طباعة هذه الصفحة

مع انتعاش الفلاحة الجبلية بالمنطقة في السّنوات الأخيرة

خـضـروات وفواكـه سـهل متــيجة تستعيـدُ مـكانتها

أحمد حفاف

استعادت الخضروات التي ينتجها الفلاحون في المناطق الجبلية والريفية بولاية البليدة مكانتها التي عٌرفت بها في السابق، وعادت لتٌعرض مجددا في الأسواق الشعبية وبالشوارع العتيقة التي تعرف حركية تجارية كبيرة ويقصدها العائلات والسيّاح.

في فترة السبعينات والثمانينات كانت المنتوجات الفلاحية الجبلية متوفرة بكثرة في أسواق البليدة، والتي كان يأتي لشرائها مستهلكون كثر من الجزائر العاصمة، أيّ في السنوات التي كان النشاط الفلاحي بسيطا في شمال البلاد وغير متطوّر في جنوبها، وهذا بالإضافة إلى ما ينتجه سهل “ المتيجة” من خضر وفواكه لا سيما البرتقال.
 تظهر هذه الخضروات التي تحمل تسمية “ بيو” اختصارا لكلمة بيولوجية التي تعني الطبيعية الخالية من المواد الكيماوية، مع الأيام الأولى لفصل الصيف، حيث يعرض الباعة كميات قليلة من القرع الذي تفضّل النسوة شراءه لتُحضّر به الكسكسي وبعض الأطباق التقليدية، ثم بعد بضعة أيام ينضج الفلفل الجبلي ذي المذاق الحلو وكذا الطماطم الوردية والباذنجان، والخيار، وغالبا ما تنفد صباحا من الأسواق، ومصدر هذه الخضراوات فلاحون عادوا إلى أراضيهم الجبلية لخدمتها والاسترزاق منها.
يٌزاول هؤلاء الفلاحون نشاطهم على امتداد سلسلة جبال الأطلس البليدي من الشرق إلى الغرب، ومنهم من يبيع منتوجاته بالتجزئة بعرضها على الأرصفة في الأسواق الشعبية القريبة منهم، ومنهم من يبيع محصوله جملة لتجار نظاميين باتوا يهتمون أكثر بالخضروات الطبيعية لكثرة الطلب عليها نظرا لقيمتها الغذائية والصحية.
 ويفضّل الفلاحون الذين ينشطون في جبال عين الرمانة عرض سلعهم في مدينة موزاية، أما فلاحو بلدية الشفة فينزلون إلى وسط مدينتهم لبيعها بالقرب من المسجد العتيق، فيما يعتبر سوق “باب الدزاير” بمدينة البليدة العتيقة المكان المفضّل لترويج خضروات الجبال التي ينتجها فلاحون من بلدية بوعرفة وآخرون يقطنون في سيدي الكبير وأعالي الشريعة.
وبمحاذاة السوق المغطاة وسط مدينة أولاد يعيش تٌباع الخضروات الطبيعية التي يفضّل البعض تسميتها بـ “البعلي” ومعنى هذه الكلمة أنّها مسقية بماء الأمطار وليس مياه السقي، وبالمدينة العتيقة بوعينان تعرض هذه المنتوجات الفلاحية بجانب بناية “المرابو” والأمر مشابه لبلديات ولاد سلامة وبوقرة والأربعاء ومفتاح التي بها أماكن خاصّة لبيعها.
 في جولة قمنا بها إلى مدينة بوعينان التقينا بأحد الباعة الذي يشتغل طوال السنة بعرض ما ينتجه في “البحيرة” أيّ في حقله الصغير ودون استعمال المبيدات الكيماوية، ما يجعل منتوجه طبيعيا وخالصا مفيدا لصحة الإنسان على حدّ قوله، وزيادة على الخضروات يعرض الحشائش مثل النعناع والقصبر والمعدنوس.
وتعتبر بلدية حمام ملوان منطقة نموذجية فيما يخصّ انتعاش الفلاحة الجبلية، حيث عرفت في العقدين الأخيرين استثمارا حقيقيا من بعض الشباب استصلحوا أراضيهم وغرسوا أشجار مثمرة للتين والزيتون والرمان والتفاح والكرز (حب الملوك) كما يزرعون بعض الخضروات لا سيما البصل والفلفل والطماطم والباذنجان والخيار، وأصبحوا يسهمون في تموين الأسواق المحلية بهذه المنتوجات الطبيعية.
 وهذا ما اعترف به مدير المصالح الفلاحية لولاية البليدة، كمال الدين فضالة، لافتا إلى السلطات المحلية التي أخذت التطوّر بعين الاعتبار لذا قامت قبل سنتين بتعبيد طريق يربط منطقة مقطع لزرق بالأرض الجبلية المسماة بـ “الدوابشية “ أين يزاول عشرات الفلاحين نشاطهم الزراعي بالإضافة إلى تربية الحيوانات مثل الأبقار والماعز والدواجن، والتي يُستعمل حليبها في إنتاج الجبن التقليدي الذي يستهوي السيّاح القادمين إلى حمام ملوان.
 وفي وقت سابق، طالب هؤلاء الفلاحون بتموينهم بالكهرباء الفلاحية ومساعدتهم على إنشاء أحواض للسقي نظرا لتراجع منسوب مياه الينابيع التي يعتمدون عليها لسقي محاصيلهم بفعل الجفاف، ويرتقب تموينهم بألواح الطاقة الشمسية لاحقا لتوليد الكهرباء التي تستخدم أيضا في تشغيل محركات السقي، وتستخدم أيضا لتوفير الإنارة والطاقة في اسطبلات المربيين.
 في الأخير، نشير إلى أنّ فاكهة “التين الهندي” أصبحت تٌباع بكثرة في أسواق البليدة، وكلّ صيف تٌزيّن الأسواق ويقبل عليها عشّاقها الذين يدركون قيمتها الغذائية، فهذه الفاكهة التي تعتبر رقم واحد في إنكلترا، يشتريها الباعة في الغالب من ولايات عين الدفلى وتيسمسيلت والمدية.