طباعة هذه الصفحة

الخبيرة الاقتـصادية سليمة سايح حاكـي لـ ”الشعب”

الإصلاحـات الجذريـة قوّمـت مسـارات الـتشغيــل

هيام لعيون

تنوّع اقتـصـادي.. اسـتقرار وظيفي ورقيّ غير مسبوق لمناخ الاستثمار

أقرّت السلطات العليا بالبلاد تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، في إطار تجسيد التزامه رقم 44، جملة من التدابير لإعادة تنظيم آليات التشغيل في الجزائر منذ سنة 2020، برغم الصدمتين الصحية والنفطية التي ضربت العالم والجزائر على حدّ سواء، من خلال إدماج كلّ المستفيدين من الأجهزة العمومية للإدماج المهني والاجتماعي، واستحداث جهاز منحة البطالة والحقّ في عطلة من أجل إنشاء مؤسّسة، إلى جانب التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي..

أكّدت الخبيرة في التحليل الاقتصادي، الأستاذة سايح سليمة حاكي، أنّ التجربة الجزائرية في مجال التشغيل بصفة عامة وتشغيل الشباب بصفة خاصة، متميّزة، ولقد تمكّنت من إحداث الفارق، وراهنت على برامج تشغيل متعددة الصيغ، رغما عن الصعوبات التي اعترضت مسيرة الإصلاحات، على غرار جائحة كورونا عام 2020، وكان لها الأثر السلبي على اقتصاديات معظم دول العالم، دون إغفال الوضع الدولي والإقليمي غير المستقر..

إصلاحــات جذريـــة..

وقالت سايح إنّ التجربة الجزائرية اعتمدت على صياغة خطط تفضي إلى التنوّع الاقتصادي والمبادرة الحرة والاستقرار الوظيفي، مع السهر على تحسين مناخ الأعمال الاستثمار، وأبرزت أنّ إرادة الدولة الجزائرية، ممثلة في شخص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، ظهرت في الالتزام رقم 44 الذي ورد في برنامجه وعمل على تنفيذه، ما انتهى إلى مراجعة شاملة للسياسة الوطنية للتشغيل، من خلال وضع آليات ترتكز على مقاربة اقتصادية محضة، لمحاربة البطالة وتعزيز آليات الإقلاع الاقتصادي.
وأبرزت الخبيرة أنّ ذلك يظهر من خلال جملة إصلاحات مست واقع سياسة التشغيل في الجزائر بشكل مباشر، وقالت إنّ جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة خاصة لدى فئة الشباب، ركّزت على تعزيز آليات الإقلاع الاقتصادي.

منـــاخ ملائـــم للاستثمـــار

وفي ردّها عن سؤال متعلق بالمناخ الاستثماري وعلاقته بالتشغيل، شدّدت محدّثتنا على أنّ “الجهود الرامية إلى إعادة بعث الاستثمارات الراكدة، أو رفع العراقيل عن تلك التي لم تعرف الانطلاق، والإجراءات المتخذة في مجال تعزيز آليات التشغيل، تم التأسيس القانوني لها من خلال إرساء ترسانة قانونية مشجّعة على الاستثمار، قدمت تحفيزات مختلفة، حيث شكّلت رافدا يغذي منابع التشغيل، وتمكّنت من تحقيق أرقام مذهلة في مناصب الشغل، وفتح الآفاق أمام القوى العاملة المعطلة، ممّا رفع من نسب الإسهام في بناء الاقتصاد الوطني، ودفع عنصر الإنتاج نحو الصعود بالموازاة مع الرفع من القدرة الشرائية، وهذا – تقول المتحدّثة - أدّى إلى تنشيط الاستهلاك وزيادة الطلب الكلّي الفعّال”.
ولفتت المختصة الاقتصادية إلى أنّ مسار تحسين المناخ الاستثماري وتعزيزه، تم بتتبع التنظيمات والتشريعات الخاصة بالاستثمار في الجزائر للواقع المعيش، ويمكن أن نستشف بوادر خلق مناخ ملائم للاستثمار – تضيف محدّثتنا - عبر الآليات التشريعية والتنظيمية الجديدة، وكذا المشاريع الاقتصادية الحيوية، مثل مشروع غارا جبيلات بتندوف، وواد أميزور ببجاية، ومشروع الفوسفات بالشرق الجزائري، ومشروع السد الأخضر، إضافة إلى المشروع العملاق في الصناعة الغذائية المرتقب في تيميمون وغيرها من المشاريع التي من شأنها خلق الثروة، وإمداد الخزينة العمومية بإيرادات كبيرة وتحسين المستوى المعيشي من خلال استحداث مناصب شغل، ما ينعكس إيجابا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

مشهــد التشغيــل..تغيـير شامـل..

أكّدت الأستاذة سايح حاكي أنّ مشهد التشغيل بالجزائر وفر عشرات الآلاف من مناصب الشغل، وتم إدماج عشرات الآلاف من المستفيدين من أجهزة الإدماج، وكذا التوظيف المباشر لآلاف الأساتذة الجامعيين من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه في عملية توظيف واسعة لم تشهدها الجزائر من قبل.
 بالتوازي مع ذلك – تضيف محدّثتنا - تم إنشاء المؤسّسات الناشئة وتأسيس المدوّنة الجزائرية للمهن والوظائف التي تم إرساؤها سنة 2023، وسمحت بتحكم أفضل في احتياجات سوق العمل والتكامل بين عروض وطلبات التشغيل، فضلا عن تطوير منظومة دعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة، ويندرج كلّ ذلك في مسعى تحقيق الإقلاع الاقتصادي.
وأضافت: “في جملة القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية لصالح الفئات العمالية والمتقاعدين من أجل تعزيز مسار تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، عرفت السنوات الأخيرة زيادات متتالية في الأجور بنسبة بلغت 47 بالمائة، وتثمينات في معاشات ومنح التقاعد التي بلغت 33 بالمائة عام 2023”.
وشرحت المختصة في المجال الاقتصادي قائلة: “هذا إجراء يمكّن من رفع القدرة الشرائية ورفع الطلب الكلي كعنصرين أساسيين من عناصر مجاميع الاقتصاد الكلي، شريطة أن لا يواكب زيادة الأجور رفع في الأسعار يمتص تلك الزيادات، كما يشترط - من جهة أخرى - أن يواكب الرفع في الأجور زيادة في الإنتاج الحقيقي حتى لا نقع في دائرة ظاهرة اقتصادية مختصرها أموال كثيرة تطارد سلعا قليلة وهو ما يعرف حرفيا بالتضخم”.

تدابــير تحفيزيــة

من جهة أخرى، أفادت المتحدّثة قائلة: “نلحظ حزمة من التدابير التحفيزية المالية وشبه الجبائية التي يتكفل بها الصندوق الوطني للتأمين على البطالة، بالتنسيق مع مصالح الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، والتي استفاد منها الآلاف من العمال وخصّص لها الصندوق الوطني للتأمين على البطالة غلافا ماليا معتبرا خلال السنوات الأخيرة.
وفي السياق، أوضحت الخبيرة، أنّه قطاع التشغيل – في إجراءات تكميلية ومتممة - يسجّل تطورات في نظام المعلومات والخدمات الرقمية لفائدة المرتفقين بهدف الرفع من نجاعة آليات ضبط وترقية التشغيل وتحسين وتسريع الانتفاع، وهو ما يصبّ في رافد التحوّل الرقمي، كما تطرقت إلى الاستثمار في المورد البشري، وقالت: “لا تكتمل المعادلة في الحديث عن التشغيل إلا بإدراج رأس المال البشري، فهو العنصر المحرك والمدير والمنفذ والمقيم للعمل الإنتاجي وبالتالي لقطاع الشغل ككلّ، حيث أنّ الاستثمار في رأس المال البشري، وتمكينه وتحيين مناهج إدارته من خلال التكوين المستمر، يجعله مواكبا للتطورات العالمية الحاصلة في مختلف الميادين”.
ولفتت محدّثتنا - في السياق - إلى أنّ “تأهيل المورد البشري يشكّل أحد مفاتيح النجاح سواء للاستثمارات الوطنية العمومية أو الخاصة، وهو عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذكرت باستحداث جهاز منحة البطالة والفرص التشغيلية المترتبة عنه، وقالت: “هناك مستفيدين يوجّهون نحو عروض العمل، وآخرون يوجّهون إلى التكوين بغرض تحسين فرصهم في الحصول على مناصب عمل”.

 جديـــد عالــم الأعمـــال..

من جهة أخرى، عادت الأستاذة سائح حاكي إلى الحديث عن التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي، للتفصيل في أدبيات علم المانجمنت والمقاولاتية، وقالت إنّ المقاولاتية “تعرف على أنّها الممارسة الفردية لنشاط مربح يندرج في قائمة الأنشطة المؤهّلة المحدّدة عن طريق التنظيم والمنصب على تقديم منتج جديد أو تطويره أو طريقة جديدة في مزج عوامل الإنتاج”، ويشترط في النصوص التنظيمية المؤطرة للمقاولاتية الذاتية في الجزائر، أن لا يتجاوز رقم الأعمال السنوي للمقاول الذاتي 5 ملايين دج، كما يستثني مشروع القانون من نطاق تطبيقه المهن الحرة والأنشطة المقننة والحرفيين.
وأبرزت سايح  أنّ تطوير روح المقاولاتية يسهل ولوج الشباب إلى سوق العمل عن طريق التوظيف الذاتي، إضافة إلى أنه يكرّس المفهوم الحقيقي للاستثمار المنطوي على المغامرة وظروف عدم اليقين والرغبة الشديدة في النجاح واقتناص الفرص في السوق، ويكتسي طابعا منشئا للثروة وليس فقط مجرد نقل الحيازة أو توظيف الأموال، حيث أنّ هذا القانون من شأنه حصر عدد الكفاءات التي تنشط في السوق الموازية، واستعادتها لإدماجها في الاقتصاد الرسمي، ممّا يسهل عملية التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد”.
وترمي الدولة من وراء إنشاء المقاولاتية الذاتية -  تقول حاكي-  إلى تنظيم بعض الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي ظهرت مع بروز اقتصاد المعرفة والوسائل الرقمية، والتي لم تكن تخضع إلى إطار قانوني، على غرار تطوير التطبيقات والتجارة الالكترونية وتسيير منصات التواصل الاجتماعي، حيث أنّ الدور الذي سيلعبه هذا المشروع في تخفيض أعباء المؤسّسات الناشئة من خلال تمكينهم من الاستعانة بالمقاولين المستقلين وكذا الاستغلال المشترك للموارد البشرية بين المؤسّسات المختلفة، بالإضافة إلى تسهيل تصدير بعض الخدمات الرقمية.والمتابع لهذا المسعى – تقول محدّثتنا - يلاحظ أنّ القانون حدّد المزايا الممنوحة للمقاول الذاتي وعلى رأسها مسك حسابات مبسّطة، والإعفاء من القيد في السجل التجاري، والخضوع لنظام ضريبي تفضيلي والتغطية الاجتماعية، بالإضافة إلى إمكانية فتح حساب بنكي تجاري.
في السياق، أبرزت الخبيرة الاقتصادية أنّ من جملة التدابير التي أقرّتها الدولة لصالح عالم الشغل في الجزائر، أنّها منحت الحقّ في عطلة للموظفين من أجل إنشاء مؤسّسة، وهذا ما يمثل المقاولاتية المؤسّسية، إلى جانب التسهيلات الممنوحة للمقاول الذاتي بتخفيض استثنائي في قيمة الاشتراكات التي يمكن أن تصل - وفق اختيار المعني - إلى مبلغ قدره 24 ألف دج.