ترهيب وتعنيف خوفا من انزلاق الوضع إلى عصيان مدني شامل
إفلاس آلاف الشركات المغربية..وضحايا زلزال الحوز مازالوا في العراء
شهدت الحدود بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية الإسبانيتين في الأيام القليلة الماضية تدفق آلاف الشباب المغاربة، بينهم الكثير من المراهقين، في ما عُرف إعلامياً بليلة “الهروب الكبير”.. جاءت هذه الحادثة عقب حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي دعت إلى هجرة جماعية نحو سبتة، وكتعبير من الشباب المغربي عن حالة اليأس التي أصبح يعيشها بشكل يومي نتيجة تردي ظروف الحياة.
شكلت مدينة فنيدق الساحلية، القريبة من الحدود، نقطة انطلاق لمعظم الشباب المغاربة اليائسين الذين حاولوا إما السباحة عبر السياج الأمني الذي يفصل سبتة عن المغرب، أو اختراقه بوسائل أخرى. وكرد فعل وضعت السلطات المغربية خطة أمنية لمنع تدفق المهاجرين، وشهدت المنطقة توتراً بين المهاجرين وقوات الأمن في شكل عصيان مدني يؤشر على أوضاع مستقبلية خطيرة، مما دفع بعض الجهات إلى الدعوة للتعامل الإنساني مع هؤلاء الشباب بدلاً من الاعتماد على الحلول الأمنية المفرطة والتي وثقتها صور الكاميرات والتي وصلت الى حد الإهانة الجسدية والضرب المفرط في بعض الأحيان.
وفيما تزايدت الانتقادات داخل المجتمع المغربي حول تردي أوضاع المعيشة والكيفية التي تعامل فيها الأمن المغربي مع هذه الأحداث، برزت أصوات محسوبة على المخزن تحت غطاء جمعيات حقوقية تتهم الشباب بأنهم يُستغلون من قبل جهات أجنبية بهدف زعزعة استقرار المغرب، دون تقديم أدلة قاطعة على هذه الادعاءات.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن الدوافع الحقيقية وراء موجة الهجرة هذه، تكمن في الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشباب المغربي، حيث باتت البطالة وغلاء المعيشة من أبرز التحديات اليومية التي تدفع هؤلاء إلى البحث عن فرص حياة أفضل خارج البلاد.
وتشير العديد من التقارير إلى أن المغرب يعيش منذ جائحة كورونا أزمة اقتصادية حادة. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية، خاصة الخضروات، نتيجة للجفاف وسوء التخطيط المرتبط بتصدير جزء كبير من الإنتاج الفلاحي للخارج، مما زاد من الضغط على السوق المحلي.
في الوقت ذاته، لا تتجاوز قيمة الإنتاج الفلاحي في المغرب 18 مليار دولار، يُصدَّر منها حوالي 6 مليارات سنويا، ما يعكس اختلالات هيكلية في توزيع الموارد والسلع داخل البلاد وآثاره المدمرة على أسعار السلع وسهولة الوصول الى الغذاء بالنسبة للطبقات الهشة والفقيرة.
وتعكس هذه الأرقام مؤشرات مقلقة حول أزمة الغذاء أو حتى الجوع المحتملة في المغرب، خاصة إذا ما قورنت بدول أخرى تستهلك كميات مضاعفة رغم أن عدد سكانها يعادل أو يقل عن عدد سكان المغرب. ومع توافد أكثر من 10 ملايين سائح سنويًا، يسهمون بشكل كبير في استهلاك المنتجات الفلاحية، تزداد التساؤلات حول الوضع المعيشي في المملكة، في ظل ما يبدو أنه تعتيم رسمي وإعلامي على هذه القضايا الحاسمة.
هذا الوضع لم يكن مقتصراً على القطاع الزراعي فقط، بل امتد ليشمل قطاع الأعمال أيضاً فخلال عام 2023، أعلنت أكثر من 14 ألف شركة مغربية إفلاسها، بزيادة تُقدر بـ15% مقارنة بالعام الذي قبله، وهو ما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية في المغرب، وأشارت بعض التقارير إلى أن هذا الرقم قد يصل إلى 40 ألف شركة ما لم تُتخذ إجراءات إصلاح عاجلة.
على صعيد آخر، لا تزال تداعيات زلزال الحوز الذي ضرب جنوب المغرب العام الماضي تلقي بظلالها على سكان المنطقة، فقد عجزت السلطات المغربية عن الوفاء بتعهداتها بشأن إعادة إعمار المنازل المتضررة، وحسب تقارير صحفية مغربية فقد تم إعادة بناء ألف منزل فقط من أصل 50 ألف.
هذا البطء في عملية إعادة الإعمار، دفع سكان المنطقة إلى تنظيم احتجاجات بشكل شبه يومي مطالبين بالوفاء بالوعود الحكومية وتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة وأن الفيضانات الأخيرة التي ضربت المنطقة قد زادت من معاناة السكان المهمشين في الأصل.
بالتوازي مع هذه التحديات، يحاول المخزن المضطرب سياسيا والمتعثر اقتصاديا تلميع صورته والترويج لصورة غير موجودة إلا في مخيلة راسميها، لكن الحقائق على الأرض تكشف عن معاناة كبيرة تواجهها شريحة واسعة من المغاربة، الذين يرون أن المغرب بات رهيناً للشركات الأجنبية التي حصلت على مزايا استثمارية لا تتوافق مع مصلحة الاقتصاد المغربي الغارق في الديون الخارجية.