طباعة هذه الصفحة

الخبير في الاستراتيجيات الاقتصادية عبد القادر سليماني لـ “الشعب”:

الحق في السكن.. التــزام شخصي من الرئيس لصون كرامـة المواطـن

فايزة بلعريبي

إعمـار المناطـق الريفيــة تكريـس للإنصــاف التنموي والعدالـة الاجتماعية

صناعـة سكنيـة 100% جزائـرية لتحريـك العجلــة الاقتصاديــة المحلية

جعل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من الأعياد والمناسبات الوطنية موعدا مزدوجا يربط ماضي الكفاح بمستقبل الكرامة والإنجازات.. أعياد الجزائر أصبحت اليوم موعدا يترقبه المواطن لاستلام مفاتيح سكنه. مئات الآلاف من السكنات بمختلف الصيغ، تسلم سنويا... وأربع سنوات كانت كفيلة بطي الملف نهائيا، من خلال برنامج تنموي لايزال متواصلا باستراتيجيات متكاملة فيما بينها، تقودها إرادة سياسية حقيقة، فمن القضاء على مناطق الظل إلى تحرير الاستثمار على مستوى الجماعات المحلية، من خلال قانون جديد للبلدية والولاية، يمكن من الاستغلال الأمثل للمقدرات المحلية ويحقق استقلاليتها، تكمله برامج سكنية بصيغ مختلفة، لا يكاد الانتهاء من إحداها، ليتم الإعلان عن أخرى. وتبقى صيغة السكنات الريفية المقاربة الأنجع لإعمار المناطق النائية، لاسيما الحدودية منها وتغيير وجه الريف الجزائري.

أوضح الخبير في الاستراتيجيات الاقتصادية عبد القادر سليماني، في اتصال مع “الشعب”، أن ملف السكن من الملفات التي تحظى بمتابعة شخصية من طرف رئيس الجمهورية، نظرا لزيادة الطلب على السكن.
ثورة صامتة، طويلة الأمد، تأهبت الدولة الجزائرية لخوضها، من خلال تخصيص حصص مالية ضخمة لفائدة جميع الصيغ السكنية والاستعانة بالشركاء الأجانب لتسريع وتيرة إنجازها، على رأسهم الشريك الصيني، من أجل الوصول إلى القضاء، أو على الأقل التخفيف من حدة أزمة السكن، باعتبار أن الجزائر تعرف نموا ديموغرافيا نشطا. والحديث عن هذا الأخير، يقول سليماني، يدفعنا إلى تناول الجانب الاجتماعي لملف السكن ببلادنا، الذي سيسمح بتحقيق الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن بعض الصيغ السكنية موجهة خصيصا لذوي الدخل الضعيف، كالبناء الريفي، فيما تم تخصيص صيغ أخرى، منها الترقوي العمومي لميسوري الدخل.

لا حرمـان ولا إقصـاء

وتزامنا مع برنامج “عدل3”، الذي صنع الحدث الوطني بعيد الاستقلال والشباب، في 05 جويلية المنصرم، والتأكيد من رئيس الجمهورية على استمرارية المرافقة الاجتماعية للمواطن الجزائري وضمان حقه في السكن الكريم، تم إطلاق الدورة الأولى لعملية إنجاز السكنات الريفية، استطرد المتحدث، في إطار برنامج السكن الريفي لسنة 2024، التي ستشمل سكان المناطق النائية، بما فيها منطقتا الهضاب والجنوب والمناطق الحدودية، إضافة إلى المناطق البعيدة عن المناطق الحضرية، من خلال مساعدة فئتي العمال والمتقاعدين للاستفادة من إعانات لبناء سكنات ريفية، غير خاضعة للتسديد، ولأول مرة، عبر منصة رقمية تسمح بمتابعة العملية ابتداء من إيداع الطلبات إلى غاية منح الموافقة النهائية التي سيتحصل المستفيد بموجبها على الإعانة المالية بكل شفافية، تجسيدا للالتزام رقم 25 لرئيس الجمهورية الذي تعهد من خلاله على تعميم رقمنة كل الخدمات والمرافق العمومية ذات البعد الاجتماعي.
أما بالنسبة للحصص السكنية المبرمجة، أفاد سليماني أن 60 ألف مواطن سيستفيدون خلال الدورة الأولى من الإعانات الممنوحة من طرف الصندوق الوطني لمعادلة الخدمات الاجتماعية، بقيمة مالية تقدر بـ30 مليار دج، وهو رقم مهم، بحسب المتحدث، يكرس اجتماعية الدولة الجزائرية ويجسد التزامات رئيس الجمهورية بعدم التراجع، بل استحالة التفكير في التراجع عن دعم المواطن الجزائري بكل فئاته الاجتماعية وانتماءاته الجغرافية، من خلال دعم القدرة الشرائية للفئة المتوسطة من عمال ومتقاعدين، وتمكينها من سكن لائق بإعانات مالية، حيث تم وضع شرط عدم تجاوز 6 مرات الأجر القاعدي بالنسبة للعائلات المعنية بالسكنات الريفية، وهي الشريحة الأكثر انتشارا ضمن التركيبة الاجتماعية لبلادنا.

المناطـق الحدوديــة

في ذات السياق، أشار سليماني أنه وفي إطار العدالة الاجتماعية والإنصاف التنموي بين كل مناطق الوطن، أكد رئيس الجمهورية في كل مناسبة على إدماج الولايات الحدودية ضمن الحركية الاقتصادية للبلاد، وجعلها بوابة ذات بعد اقتصادي وحضاري إفريقي، ولا يمكن لذلك أن يتحقق دون إعمار هذه المناطق، من خلال اعتماد صيغ سكنية يتناسق طابعها العمراني مع طبيعتها الجغرافية، وتحترم القدرات المالية والدخل العائلي للأسرة الجزائرية وتحويلها إلى أقطاب اقتصادية واستثمارية، على غرار ولاية تندوف التي تعتزم الجزائر تحويلها إلى مدينة منجمية بامتياز، خاصة بعد فتح منطقة نشاط حرة بها. نفس المقاربة سيتم إسقاطها على كل من عين صالح، عين قزام، برج باجي مختار وتمنراست.
كما ثمن المتحدث إنشاء ولايات منتدبة، على غرار ولايات بريكة، عين وسارة، مسعد، بوسعادة وأفلو، معتبرا هذه الخطوة تعزيزا للامركزية وتجسيدا لمسعى تنمية مناطق الظل التي شكلت نقطة بداية الإصلاحات التي باشرها رئيس الجمهورية منذ توليه قيادة البلاد ذات 12 ديسمبر 2019، أين تعهد بالقضاء على كل صور الإقصاء والتهميش التي عانت منها هذه المناطق لعقود طويلة. وسيلعب المخطط الوطني لتهيئة الإقليم دورا مهمّا في تحويل مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير إلى مناطق ذات حرية اقتصادية متكافئة مع تلك التي تعرفها المناطق الشمالية.
بالمقابل، يشكل العقار الفلاحي الوجه الآخر للمسار التنموي الريفي، باعتبار الفلاحة النشاط الرئيسي لساكنة الهضاب والسهوب، حيث سيتم توزيعه بشكل عادل على مستحقيه من المستثمرين المحليين وفتح آفاق جديدة من أجل تثبيت المواطن بمنطقته الريفية وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية لهذه الأخيرة، التي يتوقع الخبير أن تعرف نزوحا عكسيا من الشمال إلى الجنوب بهدف الاستثمار، مع ذكر مثال امتيازات استغلال مساحات واسعة من الأراضي الفلاحية بالجنوب لكبرى المؤسسات العمومية والخاصة، بهدف تحفيز الإنتاج الفلاحي وتشجيع التبادل التجاري بها.

سكــن جزائــري 100%..

يعتبر قطاع السكن قطاعا أفقيا وقاطرة لباقي القطاعات الحيوية، لتداخله الوثيق بها، يقول المتحدث، من خلال تدخلها المباشر أو غير المباشر في صناعة السكن، وتأثيره على النشاط الاقتصادي، على غرار المؤسسات المقاولاتية، والمؤسسات المنتجة لمواد البناء، من إسمنت وحديد وألمنيوم وخشب... إلى جانب تفعيل حركة النقل، وكذا إنعاش السوق المالية الجزائرية، نظرا للتدخل المباشر للبنوك في إنعاش الأسواق المالية.
في هذا الصدد، يأمل الخبير الاقتصادي، أن تحذو الجزائر حذو الدول المتقدمة، على غرار الصين التي قامت بإنشاء أسواق مالية كالبورصات والبنوك المختصة في العقارات لمرافقة الشركات العملاقة، الرائدة في مجال البناء. إضافة إلى الحركية التي تحدثها المشاريع السكنية في عجلة الإنتاج الاقتصادية، مساهمة بذلك في الرفع من معدل النمو والتشجيع على الادخار، باعتبار أن الفئة الأكثر استفادة من القروض البنكية السكنية، هي فئة المدخرين، والزيادة في نسبة الاستثمارات التي تعرف نسب إدماج محلية عالية تصل أحيانا إلى 95%، وقد تم تحقيق ذلك من خلال جملة الإجراءات والنصوص التنظيمية التي سنتها الدولة الجزائرية، كتلك التي تنص على منع استيراد المنتجات المصنعة محليا.
واستدل المتحدث في ذلك، بتعليمات رئيس الجمهورية التي تقر بإلزامية استعمال المواد المصنعة محليا في عملية صناعة السكن، حيث لاقى هذا الإجراء استحسان المنظمات والهيئات الاقتصادية والفاعلين الاقتصاديين من أرباب عمل ومصنعي مواد البناء كالإسمنت، الخشب، السيراميك، الألمنيوم وغيرها...
كما تطرق الخبير الاقتصادي إلى فرص العمل التي مكنت من توفيرها لشركات المناولة التي تحصل الشباب على حصص مهمة منها في إطار المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، من خلال مشاركتهم في مجالات مختلفة، من تصنيع وإنتاج للواحق السكنات من أبواب ونوافذ وغيرها.