تعزيـز الأمن الغذائـي المائي الصحي والرّقمي..أركـان السّيــادة الاقتصاديــة
تجسيـد المشاريـع الهيكليـة ذات البعد الاستراتيجــي والإقليمــي..أولويـة
الحفاظ علـى السّياســة الاجتماعية للدولـة..ثابـت نوفمبري
أكّد الخبير والمستشار الاقتصادي، عبد القادر سليماني، أن العهدة القادمة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ستكون اقتصادية وتنموية بامتياز، ضمن خطّة طريق أساسها مشاريع اقتصادية متعلقة بالتنمية المستدامة والشاملة لاستكمال النهضة الاقتصادية بكل تجلياتها، وتثبيت أركان السيادة الاقتصادية المستدامة.
أوضح سليماني في تصريح لـ “الشعب”، أن أركان السيادة الاقتصادية تتمثل في الأمن الغذائي عن طريق الفلاحة والزراعة الصحراوية بالتحكم في أساليب وتقنيات تعزيز الإنتاج الفلاحي، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي خصوصا في المنتوجات الإستراتيجية كالحبوب القمح الصلب والشعير والذرة والزراعات الصناعية على غرار الشمندر السكري والزراعات الزيتية والسكرية، خاصة مع طرح العديد من المشاريع في هذا الإطار مع الشركاء الأجانب من إيطاليا، قطر، الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا في الولايات الجنوبية كأدرار، تيميمون، عين صالح، المنيعة والعديد من الولايات، مذكّرا بمشروع استصلاح 500 ألف هكتار على الأمد المتوسط، كل هذه المشاريع تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن ثم الذهاب نحو التصدير عن طريق الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية.
أمّا الركن الثاني - يقول سليماني - فهو المتمثل في الأمن الطاقوي، حيث أنّ الجزائر أصبحت تتمتّع بقوة طاقوية كبيرة جدا في الطاقات المتجددة، ناهيك عن الغاز، لاسيما بعد نجاحها في احتضان منتدى الدول للغاز، حيث أصبح الغاز سلاحا قويا بيد الجزائر، وتسيطر على الأمن الطاقوي والغازي لأوروبا، وتصدر كميات كبيرة جدا والهدف هو بلوغ 100 مليار م3 من صادرات.
ويشكّل الأمن المائي أيضا - يؤكّد محدثنا - أحد ركائز برنامج رئيس الجمهورية من خلال وضع وتطوير الإستراتيجية الوطنية للمياه غير التقليدية، خصوصا تحلية مياه البحر وإعادة استغلال المياه المستعملة وكذلك المياه الجوفية لتلبية 60 بالمائة من الاحتياجات المائية، بالإضافة إلى الأمن الصحي من خلال تطوير الصناعة الصيدلانية، ناهيك عن الأمن الرقمي عبر عقد صفقة لاستحداث “مركز بيانات وطني مع الشريك الصيني كلها تمثل أركان السيادة الاقتصادية التي يعول عليها الرئيس تبون في عهدته القادمة.
وبالنسبة للمشاريع الكبرى والمهيكلة للاقتصاد الجزائري، قال الخبير إنّ الرئيس تبون أطلق العديد من المشاريع ذات البعد الاستراتيجي والإقليمي بداية بغارا جبيلات لإنتاج الحديد الصلب بطاقة قصوى تصل تقريبا 30 مليون طن من الحديد، ما يعني تطور صناعات تحويلية أخرى بالنسبة للحديد والصلب ولفائف الحديد، حيث وصلت الجزائر الى الاكتفاء الذاتي وتسعى لتصدير كميات كبيرة، وهو المشروع الذي حرّك - يقول المتحدّث - مشاريع أخرى كخط السكك الحديدية على مسافة 950 كلم بين غار الجبيلات إلى غاية بشار، ومن ثم ربطه مع موانئ وهران، الغزوات ومع مختلف مركبات الحديد والصلب مثل مركب وهران، جيجل ومركب جديد الذي سوف يقام ببشار بشراكة مع الأتراك والقطريين، ناهيك عن مشاريع أخرى كالفوسفات المدمج بتبسة، الذي سيسمح بإنتاج الأسمدة أيضا ومواد اليوريا والهمونيا، وإطلاق خط سكة حديدية يربط بين هذا المشروع وموانئ عنابة وسكيكدة من أجل تصديره وتنشيط الصناعات المرافقة لمنجم الفوسفات دون نسيان منجم آميزور ببجاية لإنتاج الألمنيوم والرصاص، الذي يسمح بخلق نسيج اقتصادي وسيزود السوق الداخلية بهذه المواد، ودعم وتوطين الإنتاج محليا.
في المقابل، أشار سليماني إلى المشاريع التنموية لاسيما في البنى التحتية والمشاريع القاعدية، حيث تعوّل الجزائر على بناء آلاف كيلومترات من السكك الحديدية ومن الطرقات المزدوجة، وكذلك طريق الوحدة الإفريقية، وخط الألياف البصرية الذي يربط الجزائر بأقصى جنوبها إن قزام، عين صالح وحتى تندوف ومن ثم تصديره إلى دول مجاورة كليبيا موريتانيا.
شركة عموميـة لأشغـال الموانـئ
وتحظى الموانئ الجزائرية أيضا بالاهتمام، يؤكّد سليماني، فقد تمّ مؤخّرا إطلاق شركة عمومية تختص بأشغال الموانئ من أجل تعزيز وزيادة حجم وتوسعة الموانئ لاستقبال السفن الكبرى من أجل زيادة صادرات الجزائر، موضّحا أنّه للوصول إلى 30 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، يجب توفير بنية تحتية من النقل واللوجيستيك لتصدير كميات كبيرة من مواد الحديد والصلب، الاسمنت، مواد البناء ومواد أخرى تتطلّب موانئ كبرى وسفن أكبر للولوج إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية، خاصة مع دخول الجزائر الى منطقة “زيكاف”، وفي العديد من التكتلات الإقليمية آخرها بنك “بريكس”، ما يضمن الولوج للأسواق الخارجية والدخول حتى في سلاسل الإمداد والشحن العالمية.
تعزيــز الجبهـة الدّاخلية..أولويـة الرّئيس
بخصوص الشق الاجتماعي، أوضح الخبير الاقتصادي أن رئيس الجمهورية التزم وأعلن عن خلق أكثر من 450 ألف منصب شغل مستقبلا، وسيتم زيادة منح البطالة، وكذا الرواتب ومنح المعاشات لتصل الزيادة إلى 100 بالمائة، في الأيام القادمة، تعزيز القدرة الشرائية والمحافظة على السياسة الاجتماعية الدولة، وتعزيز الجبهة الداخلية التي تعد أولى أولويات الرئيس تبون، باعتبار أنّ المواطن هو أساس كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار سليماني إلى أنّ الرّهان الكبير هو توفير السيولة وتمويل التحويلات والزيادات في المنح والأجور التي سيتم تغطيتها من الخزينة العمومية من خلال خلق الثروة وعشرات آلاف من الشركات المتوسطة والصغيرة والناشئة، حيث تمّ تسجيل 9 آلاف مشروع استثماري جديد في الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار منها 150 مشروع أجنبي، والوصول الى 120 ألف مؤسسة ناشئة بالإضافة إلى تشجيع وتعزيز ريادة الأعمال لدى الشباب وخرّيجي الجامعات، وزيادة عدد حاضنات الأعمال للوصول الى 2 مليون شركة صغيرة ومتوسطة، بالإضافة إلى الاستثمار العمومي في مجالات، لاسيما في الطاقات الجديدة والمتجددة والغاز المميع والمعادن، التعدين، المناجم والفوسفات، كل هذا سينوّع الاقتصاد الوطني وسيزيد من مداخيل الجزائر، خاصة وأنّ الهدف هو بلوغ 40 مليار دولار ناتج داخلي خام في آفاق 2026.
ومن أجل زيادة الرواتب والمعاشات، تعهّد الرّئيس تبون بالمحافظة على الأداء المميز للاقتصاد الجزائري عن طريق تعزيز معدلات النمو التي تبقى فوق 4 بالمائة، ما يعني وجود نشاط اقتصادي وعجلة تنموية، استحداث مناصب شغل، وآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة، وطرح إصلاحات أخرى خصوصا على المستوى المحلي.
وذكر المتحدّث بأنّ الرئيس يعتزم طرح قانون جديد للصفقات العمومية، يتعلق بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، قانون الجباية المحلية، قانوني البلدية والولاية، ما سيعطي زخما للتنمية على المستوى المحلي، وخلق الثروة وتثمين موارد البلديات والولايات، ناهيك عن مواصلة تدعيم الأنفاق العمومي من أجل خلق الثروة والاستثمار في البنى التحتية والمشاريع القاعدية من أجل الاندماج والتكامل مع الدول الإفريقية.
تحدّيــات جيوسياسيــة
فيما يتعلّق بالتحديات التي تنتظر الجزائر في العهدة القادمة، أكّد المتحدّث أنها كثيرة خاصة مع بقاء الساحة الجيو-سياسية غير مستقرة في أوروبا، والتي تريد مزيد من الغاز مزيد من الكهرباء، ما يجعل بلادنا أمام منافسة لربح ما يسمى بمعركة الطاقة قوية في أوروبا باعتبارها الثانية بعد النرويج في إمداد أوروبا بالغاز الجزائري، بالإضافة إلى دخول دول جديدة مثل سلوفينيا المجر، ألمانيا.
ولهذا تعوّل الجزائر على تصدير الكهرباء عبر إيطاليا وأوروبا عن طريق كابل بحري سينجز، وأنبوب جديد سيضمن تدفق الهيدروجين الأخضر ومواد طاقوية إلى أوروبا للوصول 100 مليار م3 صادرات من الغاز وآلاف الميغاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى الهيدروجين الأخضر، حيث تعوّل أوربا على استيراد 10 بالمائة من احتياجاتها من الجزائر.
من جهة أخرى، تسعى الجزائر إلى الاستثمار في الصناعة الكيمياوية بعد تحقيقها للاكتفاء الذاتي خصوصا في مواد البنزين والمازوت من خلال الدخول إلى الأسواق البتروكيمياوية والغاز، خصوصا مع بقاء أسواق النفط فوق عتبة 75 دولارا و80 دولارا.
وحسب سليماني، سيعطي ذلك انسيابية وسلاسة في التعامل مع التحديات والرهانات الأجنبية، خاصة وأن احتياطات الصرف الأجنبي ستصل ربما إلى 90 مليار دولار احتياطات من النقد الأجنبي، ما يعطيها مرونة أكبر في التعامل مع الأسواق الأجنبية ودخول أسواق جديدة، لاسيما بعد دخولها شراكات حقيقية مع الصين، تركيا، قطر، ايطاليا وأمريكا، ويعطيها أولوية وأسبقية في الدخول إلى الأسواق الإفريقية وتوطين الإنتاج وزيادة نسب الإدماج، خاصة في القطاعات الإستراتيجية خاصة مع مرافقة من البنوك الجزائرية بالخارج والدبلوماسية الاقتصادية، كلها عوامل ستحفز الإنتاج محليا، وبلوغ أرقام حقيقية في التنمية والنمو والاقتصاد.