أبدأ حروفي هذه بالدعاء بالرحمة لأخي وصديقي الصدوق والوفيّ شيخنا الشهيد يوسف سلامة أبو إياد رحمه الله، وما تصوّرت يوماً أنّني سأكون وحدي في هذه الدنيا بدون الشيخ يوسف في أيّ يوم منذ بداية صداقتنا وأخوّتنا التي بدأت على الخير بتأسيس لجنة زكاة غزّة سنة 1988م، حيث كان التآلف والمحبّة والوئام بيننا منذ اللّقاء الأوّل، فحقّاً إنّ الأرواح جُنود مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فكانت الأُلفة والصداقة بيني وبين أخي الشيخ يوسف، ودامت علاقتنا على طريق الحب والخير والعمل الخيري، بدءاً بلجنة زكاة غزّة، مروراً بالعمل الوطني المشترك إبّان الإنتفاضة الأولى، واستمر عطاء هذا الرجل الهمام حين استلم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كوكيل عام لها ثمّ وزيراً للأوقاف، وخطيباً لمسجد المغازي الكبير، ومؤسّساً ورئيساً للجنة زكاة المغازي، ومؤسّساً ورئيساً لجمعية دار البر للأعمال الخيرية.
كلّ هذه المسؤوليات والمهام التي كانت على عاتق الشيخ لم تمنعه أيضاً من عمله الخيري المشهود له في إصلاح ذات البين بين الناس، فكان شيخنا رحمه الله من أبرز رجال الإصلاح على مستوى قطاع غزّة، ومديراً للعلاقات العامة لمعهد الأزهر الديني برفقة الشيخ محمد عواد رحمه الله.
الشيخ رحمه الله كان شعلة من النشاط والعمل الدؤوب، فقد أكمل دراسته ومسيرة التحصيل العلمي إلى أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الزيتونة في تونس، وكانت علاقاته الوطنية ومواقفه الوحدوية واضحة، وعلى تواصل دائم مع كافة ألوان الطيف السياسي في مجتمعنا الفلسطيني، مع التزامه الصلب والكامل بحركته الأم، حركة فتح التي نال ثقة أعضائها وكوادرها؛ لأن يكون مرشّح الحركة للمجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية في العام 2021م، والتي لم تعقد بسبب منع الاحتلال الصهيوني إجراءها في القدس، القدس التي كانت تحظى بقلبه وعقله وجلّ اهتمامه وتفكيره، فقد كان - رحمه الله - خطيباً للمسجد الأقصى، وأصدر أثناء توليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، العديد من الكتب والدراسات حول تاريخ هذه المدينة ومكانتها الدينية والتاريخية على مرّ الزمن.
لم يكلّ شيخنا ولم يملّ يوماً ولم تهدأ له عزيمة، فكانت كافة المناسبات الوطنية والحركية أو الاجتماعية لا تكتمل إلا بحضور الشيخ يوسف، بكلماته وحروفه التي تلامس قلوب الحاضرين، حتى إنّ حضوره للأفراح وإشهاره لها، كان مطلبا دائما من الجميع، وكان - رحمه الله - مُلبياً معطاء لا يردّ أحدا.
الشيخ يوسف سلامة كان بالنسبة لي علاوةً على أنّه أخ وصديق ورفيق درب، كان أيضاً مرجعاً دينياً، نتذاكر سوياً في أمور الدين والدنيا، وألجأ إليه حين يختلط علينا الأمر أو يصعُب فهمهُ، وكانت شروحه وتفاسيره وآراؤه - رحمه الله - دائماً بجانب الشرع الحنيف الوسطي، وكم كنت أسعد بأحاديثه دائماً وأشعر بأنّها فعلاً صادرة من قلب صادق مجتهد في تفاسيره وفتواه، ومُلبياً حاجات العصر، فلا تعارض لديه في أمور الدين والدنيا بما يرضي الله ويُريح القلوب الحائرة.
أخي الشيخ يوسف، اليوم أتحدّث عنه وما تخيّلته يوماً سيفارقنا، وأنّ الموت سيأخذه مني ولن أعود أجتمع به وبأسرته الغالية عليّ، أو سأتوقف عن سماع دعواته الأخوية الصادقة ليّ، ولكن ما يعزّيني ويعزّينا جميعاً أنّ الله قد اختاره شهيداً شهيداً، وسنظلّ نذكره وندعو له ولأسرته العزيزة بالرحمة والمغفرة وأن يجمعنا الله به في فردوسه الأعلى.
أختتم كلماتي بأنّني أفتقدك دائماً يا أخي ويا صديقي ويا رفيقي ويا شيخي، لكَ مني الحب وعهد الوفاء لكَ ولأسرتك ولكلّ مَن عرفوك وأحبّوك ..
إنّا لله وإنّا إليه راجعون