إلى تسليط الضوء على الجرائم الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين، ومنع مزيد من التصعيد، كما دعمت الجزائر جهود جنوب افريقيا ضد مسؤلين في الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية لاجل ادانتهم بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية.
وشهد مجلس الأمن الدولي يوم 18 أفريل جلسة تصويت تاريخية على مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر، والذي يوصي بقبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. وقد تمّ وضع مشروع القرار باللون الأزرق، في خطوة تعني اقتراب التصويت النهائي بعد سلسلة من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي قادتها الجزائر بدعم قوي من المجموعة العربية في نيويورك، بالرغم من الفيتو الامريكي أكدت الديبلوماسية الجزائرية أنها لن تتوقف وسوف تعود عبر الجمعية العامة مرة أخرى لأجل منح فلسطين العضوية الكاملة.
دعــم حـل الدولتـين
وفي ماي 2024، خلال اجتماع وزاري في بروكسل، أكّد وزير الخارجية أحمد عطاف على أنّ الجزائر ستعيد طرح ملف عضوية فلسطين الكاملة في مجلس الأمن والأمم المتحدة. وأوضح أن هذا التّحرك يهدف إلى تحقيق تقدم ملموس في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصًا في ظل التوترات المتصاعدة في الأراضي المحتلة والاعتداءات الصهيونية المتكررة. ودعا عطاف حينها إلى استغلال الزخم الدبلوماسي الذي نتج عن اعتراف العديد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، وشدد على أهمية تعزيز الدعم الدولي لهذا الحل باعتباره الحل العادل والدائم لهذا الصراع.
وفي 10 ماي وبأغلبية 143 صوت، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب.
كما يحدّد طرقا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة، وكان هذا التصويت تتويجا لجهود دبلوماسية جزائرية مضنية، وعمل سياسي جبار داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة دعم هذا المسار، والذي يعتبر خطوة مهمة نحو انهاء الاحتلال.
وعلى مدار عام من العدوان على غزة، أثبتت الجزائر أنها حليف ثابت للفلسطينيين على الساحة الدولية، حيث لم تقتصر جهودها على الدعم السياسي والإعلامي، بل تجسّدت في تحركات دبلوماسية حاسمة داخل مجلس الأمن وخارجه. رغم العقبات المتكررة واستخدام الفيتو ضد مشاريع قراراتها، واصلت وتواصل الجزائر الدفاع عن حق الفلسطينيين في الحماية والعدالة، معارضةً موجة التطبيع التي اجتاحت المنطقة. موقفها الواضح ضد الاحتلال الصهيوني وتأييدها الثابت لحل الدولتين جعلها رمزًا للاستمرارية في مواجهة التحديات الدولية، مؤكّدة على أن القضية الفلسطينية ستظل في صلب اهتمامها مهما تعاظمت الضغوط.