طباعة هذه الصفحة

الأسـرى..بين جحيم التنكّر لحقوقهم والأمل بالحرية

حسن عبد ربه

بعد السابع من أكتوبر الماضي شهدت المعتقلات الصهيونية حملة غير مسبوقة منذ عقود في استهداف الأسرى، وأتى ذلك بعد إعلان سلطات الاحتلال حالة طوارئ اعتقالية ومن ضمنها إجراء تغييرات في أوضاع السجون تشمل زيادة عدد المعتقلات، وتقليص الحيز المعيشي بسبب حالة الاكتظاظ والازدحام الكبير في الغرف والزنازين.

أدّى الأمر لتضاعف أعداد الأسرى على نفس المساحة الأصلية وهي 3 أمتار مربعة للأسير في حين الحد الأدنى الدولي يتراوح في الدول الأوربية بين 6-12 مترا، وجعل الأسرى ينامون على فرشات على الأرض مع نقص الأغطية والملابس، وإغلاق السجون وفرض عزلة تامة للأسرى عن العالم الخارجي، بمنع ووقف الزيارات العائلية بشكل تام ومنع ووقف دخول مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمعتقلات أو الالتقاء بالأسرى والمعتقلين في الأقسام أو في زنازين التحقيق، وحدّدت وقيّدت زيارة المحامين للمعتقلين القدامى بعد أن ألغتها تحت مسمى “حالة الطوارئ” وألغت إحضار المعتقلين للمحاكم وأجرت جلسات المحاكمة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وتشريع زيادة المدد القانونية قبل عرض المعتقلين الجدد على القاضي العسكري أو استصدار أوامر الاعتقال الإداري.
وفي سياق تناول الأوضاع المعيشية اليومية فقد أقدمت مصلحة السجون على القيام بحملات اقتحامات وتفتيشات متكرّرة واستفزازية لغرف وأقسام وزنازين الأسرى مستخدمة الهراوات والكلاب البوليسية، ومصادرة الأدوات الكهربائية وأجهزة التلفاز وأدوات إعداد الطعام وإغلاق الكانتين ومصادرة ما كان بحوزة الأسرى من مشتريات ومواد غذائية بما فيها مواد التنظيف والنظافة الشخصية إضافة للمقتنيات الخاصة من كتب وملابس، وواكبها حملات تنقلات وعزل لكوادر وقيادات الحركة الأسيرة وقدامى الأسرى، وأوقفت التعامل بالأطر والتمثيل الاعتقالي.
وقد لجأت السلطات المشرفة على إدارة السجون والمعتقلات لسياسة تجويع الأسرى عبر المساس وتقليص كبير بوجبات الطعام من حيث نوعيته الرديئة وافتقاره للقيمة الغذائية وكميته المحدودة جدا وسوء إعداده وطهيه، وتم ذلك بتعليمات مباشرة من وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، بالإضافة إلى التلاعب بمواعيد تقديمه وبطريقة مذلّة، علما أنّ الطعام المقدّم من إدارة السجون هو الطعام المتوفر للأسرى فقط، وتسبب ذلك بفقر الدم وسوء التغذية والهزال ونقص الوزن والذي تجاوز الـ 20 كيلو غراما لكلّ أسير، عدا التحكم بكميات المياه وتلوّثها والتلاعب بالكهرباء ومنع وتقييد الخروج لساحات الفورة ومنعهم من حلاقة وقصّ الشعر وعدم توفير مواد النظافة الشخصية وحالة الاكتظاظ في الغرف والزنازين التي أدّت لتفاقم وانتشار الأمراض المعدية وخاصة الجلدية كما حصل في معتقل النقب ومجدو وغيره.
كما تم تغيير نمط التعامل مع الأسرى المرضى، بحيث لا يتم نقل الأسير للفحوصات في العيادات أو المشافي سواء الجرحى أو المرضى إلا في حالات قصوى جدّا، ممّا يعرّض حياتهم للمخاطر.
واتسمت المرحلة باللّجوء إلى سياسة القمع والضرب الجسدي والاعتداءات الوحشية ممّا تسبب بإصابة الأسرى بالكسور والرضوض والكدمات وارتقاء 18 شهيدا في فترة زمنية متقاربة وخاصة في مجدو والنقب وعوفر، وأبرزها الاعتداء على الأسير الشهيد ثائر أبو عصب في معتقل النقب وعبد الرحمن مرعي في معتقل مجدو.
يضاف إلى ذلك اللّجوء لسياسة توجيه الإهانات والإذلال وكلّ ما هو حاط بالكرامة الإنسانية بما فيها ممارسة العنف والإعتداء الجنسي من خلال التفتيش الجسدي العاري بشكل كامل وامتهان كرامة الأسرى عبر تصويرهم عراة أو شبه عراة ونشر مقاطع الفيديو وإرغامهم تحت التهديد للقيام بممارسات وحركات أو التلفظ بعبارات وكلمات نابية وحاطة بالكرامة الإنسانية والوطنية وتكبيلهم وإرغامهم على طأطأة رؤوسهم نحو الأرض والسير مع انحناء الظهر والنوم على الأرض.

تشريعات عنصرية خاصة

لقد تم تفعيل ما يعرف بقانون “المقاتل غير الشرعي” بقرار من وزير جيش الاحتلال يوم 8 أكتوبر 2023 بحق من يتم اعتقالهم من المقاومين في قطاع غزّة، وهذا من شأنه أن يمنح ضباط المخابرات “الشاباك “وضباط التحقيق العسكريين مساحة زمنية كبيرة للتحقيق القاسي مع حرمان المعتقلين من لقاء المحامي لمدّة تصل لـ180 يوما متواصلة، وكذلك من لقاء مندوب الصليب الأحمر، وبحسب إحصائيات مصلحة السجون فهناك نحو 1400 أسير من غزّة تم تصنيفهم مقاتلين غير شرعيين، وهؤلاء يتعرّضون لجرائم التعذيب الشديد جدا وامتهان الكرامة بما يخالف اتفاقيات جنيف وأسس وأصول المحاكمات العادلة (( وحتى اليوم وبعد نحو 300 يوم من الاعتقالات والإخفاء القسري لا تزال سلطات الاحتلال تمنع المحامين والصليب الأحمر أو أيّ جهة محايدة من معرفة مصير أو أعداد المعتقلين من قطاع غزّة)).

مضاعفة الاعتقالات

منذ السابع من أكتوبر بلغ حجم الاعتقالات نحو 9800 حالة اعتقال لغاية أواخر جويلية من محافظات الضفة الغربية والقدس، والإعتقالات طالت مختلف الفصائل والفئات والأعمار وأسرى سابقون وطلبة، منهم قرابة 350 سيدة وفتاة ونحو 680 طفل قاصر، وضمن سياسة الملف السري تضاعفت أعداد المعتقلين الإداريين بإصدار وتجديد نحو 7500 أمر وقرار، ولا يزال رهن الاعتقال قرابة 3400 معتقل إداري يتوزّعون في معتقلات عوفر والنقب ومجدو والدامون ونفحة وريمون وغيرها وغالبيتهم كانوا أسرى سابقون، علما بأنّ عدد المعتقلين الإداريين قبل أكتوبر الماضي كان 1320 معتقلا فقط. ويتم تجديد أوامر الاعتقال الإداري لهم لعدّة مرات متتالية وبشكل تعسّفي، بينهم في الاعتقال الإداري حتى أواخر جويلية 2024، قرابة 23 أسيرة ونحو 40 قاصرا وقرابة 17 صحفيا، وتم تسجيل نحو 300 حالة اعتقال لفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 على خلفية عنصرية تتعلق بالنشر على منصات التواصل الاجتماعي. علما بأنّ الاحتلال قد اعتقل نحو 91 صحفيا لا يزال منهم قيد الاعتقال 53 صحفيا بينهم 6 صحفيات.
ولا زال رهن الاعتقال أكثر من 9700 أسير فلسطيني في 23 معتقل ومركز توقيف، بينهم نحو 80 أسيرة بينهنّ حوامل وهنّ الأسيرة “جهاد دار نخلة والأسيرة عائشة غيظان” وحوالي 250 طفلا قاصرا وقرابة 1000 حالة مرضية وتقريبا 580 أسير محكوم بالسجن المؤبّد وقرابة 620 أسير أمضوا أكثر من عشرين عاما في الأسر بشكل متواصل، وهؤلاء غير معتقلي قطاع غزّة، وأعاد الاحتلال اعتقال 15 طفلا وأسيرة ممّن تحرّروا في تبادل الأسرى في نوفمبر الماضي وبقي منهم رهن الاعتقال 13 معتقلا منهم 5 أطفال و4 نساء.

الإخفاء القسري

تم اللّجوء لسياسة الإخفاء القسري لآلاف الفلسطينيين “عمالا، ومدنيين، ومقاومين “من قطاع غزّة، بعدم الإفصاح عن أماكن احتجازهم، أو أسمائهم أو أعدادهم، أو ظروف احتجازهم أو التهم المنسوبة لهم من نساء ورجال، بمن فيهم الصحفيان نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، وهما صحفيان من غزّة أخفيا قسرا منذ السابع من أكتوبر الماضي، وأنّ هناك حوالي 16 صحفيا وإعلاميا قيد الاعتقال من قطاع غزّة. وبالرغم من المعلومات غير الرسمية فإنّ هناك من يحتجزون في عوفر والدامون وعناتوت وكيلي شيفع بمعتقل النقب ونفحة وغيرها، وهم معزولون عن بقية الأسرى في تلك المعتقلات. بالإضافة لمعسكر لجيش الاحتلال قرب بئر السبع يعرف باسم “سديه تيمان” “غوانتنامو جديد” تمتهن فيه كرامة المعتقلين ويتعرضون لأبشع وأفظع أشكال التعذيب والشبح والتنكيل وحرمانهم من الطعام والعلاج، وأنّ ما لا يقلّ عن معتقلتين فلسطينيتين تعرضتا للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي.
ولا يوجد عدد دقيق لأعداد المعتقلين من غزّة، وكان قد أعلن جيش الاحتلال الصهيوني أنّ عدد المعتقلين يبلغ 4000 معتقل، بينما تشير التقديرات أنّ عددهم يصل إلى أكثر من خمسة آلاف حالة اعتقال منهم قرابة 1000 أسير في معسكر سديه تيمان، وكشفت صحيفة هآرتس العبرية يوم 7 مارس وجوان عن استشهاد 37 أسيرا نتيجة التعذيب والاعتداءات وعدم توفير العلاج، وذلك في معسكرات سديه تيمان وعناتوت وغيرها من مراكز الاحتجاز والتحقيق. وإعدام عشرات من المواطنين المحتجزين في منطقة شمال قطاع غزّة والذين تم العثور عليهم وهم مكبّلي الأيدي ومعصوبي الأعين.

ارتقاء شهداء

أدّت سياسة التعذيب والاعتداءات والضرب والإهمال الطبي إلى إرتقاء 19 شهيدا منذ السابع من أكتوبر ومنهم (وليد دقه، خالد الشاويش، عاصف الرفاعي، ثائر أبو عصب، عمر ضراغمة، عرفات حمدان، عبد الرحمن مرعي، محمد الصبار، عز الدين البنا، احمد رزق قديح، عبد الرحمن البحش، جمعة أبو غنيمة، عبد الرحيم عامر، ماجد زقول، محمد أبو سنينة وشهيد آخر من عمال غزّة لم يعرف اسمه) وارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة لـ 256 شهيدا، وذلك مع استشهاد المعتقل الإداري مصطفى أبو عرة من منطقة طوباس والبالغ من العمر 63 عاما واعتقل منذ 30 أكتوبر الماضي وكان معتقلا في ريمون، حيث ارتقى نتيجة القتل البطيء” الإهمال الطبي” فجر الجمعة 26|7\2024، وكان استشهد تحت التعذيب من قبل قوات الاحتلال في معتقل عوفر في 19 أفريل الماضي رئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء في غزّة الدكتور عدنان البرش، فيما تم كشف النقاب عن استشهاد الدكتور إياد الرنتيسي في نوفمبر الماضي بعد أسبوع من اعتقاله والتحقيق معه وتعذيبه من قبل الشاباك في مركز تحقيق عسقلان وهو رئيس قسم الولادة في مستشفى كمال عدوان في غزّة، وتواصل مصلحة السجون سياسة احتجاز جثامين الشهداء الأسرى، حيث لا تزال تحتجز 29 جثمانا منهم.
إنّ ارتكاب الاحتلال لجريمة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والحاطة بالكرامة وغيرها من الممارسات التي تهدّد صحة وسلامة وحياة الأسرى والمعتقلين، جرائم تقع ضمن نطاق جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتلك الجرائم تأتي في سياق جريمة الإبادة الجماعية.
واللجنة الدولية للصليب الأحمر مطالبة بتحمّل مسؤولياتها ومعها المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية للضغط على الاحتلال لوقف الجرائم المستمرة بحقّ الأسرى والالتزام بنصوص القانون الإنساني الدولي ومعاهدات جنيف الثالثة والرابعة فيما يتعلق بمعاملة وشروط احتجاز الأسرى والمعتقلين أو فيما يتعلق بالحقوق القانونية المكفولة بأسس وأصول المحاكمات العادلة.
إنّ كلّ ذلك يدفع باتجاه نحو ضرورة تفعيل وتيرة حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني لوقف الإبادة الجماعية وإسناد الأسرى والمعتقلين بشتى السبل ومختلف وسائل التعبير عن رفض جرائم الاحتلال وأهمية الانخراط في إنجاح فعّاليات التضامن في اليوم الوطني والعالمي المعلن يوم 3\8\2024 للانتصار لوقف العدوان على قطاع غزّة ووقف استهداف الأسرى والمعتقلين. ورغم فظاعة وقسوة الأوضاع فإنّ الأسرى يتطلّعون لقرب انعتاقهم وتحرّرهم من معتقلات الاحتلال.

مختص وباحث في شؤون الأسرى الحملة الأكاديمية الدولية