طباعة هذه الصفحة

مجاهدون يروون لـــ”الشعب” شهاداتهم عن هجومات الشمال القسنطيني بقرى قالمة:

نصب الكمائن ، تهديم الجسور،أعمال فدائية استهدفت الخونة والمعمرين

آمال مرابطي

يعتبر يوم 20 أوت 1955 منعرجا حاسما في تاريخ الثورة الجزائرية ،  لأنه استطاع أن يرمي بها في أحضان الجماهير الشعبية في المدن والقرى ، ويصل صداها إلى الرأي العام العالمي ويكسر بذلك حاجز الخوف ويتجاوز أسطورة فرنسا  القوة الضاربة التي لا تقهر ، تضحيات قدّمها الشعب الجزائري  في 20 أوت 1955 من أرواح وممتلكات، وشهادات مستقاة من أفواه المجاهدين والمسبلين والمناضلين الذين شاركوا في صنعها، وتنظيم العمليات الفدائية ومنهم من شارك فيها في ناحيته ، أيضا معلومات وثقتها جمعية الثقافة والتاريخ للمعارك الكبرى للثورة التحريرية لولاية قالمة سنة 1996 برئاسة السيد إسماعيل مخانشة  بالإضافة إلى ما تم جمعه  بمتحف المجاهد بقالمة  تتحدث عن هجومات 20 أوت 1955 .

شهادات تحدثت عن الأعمال العسكرية التي كانت متمثلة في نصب الكمائن وأعمال فدائية استهدفت الخونة والمعمرين وتهديم الطرق والجسور وغيرها ، حيث بدأ جمع المناضلين ابتداءا من 17 أوت  إلى مساء 19 أوت  بعدها تكونت أربعة أفواج  تمثلت في بوعاتي “ هنشير سعيد سابقا “ الفجوج “ كيلارمان سابقا “ ، هيليوبوليس عين الباردة.
أما الناحية الثانية، فهيأت تسعة أفواج لتهجم على مدينة قالمة والقرى التالية:  الركنية ، الطاية ، بوهمدان ، حمام مسخوطين ، عين احساينية ، وادي الزناتي ، عين الرقادة ، عين العربي .
وفي هذا الصدد، يروي المجاهد عيسى بن أحمد بن طبولة في حديث ل«الشعب” الهجومات التي وقعت يوم السبت 20 أوت  1955 ، ببعض قرى الولاية منها قرية الركنية ، التي نفذ بها فوج من المجاهدين معزز بالمناضلين، بقيادة عبد الباقي القسنطيني هجومات على القرية فاحرقوا المطحنة ومعصرة الزيتون وسيارة معمر، ووقع تبادل إطلاق العيارات النارية على ثكنة رجال الدرك الفرنسي، لأن المعمرين التجئوا هناك، وغنموا مسدسا، حيث لم تسجل خسائر بشرية في صفوف كلا الطرفين.
بالإضافة إلى هجوم فوج من جيش التحرير على محطة السكة الحديدية بقرية الطاية ، حيث ألحق بها خسائر مادية، وانسحب المواطنون والمجاهدون سالمين، وببوهمدان نفذت نفس العملية.
واوصل المجاهد سرد وقائع العمليات التي نفذت، قائلا أنه بحمام دباغ حاليا - حمام المسخوطين - سابقا  قام فوج من المجاهدين بهجوم منتصف النهار، بقيادة العيد المدعو البكوش والسعيد سوداني، مدعمين بحوالي 200 مواطنا من مشاتي الرقوبة دوار الطاية وبني فوغال، ودوار بوهمدان وكانوا يحملون عشر بنادق صيد.
 وقد تجنّد عدد من هؤلاء فيما بعد في صفوف جيش  جبهة التحرير ، واستهدف الهجوم المركز العسكري الذي كان مقره ضواحي حي النزل السياحي، والمعمرين القاطنين بمزرعة الحاج طيار بوسط القرية ومحطة القطار وتم قطع حوالي أربعين عمودا للهاتف ، حيث استشهد مواطنان يحمدي مالكي وموسى سطحة، أما في جانب المعمرين فألحقت أضرار في أبواب ونوافذ مساكن المعمرين وأضرار مادية لمحطة القطار.
وبعين احساينية قام  فوج من جيش التحرير مدعما بالمواطنين بهجوم على دار البلدية ومكتب البريد وألحق بهما أضرارا مادية وانسحب فوج التحرير سالما ، كما شهدت قرية وادي الزناتي  بقيادة رابح بلوصيف هجوما على ثكنة الدرك الفرنسي، حيث كان الاشتباك عنيفا بين الطرفين أسفر عن حرق سيارة جيب، وحافلة لأحد المعمرين وكان عدد القتلى كبيرا في صفوف المواطنين، وكذلك في صفوف جنود العدو والشرطة والمعمرين وغنم المجاهدون على إثرها رشاشة ماط 49 ومسدس.
ونفس العملية نفذت على مزارع المعمرين بعين الرقادة ، حيث أسفرت عن قتل معمرين اثنان وانسحب المجاهدون والمواطنون سالمين، وقام المجاهد عاشور فتيسي ونائبه الطاهر بوناب معززا بحوالي خمسين مواطنا وثمان بنادق صيد ، بهجوم على فرقة من الجيش الفرنسي التابعة للوحدات الإقليمية  بقرية بوعاتي محمود “ هنشير سعيد سابقا “، ودام الاشتباك حوالي نصف ساعة ولم يسفر عن أية خسائر بشرية من كلا الطرفين.
وقال أيضا محدثنا أنه بقرية الفجوج قام فوج من جيش  التحرير الوطني بقيادة عيسى بن أحمد بن طبولة، ونائبه أحمد بن الهاشمي سريدي معززين  بحوالي أربعين مواطنا وثمان بنادق صيد بهجوم ، وانقسم الفوج  إلى  مجموعتين ، مجموعة بقيادة عيسى بن احمد بن طبولة دخلت إلى القرية من أسفل، وهاجمت مساكن المعمرين.
وتمكن مناضلان من الدخول إلى مركز البريد ،واحد حاملا بندقية صيد وهو القرفي زراري فأطلق النار على مسؤول مركز البريد ولم يصبه، حيث  هرب هذا الأخير وتمركز داخل مركز البريد وأطلق النار ببندقية حربية من نوع موزير، فأصاب القرفي زراري فقتله، بينما قام المناضل الثاني بطعن امرأة فرنسية بخنجره ، في حين نفذت المجموعة الثانية بقيادة احمد بن الهاشمي سريدي هجوما  على مساكن المعمرين من أعلى القرية فقتل معمر وزوجته،  وغنمت بندقية حربية 86 من صنع فرنسي، وبندقيتي صيد ومسدس من عيار 65/7 .
وبالموازاة مع ذلك، نفذ فوج من المجاهدين بقيادة عيسى بقموزة يدعى صالح الحروشي بقرية هيليوبليس هجوما على مقر البلدية ومكتب البريد، حاملين بنادق صيد وبندقية حربية من نوع “ستاتي” ايطالية الصنع ، وكان الاشتباك عنيفا فأسفر عن  جرح شهيب عمر من طرف مسؤول مركز البريد برشاشة من نوع ماط 49 ، كان عنده بندقية صيد ولما جرح سلمها إلى عبدة عبد الله بن محمد، ثم ألقي عليه القبض من طرف جنود الجيش الفرنسي.
وقام فوج من جيش التحرير الوطني بقيادة هبهوب أحمد ونائبه محمود بن موسى بوعاتي بهجوم على مقر البلدية بقرية عين الباردة، حاملين بندقية حربية 303 من صنع انجليزي  وبندقية صيد، معززا بعشرين مواطنا، ودامت العملية حوالي نصف ساعة، حيث أسفرت عن استشهاد  طبولة العياشي بن سليمان، وجرح بوشريط محمد بن الحواس، وألقي عليه القبض ، أما في صفوف المعمرين فلم تسجل أية ضحية.
عمليات 20 و 21 أوت 1955 شملت اثنتي عشر قرية ومدينة واحدة ويروي كل من المجاهد دحمون صالح  بن محمد  وبوعشة مسعود بن الطيب يدعى عمار والطيب سعايدي، الهجومات التي وقعت يوم الأحد 21 أوت 1955، حيث تخلفت العملية ليوم 21  أوت من نفس السنة،  لأن المسؤول المكلف بالعملية عمار بوضرسة كان في السمندو ووصل صحبة فوج من المجاهدين يوم 19 أوت.
ويقول الطيب سعايدي أنه يوم 20 أوت  صباحا عقد اجتماع  في مشتة عين السانية بدوار أولاد حريد، عند أومدور السعيد بن العربي المدعو بوطعوش مع اللجنة المكلفة بالنظام في مدينة قالمة برئاسة بوعشة مسعود بن الطيب المدعو عمار، ومسؤولي المشاتي لدوار أولاد حريد لضبط خطة الهجوم، وتجنيد المواطنين ليوم الغد الأحد 21 أوت الذي صادف السوق الأسبوعي لمدينة قالمة.
وأبرز في هذا الشأن أن مكان تجمع المواطنين كان يوم 21 أوت في الصباح عند بو الناية عبد الله بن رمضان في سيدي النوي بمشتة، عين بوطاجين دوار أولاد أحريد على بعد حوالي سبعة كلم من مدينة قالمة. و أنه بعد الهجومات التي وقعت يوم 20 أوت على القرى المجاورة لمدينة قالمة أعلن قادة الجيش الفرنسي حالة الاستنفار لقواتهم بقالمة للتصدي لكل عملية يحاول المجاهدون والمواطنون القيام بها بمناسبة السوق الأسبوعي للمدينة، ووضع حراسة عسكرية خارج سور المدينة أمام باب السوق في الناحية الجنوبية الغربية.
ويضيف محدثنا أنه في حوالي الساعة الثالثة بعد الزوال، انطلقت المسيرة نحو مدينة قالمة وكان السعيد بن دماغ العتروس حاملا علم الجزائر والمواطنون والمناضلون صحبة المجاهدين كانوا يسيرون في مجموعات صغيرة، حتى يتسللوا إلى داخل المدينة بدون أن يلفتوا انتباه أعين مصالح الأمن الفرنسي، وعند وصول جسر الحاج امبارك دخلت نصف المجموعة إلى المدينة على باب السوق، والنصف الآخر تسلل مع الحاج أمبارك إلى المكان المسمى الصهريج .
وقال المجاهد دحمون صالح  بن محمد، أنه  حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال انسحبت حراسة الجيش الفرنسي، التي كانت متموقعة خارج السور نواحي باب السوق ، أما فوج جيش التحرير المعزز بالمناضلين والمواطنين بقيادة عمار بوضرسة، فقد دخل المدينة حوالي الساعة الخامسة بعد الزوال ، عندئذ  تنبهت أعين مصالح الأمن الفرنسي، فأعطت التعليمات لقواتها  للتصدي لأي عملية ، فوقع الاصطدام بضواحي قصر العدالة والسجن المدني، وساحة سلوسنر سابقا أمام باب السوق .
وواصل حديثه قائلا:«فكان تدخل الجيش الفرنسي بالدبابات المصفحة، والمدافع الرشاشة من نوع 12.7 بوحشية، وطارد المشاة المواطنين والمناضلين داخل الدكاكين، والمنازل  المجاورة لساحة سلوستر، وقتلوهم”، مضيفا بأن  جيش العدو لاحق  المناضلين والمواطنين إلى مشتة عين الدفلى، وأحرق مساكن المواطنين وقتل كل شخص وجده في طريقه.
وحسب مسعود بن الطيب بوعشة، فإن هذا الهجوم أسفر عن قتل حوالي 200 مناضلا ومواطنا جزائريا،  وجرح حوالي خمسين شخصا ، أما من جانب العدو لم يمكن ضبط الخسائر البشرية، مضيفا أنه بتاريخ ال 22 أوت ألقي القبض على مسؤول المدينة، مسعود بن الطيب بوعشة المدعو عمار، وعلى ثلاثة أعضاء من اللجنة وهم السعيد بجاوي ، مختار بن أحمد أومدور المدعو  عمار، و صالح عرباوي المدعو صالح بوشعير ، أما المناضلون والمواطنون الذين ألقي عليهم القبض،  منهم  من قضى أسبوعا ،ومنهم من قضى شهرا بعد التصفية حكم على أربعين منهم بسنتين سجنا وآخرون  بمدة متفاوتة .
من جهته أفاد محمد بن موسى ورفيقيه محمد بن البشير عبدي، و مجالدي أحمد المدعو الراهم، أنه تم تنفيذ هجوم  على قرية عين العربي “ قونو سابقا “  بقيادة الطاهر دحمون ونائبه مبروك بن البشير عبدي ، في المكان  المسمى حجر مركب بمشتة دفال دوار شنيور بماونة، على الساعة العاشرة صباحا، و بالنسبة لسكان دوار شنيور تحت إشراف الطاهر دحمون .
وأضاف محدثنا أن المجاهد مبروك بن البشير عبدي قام بجمع المواطنين بالمدودة بالنسبة لسكان وادي العار ، وكان عدد  كبير من المواطنين يحمل بنادق صيد ، وأمروا بالذهاب إلى قرية عين العربي في مجموعات  صغيرة وانطلق المجاهدون، والمناضلون والمواطنون متجهين إلى قرية عين العربي حوالي الساعة الواحدة بعد الزوال.
 مشيرا إلى أنه عند وصول الطاهر دحمون صحبة مجموعة قرب القرية، وجد رجال الدرك الفرنسي يترقبونهم خارج القرية ، وحسب المعلومات التي وصلت للمجاهدين أن الدرك أبلغ بالهجوم من طرف أحد أعوانه  فأطلق عليهم المجاهدون الرصاص .
وقال أيضا أنه لما رأى رجال الدرك عدد المجموعات يزداد وإصرارهم على مهاجمة القرية لاذوا بالفرار وأخذوا معهم إلى الثكنة المعمرين، وأبنائهم لحمايتهم وتمركزوا هناك ، فأعطيت التعليمات لمجموعات المناضلين، والمواطنين لقطع أعمدة الهاتف على بعد 3 كيلومتر من القرية، حيث دخل الطاهر دحمون رفقة ثلاثة مجاهدين من الجهة الشمالية الغربية، أما مبروك بن البشير عبدي  ومعه أيضا نفس العدد من المجاهدين فدخلوا من الجهة الشرقية.
وقد أسفر الهجوم عن حرق وإتلاف جميع ممتلكات المعمرين في القرية ،وأخذ المواطنون ما استطاعوا من الأدوات والأشياء، التي كانت في المنازل ومحلات المعمرين، وكانت الخسائر المادية كبيرة ، أما الخسائر البشرية فأحرق طفل كان في دكان تاجر ولم ينتبه إليه أحد ، وجرح مواطن في ركبته .
وفي هذا السياق، أوضح  مجالدي أحمد المدعو الراهم، أن هذا الهجوم بدأ على الساعة الخامسة بعد الزوال واستمر إلى ساعة متأخرة من الليل ، ثم انسحب المجاهدون والمواطنون من القرية.  فالشعب جند للمشاركة في عمليات 20 و 21 أوت 1955 رغم الوسائل البسيطة لجيش التحرير الوطني من عدد وعدة ،حيث أن 99 بالمئة من الأسلحة كانت بنادق صيد ، أما المناضلون والمواطنون فكانوا يحملون أسلحة بيضاء .
وأكد في هذا الإطار، أن  كل العمليات وقعت يوم 20 أوت 1955 مثلما تقرّر في كل القرى ما عدا عين العربي وقالمة وقع الهجوم عليها يوم 21 أوت من نفس السنة، والسبب  في ذلك هو وصول عمار بوضرسة صحبة فوج من المجاهدين إلى ماونة يوم 19 أوت ، وكان مكلفا بتنظيم الهجوم على مدينة قالمة وقرية عين العربي.
وحسبه أن عمليات 20 و 21 أوت 1955 شملت اثنتي عشر قرية ومدينة واحدة ، هذا عبر ولاية قالمة الإدارية حسب التقسيم الإداري لسنة 1984  فقط، وقد زرعت هذه الهجومات الرعب والفزع في قلوب السلطات الاستعمارية والمعمرين ، وفهم الجميع بأنها ثورة  شعبية وليست قضية عصابات من قطاع الطرق كما كانت تدعي السلطة الاستعمارية.
وتدخل عمي محمد بن البشير عبدي ، قائلا:« إن معمري قرية الركنية أعلنوا بأن الركنية معروضة للبيع، لأن حياتهم وممتلكاتهم أصبحت في خطر من طرف الثورة ، أما قرية عين العربي “ قونو سابقا “ فقد أحرقت تماما، ولم يسلم من النيران إلا ثكنة الجندرمة حيث التجأ المعمرون إليها”.
وأضاف:« كان صدى هذه العمليات كبيرا على المستوى الوطني والدولي، وأعطت دفعة للثورة أعادت لها قوتها وحركت بقية المناطق الأخرى، وقد ارتفعت معنويات المواطنين وزاد خوف الاستعمار ،وزادت قوة الالتحام بالثورة على الصعيد الوطني”،  أما على الصعيد الدولي فقال المجاهد أن بلدان العالم عرفت بأن في الجزائر ثورة شعبية مسلحة، تكافح من أجل استرجاع سيادتها وحريتها.
وأشار في هذا المضمار إلى أنه نظرا لهذا النجاح طلبت قيادة المنطقة الثانية من كل المنتخبين الجزائريين في البلديات، وفي المجلس الجزائري  والدواوير والأغوات والباشاغات وحراس البلديات تقديم استقالاتهم للسلطات الاستعمارية ، ومن لم يفعل يعتبر خائنا للثورة التحريرية ، وكانت نسبة تجاوب المنتخبين مع تعليمات قادة الثورة حوالي 90 بالمئة،  أما حراس البلديات والباشغات فكانت النسبة المئوية تختلف من جهة إلى  جهة أخرى.