طباعة هذه الصفحة

تطوّرات لافتة في إنتاج محصول البطاطس بتيفاست الحضارية

تبسة تتهيّأ لاقتحام عالم الأقطاب الفلاحية الكبرى

روبورتاج: سفيان حشيفة

 ارتفاع مـسـاحـات زراعة البطاطس إلى أزيـد  مـن 3700 هـكـتــار

 تزويد الأسواق المحـليـة والوطنية بـقرابـة  1.6 ملـيـون قـنـطـار

تمضي ولاية تبسة قدماً لتكون أحد أكبر الأقطاب الفلاحية في الجزائر الجديدة، بعد الطفرة الإنتاجية التي حقّقتها خلال السنوات الأخيرة، في زراعة محصول البطاطس، وتحوّلها إلى مورّد محلي هام لهذه المادة الاستهلاكية الأساسية في الفترة الموسمية الصيفية.

تتمتّع تبسة (700 كلم شمال شرق الجزائر)، بإمكانات فلاحية هامة ذات آفاق واعدة في إنتاج محصول البطاطس، تُؤهّلها للمساهمة في الناتج الإجمالي من هذه المادة بكميات معتبرة، وكذا كسب رهان تحقيق الأمن الغذائي الوطني الذي رفعت رهانه السلطات العمومية قبل أعوام قليلة في شتى المحاصيل والمنتجات الفلاحية والحيوانية.
وحقّق النشاط الزراعي بهذه الولاية الحدودية مع دولة تونس الشقيقة، نقلة سريعة في مستوى الإنتاج والمساحات المستغلة لمحصول البطاطس، بفضل الحركية الكبيرة التي أتاحتها البرامج العمومية للرفع من حجم الإنتاج كمّا ونوعا، بمختلف المنتجات الزراعية المحلية، لا سيما في مجال الربط بالكهرباء الفلاحية، ما جعل من هذه المنطقة موردا جديدا مؤهّلا للانخراط بقوة في دورة الاقتصاد الوطني على غرار الولايات الكبرى المتخصّصة في الإنتاج الزراعي مثل بسكرة وعين الدفلى والوادي والمنيعة وأدرار.
ورغم ما تمتلكه تبسة من مقوّمات منجمية وسياحية هامة، إلاّ أنّ ذلك لم يثن مستثمريها ومتعامليها عن اقتحام مجالات إنتاجية محلية جديدة كالفلاحة، ما من شأنه أن يكون مصدرا إضافيا لدخل السكان المحليين وفرصة لاستحداث وتوفير آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة.
ولقد لاحظت “الشعب” خلال الصّائفة الفائتة، انتعاشة للحركة الفلاحية بولاية تبسة، مسّت حصاد الحبوب وجني محصول البطاطس معاً، رافقها توافدا كبيرا للعمال بمجال قلع البطاطس قادمين من الولايات المجاورة، وهو ما أضفى نشاطا تجاريا وزراعيا نوعيا على المنطقة، حوّلها إلى قبلة لتجار الجملة من كافة نواحي الشرق الجزائري بغرض شراء وتموين الأسواق الداخلية بهاته المادة الإستهلاكية.
ويتقاضى المُشتغلون في مجال قلع البطاطس بتبسة، بحسب ما علم، أجورا مرتفعة تصل ما بين 3000 و4000 دج في اليوم الواحد، وهو ما جعلها محطّ أنظار كثير من البطالين الشباب من داخل الولاية وخارجها في الفترة الصيفية.
وبما أنّ البطاطس مصنّفة كرابع أهمّ محصول في العالم بعد القمح والذرة والأرز، وتحظى باستهلاك خارجي وداخلي متصاعد واسع النطاق، فإنّ الاستثمار في مواطن نجاحها بولايات الوطن أصبح أكثر من ضرورة لضمان الاكتفاء الذاتي النهائي منها، والتوجه نحو تصدير فوائضها لاحقا إلى الأسواق الخارجية، لا سيما مع قدرة هذه المادة على الصمود في حالات تخزينها متوسط الأمد.

سياسة المـرافـقة والـدعـم لـلـمـنتجـين

أوضح رئيس مكتب المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي بولاية تبسة، عقبة زرفاوي، أنّ ولاية تبسة تمكنت من بلوغ إنتاج 1.6 مليون قنطار من مادة البطاطا بالموسم الحالي، وهو ما يعتبر رقما قياسيا بفضل سياسة المرافقة والإرشاد التقنيين، والدعم الموجّه للمنتجين، وتسهيل كافة الإجراءات المتعلقة باقتناء العتاد الفلاحي بكلّ أصنافه سواءً المحلي أو المستورد، وكذا تدعيم مدخلات عمليات الإنتاج من بذور وأسمدة.
وأبرز زرفاوي، في تصريح لـ«الشعب”، أنّ إنتاج مادة البطاطا يعدّ حلقة جدّ هامة في الدورة الزراعية بولاية تبسة، لما لها من تأثير مباشر على باقي المحاصيل المدمجة، بالمقابل تعكف الدولة على ضبط أسعار المنتجات الفلاحية وخاصة المواد الأساسية منها، وضمان ديمومة تواجدها في السوق على مدار السنة.
ولهذا الغرض، لجأت المصالح العمومية، في الآونة الأخيرة، إلى إنجاز غرف تبريد لما لها من دور رئيسي في تأمين وفرة المنتجات الزراعية لا سيما في أوقات الندرة، وحماية الفلاحين من الخسائر في حالة وجود فوائض في الإنتاج، بحسب قوله.
وتابع زرفاوي: “تعتبر غرفة التبريد التي أنجزت ببلدية الشريعة، مؤخراً، التابعة لمجمّع المتوسطية للتبريد، صرحاً هاماً في قطاع الفلاحة بالولاية، سيشكل قفزة نوعية من شأنها تقديم الإضافة في السّوق وتوفير مناصب شغل كثيرة، كما كان لها انعكاس إيجابي على فلاحي تبسة الذين عبروا عن اطمئنانهم بدخول هذه المنشأة حيّز الخدمة بطاقة استيعاب 5 آلاف متر مكعب، خُصِّص منها 4 آلاف متر مكعب لتخزين مادة البطاطا”.

تـسويـة الـعـقار والـربـط الـكهربـــائي

ربط زرفاوي رهان تطوير زراعة شعبة البطاطا بتبسة بالعمل على تسوية العقار الفلاحي وتنظيمه، حتى يتمكّن الفلاح من العمل في أريحية وتشجيعه على زيادة المساحات في المواسم القادمة، موضحا أنّ منظمته رافعت من أجل تبسيط  وتوحيد إجراءات الحصول على رخص حفر الآبار في إطار الدعم الفلاحي لدحض كافة أشكال البيروقراطية.
كما لفت محدّثنا إلى ضرورة دعم الولاية أكثر بالكهرباء الفلاحية، ومراجعة التسعيرة في بعض المناطق لاسيما الجنوبية على غرار فلاحي الولاية المجاورة وادي سوف؛ ذلك أنّ الكهرباء الفلاحية ستساهم في رفع مردودية بعض المحيطات الفلاحية التي لا يزال فلاحوها يستعملون مادة المازوت لسقي محاصيلهم.
فضلا عن ذلك، يبقى التشجيع على تأمين المحاصيل الزراعية الحلّ الأمثل لحماية الفلاح من كافة المخاطر التي قد تعترضه خلال عملية الإنتاج، إذ يتعين تحسيس الفلاحين على الانخراط بكثافة في صناديق التأمين لتجنيبهم الخسائر وضمان حقوقهم من التعويضات، يضيف رئيس مكتب المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي بولاية تبسة عقبة زرفاوي.

الأراضي خـصبة والمـناخ مـتنوّع..

أفاد أستاذ العلوم الفلاحية بجامعة التبسي العربي - تبسة، الدكتور نجم الدين سلطاني، أنّ مادة البطاطا في الجزائر تُعدّ من المحاصيل الأساسية، حيث بلغت المساحات المخصّصة لزراعتها خلال الموسم الماضي 180 ألف هكتار على المستوى الوطني، ممّا يجعلها تنافس إنتاج الحبوب.
وقال سلطاني، في اتصال مع “الشعب”، إنّ توسيع زراعة البطاطس في الجزائر شمل مناطق جديدة مثل ولايات تبسة وتقرت وتمنراست، ومن المتوقّع أن يؤدّي هذا الأمر إلى زيادة كبيرة في المساحات والإنتاج، وتضاعف في الحجم الكلي مقارنةً بما كان عليه قبل عشر سنوات.
ووفقاً لسطاني، تتميز ولاية تبسة بطابعها الفلاحي، وهي معروفة بأراضيها الخصبة وتنوّعها المناخي، وتتربّع على مساحة صالحة للزراعة مقدّرة بـ312.047 هكتار منها 35 ألف هكتار مسقية مستغلة في زراعة الحبوب، والخضروات، والأشجار المثمرة، كما تتوفر على ثروة هائلة من المواشي تبلغ بحوالي 800 ألف رأس من الأغنام.
وتستحوذ زراعة البطاطا المتوقع جنيها على مساحة مغروسة تقدّر بحوالي 4 آلاف هكتار بإنتاج يزيد عن 1.5 مليون قنطار، مثلما أبرز نفس المصدر.

ارتـفاع محـسوس لـلمساحات المستـغلـة

كشف سلطاني أنّ المساحات المزروعة من البطاطا بولاية تبسة، عرفت الموسم الفلاحي الجاري ارتفاعا محسوسا مقارنة بالموسم المنقضي، ويعود ذلك إلى استقرار أسعار هذه المادة ذات الاستهلاك الواسع بالأسواق المحلية والوطنية نتيجة الإجراءات المتخذة من طرف الوزارة الوصية للحفاظ على نشاط الفلاح والقدرة الشرائية للمستهلك في الوقت نفسه.
وتنتشر زراعة البطاطس - كما أضاف محدّثنا - بنسب متفاوتة في أغلب أقاليم بلديات الولاية لاسيما البلديات الثلاث ذات الطابع الفلاحي “الماء الأبيض، الحويجبات، أم علي”، وهي البلديات التي تنتج ما نسبته 70 بالمائة من إجمالي إنتاج المنطقة، وتتوفر على قدرات عالية في إنتاج هذه المادة الغذائية من أراضي زراعية خصبة وموارد مائية معتبرة.
وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار ولاية تبسة من الأوائل وطنيا في مردود الهكتار الواحد، حيث يصل متوسط الإنتاج فيها إلى 420 قنطار في الهكتار في بعض المناطق، بالمقارنة مع ولاية وادي سوف الأولى وطنيا في إنتاج البطاطا التي يصل متوسط إنتاجها إلى 300 قنطار في الهكتار، يضيف المتحدّث.
إلى ذلك، أشار الأستاذ نجم الدين سلطاني، إلى أنّ استصلاح الأراضي، وتوفير المكننة الزراعية، وتحديث وتطوير نظام السقي، وتسهيل الإجراءات، ودعم الشباب في مجال الفلاحة، وإنشاء محيطات زراعية جديدة، يمكن أن يحدث طفرة نوعية في شعبة إنتاج البطاطا في ولاية تبسة، ويجعلها تتصدر الإنتاج الوطني رفقة الجارة وادي سوف.

قطب فـلاحـي وطـني واعـد

من جهته، أكّد رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، الدكتور ياسين عبيدات، أنّ ولاية تبسة تحولت منذ سنوات إلى قطب فلاحي نموذجي في إنتاج شعبة البطاطا، نتيجة لتحسن طرق الزراعة والتقنيات المستخدمة، ممّا ساهم في تلبية الطلب المحلي.
وأضاف عبيدات في تصريح أدلى به لـ«الشعب”، أنّ تبسة أصبحت من الولايات الرائدة على المستوى الوطني في هذه الشعبة الفلاحية الهامة المعتبرة من أكثر المنتجات استهلاكا في الجزائر؛ كونها تدخل في النمط الغذائي اليومي للأسر الجزائرية، حيث تعتزم الدولة تطويرها بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض أسعارها التي عرفت مستويات قياسية وصلت لحدّ 140 دج للكلغ الواحد في أوقات الندرة.
وأوضح المتحدّث أنّ المساحات المغروسة التي تفوق حاليا 3700 هكتار بولاية تبسة، أغلبها ببلديات الماء الأبيض، ولحويجبات، وأم علي، ومن المرتقب أن يتجاوز حجم الإنتاج هذا الموسم ما يفوق 1.6 مليون قنطار من مادة البطاطا عالية الجودة.
كما اعتبر عبيدات هاته الولاية ذات ميزات نسبية وتنافسية في إنتاج شعبة البطاطا الحيوية، خاصة في ظلّ وجود المناخ المناسب، وهو ما يسمح بعملية غراستها حتى في غير موسمها بالتوازي مع وجود أقطاب فلاحية جديدة بجنوب المنطقة يمكن من خلالها توسيع المساحات المزروعة.

اسـتـحداث محيطات فـلاحيـة جديدة

وفي هذا الإطار، اقترح الدكتور ياسين عبيدات، مرافقة أكثر من السلطات المركزية والمحلية لتطوير شعبة البطاطا بولاية تبسة، لا سيما في مجال استحداث محيطات جديدة لزيادة المساحات المغروسة، وتسهيل منح القروض للفلاحين، وتسوية وضعية العقار الفلاحي، وتوفير الأسمدة ووسائل السقي بالتقطير بأسعار مدعّمة، ومنح رخص حفر الآبار، واستحداث مزرعة نموذجية على المستوى المحلي لإنتاج البذور بإستخدام التقنيات المتطورة.
علاوة على ذلك، ضمان تكوين نوعي للفلاحين في مجالات الغراسة والسقي والجني، وإتِّباع المسارات التقنية الحديثة لتحقيق مردود جيد، وتنظيم الفلاحين في تعاونيات من أجل التحكم في الإنتاج والتخزين والتسويق، وإدخال المكننة، وترشيد إستهلاك المياه، وتوفير البذور ذات النوعية الجيدة، مع ضرورة السعي لإنشاء مخبر لمراقبة النوعية، وكذا تشجيع الإستثمار في قطاع الصناعات التحويلية المتّصل بهذه الشعبة.
كما دعا عبيدات إلى ضرورة الانخراط ضمن السياسة الوطنيّة الرّامية إلى تطوير الزراعة المكثّفة لتحسين المردودية في الهكتار الواحد إلى أكثر من 450 قنطار في الهكتار، بغية تلبية الطلب المحلي والوطني المتزايد، والعمل على استخدام الأسمدة العضوية الطبيعية بدل الإستعمال غير العقلاني للأسمدة الكيماوية المصنَّعة.
جدير بالذكر أنّ تبسة تتميّز بتنوّع مواردها الاقتصادية، ولها طابع سياحي أثري عريق، وخاصية منجميّة فريدة في مجال إنتاج الفوسفات، وسمة فلاحية واعدة في طور التطوّر والنمو، ممّا يجعلها ولاية متعدّدة المصادر الخلاّقة للثروة، وجماعة محلية حُبلى بالمقوّمات الطبيعية المُعضِّدة للاقتصاد الوطني الباحث عن تنويع مسالك دخله بعيدا عن قطاع المحروقات.