طباعة هذه الصفحة

الخبير الاقتصادي مهدي بوشطارة لـ “الشعب”:

تعزيز الشّفافيـة..إحقـاق الحـق وإزهاق الباطل

هيـــــام لعيــون

 أكّد الخبير الاقتصادي مهدي بوشطارة، أنّ الجزائر وضعت نصب أعينها هدفا واضحا يتمثل في بناء دولة الحق والقانون التي تكرّس مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة، مبرزا أنّ السّلطات العليا في البلاد بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، قامت بعدة خطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف، ومن بين هذه الخطوات تنفيذ إصلاحات قانونية ومؤسساتية تهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
 من هذا المنظور، يرى أستاذ المناجمنت أنّه تمّ اتخاذ عدة خطوات لتعزيز هذا المبدأ على أرض الواقع، ومن أبرز هذه الخطوات تحسين التواصل بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، حيث أصبحت العديد من المؤسسات تعتمد على منصات إلكترونية لتقديم الخدمات بشكل مباشر وشفاف، وتسمح للمواطنين بتقديم شكاواهم وملاحظاتهم، ممّا يعزز من مستوى الشفافية والمساءلة.
ومن أبرز هذه الإصلاحات إنشاء “السلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته”، وهي هيئة مستقلة تهدف إلى مراقبة أداء المؤسسات الحكومية، وضمان النزاهة في إدارة الشؤون العامة - يقول بوشطارة - إضافة إلى ذلك، تمّ إطلاق منصات إلكترونية تهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مثل منصة “شكاوي” التي تسمح للمواطنين بتقديم شكاوى ضد المؤسسات الحكومية. هذه المنصة ساعدت في كشف العديد من حالات الفساد، وساهمت في تحسين أداء الإدارة العامة من خلال تعزيز المراقبة والمساءلة.
وأضاف “كما تمّ اعتماد إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد تمتد على مدى خمس سنوات (2023-2027)، وتهدف إلى تعزيز النجاعة والنزاهة في جميع مستويات الإدارة، حيث أن هذه الإستراتيجية تعتمد على أدوات ومؤشرات لقياس مدى فعالية الجهود المبذولة، ما يعكس التزام الحكومة بمكافحة الفساد بشكل منهجي ومستدام”.

مواكبـة التّكنولوجيــات

 وردّا على سؤال متعلق بمواكبة التكنولوجيات الحديثة، أبرز الخبير أن الإدارة العمومية بالجزائر بذلت جهودا ملحوظة لمواكبة التطور الرقمي من خلال اعتماد الرقمنة والإدارة الإلكترونية، وأضاف أن هذه التحولات جاءت في إطار إستراتيجية وطنية تهدف إلى تحسين كفاءة الإدارة العامة، وتسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات الحكومية.
ومن بين أحد الأمثلة البارزة على هذه الجهود، إطلاق منصات إلكترونية تمكّن المواطنين من تقديم الطلبات والشكاوى بشكل مباشر عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى زيارة مكاتب الإدارة، ولقد ساهمت هذه المبادرات في تحجيم البيروقراطية وزيادة الشفافية في تقديم الخدمات.
وأبرز الخبير الاقتصادي أنّ “مبدأ الشفافية يلعب دورا محوريا في تعزيز جودة الخدمة العمومية، فعندما تكون العمليات الحكومية مفتوحة وواضحة، يتمكن المواطنون من فهم كيفية تقديم الخدمات، ما يعزز الثّقة بين المواطن والإدارة، علما أنّ الشفافية تعني أن المعلومات المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات وتوزيع الموارد متاحة للمواطنين، وهو ما يقلّل من فرص الفساد، ويضمن تقديم الخدمات بشكل عادل ومنصف، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الشفافية تتيح للمواطنين فرص تقييم أداء الحكومة والإدارة العامة، وهو ما يشجّع على تحسين الخدمات بشكل مستمر، هذا الربط بين الشفافية وجودة الخدمة هو ما يخلق إدارة فعالة تستجيب لاحتياجات المواطنين، وتعمل على تحسين حياتهم اليومية”.

إشراك المجتمــع المدنـي

 وبخصوص دور الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد 2023-2027 في مكافحة الفساد، قال الخبير إن “إطلاق الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته”، يُعتبر خطوة جريئة وهامة نحو تعزيز النزاهة والشفافية في الجزائر، من خلال أدوات مثل “مؤشر النجاعة والنزاهة”، حيث تسعى الإستراتيجية إلى تحسين فعالية جهود مكافحة الفساد، وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات. ومع ذلك، هناك تحديات تواجه تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الإستراتيجية”.
من جانب آخر، تطرّق محدّثنا إلى إشراك المجتمع المدني في تسيير الشأن العام وتعزيز حق الوصول إلى المعلومات، وقال إنّهما “يُعدّان من العناصر الأساسية لتعزيز الشفافية والمساءلة”.
أمّا عن دور هيئة وساطة الجمهورية في تعزيز الشفافية، فقد شدّد المتحدث على أنّ “هيئة وساطة الجمهورية تمثّل واحدة من الأدوات الأساسية التي اعتمدتها الجزائر الجديدة لتعزيز الشفافية في تسيير الشأن العام، حيث أنّ الهيئة تعمل على تقريب الإدارة من المواطنين من خلال الإصغاء إلى شكاويهم والعمل على إيجاد حلول لمختلف انشغالاتهم، مبرزا أنّه “من خلال هذا الدور الوسيط، تساهم الهيئة في تعزيز الثقة بين المواطن والإدارة، ما يؤدّي إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية ودولة القانون، خاصة أن الهيئة تعمل بشكل مباشر على حل النزاعات التي قد تنشأ بين المواطنين والإدارة، ما يساهم في تحسين فعالية الإدارة العامة وزيادة الشفافية في اتخاذ القرارات”.

آليـات فعّالـة لمكافحة الفسـاد

 بالعودة إلى الآليات الرقابية لمكافحة الفساد في الجزائر، قال بوشطارة إنّ “الجزائر تعد من بين الدول التي أولت أهمية كبيرة لمكافحة الفساد من خلال إنشاء العديد من الهيئات الرقابية، إلى جانب الإستراتيجية الجديدة، توجد ست هيئات رئيسية تعمل على مكافحة الفساد، منها الديوان المركزي لقمع الفساد الذي يُعتبر من أولى الهيئات التي تمّ إنشاؤها بهدف مكافحة الفساد في الجزائر. الديوان يتولى التحقيق في قضايا الفساد الكبيرة، ويعمل بالتنسيق مع السلطات القضائية لضمان محاسبة المتورطين، إلى جانب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (هيئة دستورية منذ 2020)، وتعمل على وضع السياسات الوطنية لمكافحة الفساد وتعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر الفساد وطرق الوقاية منه. علما أن الهيئة تتمتع بصلاحيات واسعة تشمل التحقيق والمراقبة والتنسيق مع الهيئات الأخرى، إضافة إلى مجلس المحاسبة الذي يقوم بدور الرقابة المالية على المؤسسات الحكومية، حيث يراقب إنفاق المال العام ويتأكد من توجيهه بشكل صحيح ومطابق للقوانين. ويسهم المجلس في الكشف عن التجاوزات المالية والفساد الإداري”.
كما تعمل المفتشية العامة للمالية - يقول محدّثنا - على مراقبة التدفقات المالية داخل الوزارات والمؤسسات العامة، وتضمن الشفافية في إدارة الأموال العامة. المفتشية تلعب دورًا هامًا في الكشف عن حالات الفساد المالي وتقديم التقارير اللازمة للسلطات المختصة. أما هيئة “من أين لك هذا؟” (2022)، التي تم إنشاؤها لتراقب الثراء غير المشروع بين الموظفين العموميين، فقد أكّد محدّثنا أنها تحقق في مصادر الثروة المفاجئة، وتعمل على تقديم المتورطين إلى العدالة إذا ثبت تورّطهم في الفساد، وبهذا الخصوص، أوضح الخبير أن هذه الآليات تشكّل بنية قوية لمكافحة الفساد بالجزائر، وتعزّز من قدرة الدولة على محاربة هذه الظاهرة المعقدة.