طباعة هذه الصفحة

القرار يحدث طفرة في المعاملات المالية.. خبراء لـ “الشعب”:

150يومـا أمـام التجار.. للالــتزام بـ “الدّفــع الإلكـتروني”

خالدة بن تركي

المعاملات الإلكترونية.. تعريفات مخفّضة وتسهيلات معتبرة

تهيئة المناخ الملائم لاستعمال التكنولوجيا المالية.. استراتيجية محكمة

 أمام التجار 150 يوما لتعميم استعمال وسائل الدفع الالكتروني في المعاملات التجارية والخدماتية، خاصة في ظل التحفيزات التي منحتها وزارة التجارة للتشجيع على التوجه نحو الخدمات الالكترونية المقدمة من طرف مؤسسات الدولة، وتعميم وسائل الدفع الالكتروني بالمساحات التجارية والخدماتية لتسهيل المعاملات المالية وتحقيق النهضة الاقتصادية.

 قال الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص في تصريح لـ “الشعب”، إنّ التجار والمتعاملين الاقتصاديين الممثلين في 2 مليون مؤسسة اقتصادية، ومختلف الوكلاء المعتمدين لمختلف الماركات التجارية، وكذا نشاط الخردوات ومواد البناء وتجارة الجملة، التجزئة والدكاكين الصغيرة إضافة إلى مساحات العرض أو ما يسمى “المول” أو المراكز التجارية ذات الطوابق التي يمكن أن تضم شبكات عبر الوطن، والتجار المقدر عددهم بأزيد من مليون تاجر، ملزمون باستعمال هذه التقنية لتسهيل المعاملات المالية والقضاء على أزمة السيولة النقدية.
وأضاف أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، أنه رغم التسهيلات التي منحتها الحكومة للتوجه نحو استعمال تقنيات الدفع الالكتروني، إلاّ أن كثيرا من التجار مازالوا يعتمدون وسائل الدفع التقليدية أي “الكاش”، بل أنّ بعض المواطنين يحملون مبالغ كبيرة في تعاملاتهم التجارية رغم خطورة الأمر، إلى جانب أنها تعتبر من المظاهر السلبية المضرة بالاقتصاد الوطني.
أوضح محدّثنا في السياق، أنّ هذه التعاملات تدل على وجود كتلة نقدية كبيرة متداولة بين الناس، وغير موجودة على مستوى النظام المصرفي الوطني، ممّا يؤثّر سلبا على وظائف النقد ولا تسمح بتحريك عجلة الاقتصاد، وتخلق اقتصادا موازيا يضر بالخزينة العمومية، وهو سبب المطالبة في عديد المرات بفرض إجبارية استعمال وسائل الدفع الالكتروني في التعاملات التجارية والخدماتية
وأشار الخبير إلى التسهيلات التي منحتها وزارة التجارة مؤخرا لتشجيع هذه التعاملات، والمتمثلة في تخفيض كلفة العمليات التي تتم مع المركز الوطني للسجل التجاري، إذا تمت عن طريق آلية الدفع الالكتروني، كما بذلت جهودا من أجل تخفيض قيمة التعريفات المطبقة على التجار عند استعمال الدفع الالكتروني في تعاملاتهم التجارية.
وطالب الخبير بتوفير الموزعات المالية على مستوى المدن الكبرى، ثم على المستوى الوطني بالتدريج، ليكون المواطن أمام خيار الدفع باستعمال البطاقات البنكية، خاصة مع وجود عدد كبير من أصحاب الحسابات البريدية، إذ يملك 40 بالمائة بطاقة “الذهبية”، إضافة إلى حوالي 2 مليون بطاقة “بين بنكية”، وهكذا يكون العدد الاجمالي أزيد من 13مليون بطاقة ذهبية وبنكية، والعملية تتطلب اجتهادا أكبر لتعميمها أكثر.
وقال الخبير إنّ الإجراء يقضي بالتخلي تدريجيا على الدفع التقليدي، فالمهم في العملية، دخول الكتلة النقدية في النظام المصرفي وعبر شبكات البنوك وشبكات الحساب البريد الجاري، في كامل التراب الوطني، وهو السبيل - يقول محدثنا - إلى معالجة مشكلة السيولة النقدية في البنوك، ليصبح لديها القدرة المالية لتسهيل عمليات تمويل الاقتصاد سواء بالقروض القصيرة والمتوسطة والطويلة، ولن يكون هناك أي جفاف في السيولة المالية.
وشدّد الخبير على أهمية اعتماد هذه الآلية للقضاء على السوق السوداء والمعاملات التجارية غير الرسمية، بالإضافة إلى معرفة رقم أعمال التاجر من خلال الذكاء الصناعي وتتبع العمليات المالية، على اعتبار أن الدفع عن طريق “الكاش” لا يسمح لمصلحة الضرائب بمعرفة رقم الأعمال، لكن باستخدام هذه الآلية يمكن معرفة رقم الأعمال وقيمة الضريبة الجزافية الوحيدة، وكذا القيمة المضافة لكل تاجر ممّا يسهّل - في الأخير - تحديد الناتج المحلي الاجمالي للدولة بالتدقيق.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي لعلى رمضاني، إنّ الحكومة عكفت منذ سنة 2020 على اعتماد منظومة اقتصادية قوية من خلال عصرنه الاقتصادي الجزائري، واستعمال التكنولوجيا المالية المتطورة، خاصة آلية الدفع الالكتروني التي أصبحت ذات أهمية لمواكبة عمليات التسويات المحلية أو الدولية، سيما مع الانفتاح الاقتصادي للجزائر مع الدول الأجنبية، فضلا عن التطور في ثورة تكنولوجيا المعلومات التي يشهدها العالم اليوم.
وأضاف المتحدث: برزت في هذه المرحلة أهمية استعمال وسائل الدفع الإلكتروني لتوفير متطلبات الوضع الاقتصادي الجديد وكذلك تسهيل المعاملات التجارية والخدماتية المحلية والدولية، ما جعل الجزائر منذ سنة 2022 تتبني إستراتيجية لتطوير التكنولوجيا المالية والدفع الإلكتروني في الجزائر.
وأكّد أستاذ الاقتصاد أنّ الآلية عرفت كثيرا من المشاكل والمعوقات التي تحد الانتقال من الدفع التقليدي إلى الدفع الإلكتروني، الذي يتميز بكثير من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، حيث عرف المشروع اجتماعات ولقاءات هامة بين الفاعلين في القطاع المؤسسات المالية التابعة لوزارة لمالية وزارة البريد والموصلات ووزارة التجارة، ومصلحة رقمنة المؤسسات الاقتصادية، بالإضافة إلى مجمع النقد الآلي.
وكانت هذه الهيئات - يقول المتحدّث - قد قامت بدراسة معمّقة لأهم وسائل الدفع المتاحة في الجزائر، وأهم المشاكل المطروحة في هذا النوع من الدفع، خاصة ما تعلق بالبنية التحتية، وسائل الدفع المتاحة من طرف الجهاز المصرفي والبريد والمواصلات ورقمنة القطاعات في الجرائر، وكذا المتعاملين الاقتصاديين سواء مؤسسات اقتصادية أو أصحاب المهن الحرة خاصة التجار، وبالتالي، عكفت الحكومة منذ سنة 2022 على بناء إستراتيجية مهمة من أجل إعادة النظر كليا وتهيئة الوضع لإيجاد مناخ ملائم لاستعمال التكنولوجيا المالية وآلية الدفع الالكتروني.
وأكّد الخبير الاقتصادي على ضرورة توفير الصرافات الآلية على مستوى الوطن، وتوفير بطاقات الائتمان على مستوى البنوك والبريد والمواصلات، مع تكثيف الأيام التحسيسية للتعريف بأهمية استعمال آلية الدفع الالكتروني، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية التي قامت بها الدولة، خاصة ما جاء في قانون النقد والصرف الذي يحمي المتعامل الاقتصادي من حيث الوسائل التكنولوجيا المالية وآلية الدفع الالكتروني، مع تكوين المورد البشري المؤهل لاستعمال هذه التقنية.
وقال البروفيسور لعلى رمضاني: بفضل الجهود المنيرة، استطاعت الجزائر أن تحقّق نتائج مهمة في المدة الأخيرة في مجال رقمنة القطاع المصرفي على غرار آلية الدفع الإلكتروني، وهو ما يعد أمرا ايجابيا من حيث تسهيل المعاملات المالية والخدماتية للتجار المتعاملين الاقتصاديين والمواطنين، هذا إلى جانب تحقيق نتائج إيجابية تعود بالفائدة للاقتصاد الوطني.
وأكّد خبراء اقتصاديون على ضرورة التوجه نحو استعمال التكنولوجيا المالية أو ما يسمى آلية الدفع الالكتروني لتعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين جودة الخدمات المصرفية، كما أنها تساهم في تحسين الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات، وجلب أكبر عدد ممكن من الزبائن الممثلين في المواطنين التجار والمتعاملين الاقتصاديين.
للإشارة، ترأّس وزير المالية، لعزيز فايد، اجتماعا تنسيقيا ضم المديرين العامين والمركزيين بالوزارة يوم 20 جوان الأخير، تم خلاله استعراض عدد من المحاور التي يعمل عليها القطاع والرامية الى تعزيز كفاءة وعصرنة إدارة المالية، والتي منها على وجه الخصوص تطوير وسائل الدفع الالكتروني والتحضير لمشروع قانون المالية لسنة 2025، وفق ما أفادت به الوزارة في بيان لها.
خلال هذا الاجتماع، “تمّ عرض برنامج تطوير وسائل الدفع الإلكتروني بالتفصيل. يهدف هذا البرنامج الذي أعدته المديرية العامة للخزينة والمحاسبة إلى تعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكتروني لتسهيل المعاملات، تحسين الشفافية وتنويع وسائل مكافحة الاقتصاد غير الرسمي، وذلك من خلال نشر أجهزة الدفع الإلكترونية على مستوى إدارات قطاع المالية والقطاعات الأخرى وأيضا من خلال تعميم خدمة الدفع عبر الهاتف المحمول لجميع البنوك”، بحسب المصدر ذاته.
بهذا الخصوص، أكّد وزير المالية على أهمية هذا البرنامج الرامي إلى دعم عصرنة الاقتصاد الوطني وتشجيع الشمول المالي، مبرزا “التزامه بمواصلة الجهود لعصرنة إدارة المالية مع إيلاء اهتمام خاص للابتكار والكفاءة والأداء”.
قبل ذلك، أشرف وزير المالية، لعزيز فايد، ووزير البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، كريم بيبي تريكي وكذا محافظ بنك الجزائر صلاح الدين طالب، في التاسع مارس الماضي على اجتماع تشاوري لدراسة ملف تطوير وسائل الدفع الإلكترونية، حيث مكّن اللقاء من تحديد شروط ووسائل إنجاح عملية الدفع عبر الهاتف، مع إدماج جميع البنوك وبريد الجزائر في هذا النظام، وفق ما أورده بيان لوزارة المالية.
وحسب المصدر فقد “ناقش المشاركون عدة اقتراحات، بما في ذلك الجوانب التنظيمية لتطوير وسائل الدفع الإلكترونية، وتوثيق منصات مقدمي خدمات الدفع (PSP)، وسمح هذا الاجتماع بتحديد الشروط والتعرف على الوسائل الكفيلة بإنجاح عملية الدفع عبر الهاتف (Switch mobile) مع إدماج جميع البنوك والبريد الجزائري في هذا النظام، وكذلك تطوير الدفع الفوري عبر الهاتف”.
بالمناسبة، أكّد وزير المالية على أهمية تطوير وسائل الدفع الإلكترونية، والذي يعد أحد أولويات الحكومة، مشدّدا على دور الدفع الإلكتروني في تحديث النظام البنكي.
زيادة معتبرة
 بلغ عدد العمليات عبر نهائيات الدفع الإلكتروني أكثر من 3.9 مليون سنة 2023 بقيمة تجاوزت 31.5 مليار دج، وفقا للبيانات التي نشرها تجمع النقد الآلي.
وكان تجمع النقد الآلي قد سجّل سنة 2022 أكثر من 2.7 مليون عملية دفع عبر نهائيات الدفع الالكتروني بقيمة معاملات إجمالية قدّرت بـ19.3 مليار دج.
وفي حصيلة نشرها على موقعه الالكتروني، أكّد تجمع النقد الآلي أنه خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى ديسمبر 2023، تم تسجيل أعلى مستوى لعمليات الدفع خلال الشهر الأخير من السنة بـ401.389 عملية عبر نهائيات الدفع الالكتروني بقيمة تزيد عن 3.1 مليار دج.
كما أشارت المعطيات ذاتها إلى ارتفاع في عدد النهائيات المستغلة عبر التراب الوطني مع نهاية شهر ديسمبر 2023 بـ53.191 جهاز مقابل 46.263 نهاية 2022.
وبخصوص عدد بطاقات الدفع الالكتروني المتداولة، فقد بلغت نهاية ديسمبر الماضي أكثر من 16.5 مليون بطاقة بين البنوك (CIB) وبطاقة “الذهبية” لبريد الجزائر، حسب أرقام هذه الهيئة المكلفة بضبط النظام الوطني للدفع الإلكتروني بين البنوك.
وبخصوص الدفع عبر الإنترنت، فقد بلغ العدد الاجمالي للمعاملات المنجزة خلال الفترة

الممتدة من جانفي إلى ديسمبر 2023 أكثر من 15.3 مليون عملية.
ومع نهاية سنة 2023، واصل عدد المواقع الالكترونية التجارية المنخرطين في نظام الدفع عبر الانترنيت بواسطة بطاقة ما بين البنوك على المستوى الوطني ارتفاعه ليبلغ 475 متعامل.
ويتعلق الأمر خاصة بالشركات الكبرى التي تتعامل بالفواتير مثل مؤسسة الجزائرية للمياه وسونلغاز واتصالات الجزائر، إضافة الى المتعاملين في مجال الهواتف المحمولة وشركات التأمين والنقل الجوي”، يضيف ذات الصدر.
واستنادا إلى نفس الحصيلة، قدّر العدد الإجمالي للمعاملات التي تمّ إحصاؤها منذ إطلاق الدفع عبر الإنترنت سنة 2016 بـ37.3 مليون عملية بمبلغ إجمالي يفوق 67.3 مليار دج من المعاملات.
ومن جهته، سجّل الدفع عبر الهاتف المحمول الذي تمّ فتحه “في مرحلة أولى” فقط بين البنوك (زبائن نفس المؤسسة المصرفية) خلال عام 2023 اجمالي 39.2 مليون معاملة بقيمة 27.8 مليار دج، يضيف تجمع النقد الآلي.
أما بالنسبة للعمليات المتعلقة بخدمة تحويل الأموال عبر الهاتف (p2p)، تم تسجيل 17.8 مليون معاملة بقيمة تفوق 241 مليار دج.
ووفقا لبيانات ذات الهيئة، تجاوز عدد عمليات السحب عبر الموزعات الآلية 174.4 مليون معاملة بقيمة تقدر بـ 3.262 مليار دج.
كما كشف ذات المصدر، أنّ حظيرة موزعات النقد الآلية المستغلة تضم 3.847 جهاز نهاية ديسمبر الماضي مقابل 3.640 جهاز بنهاية سنة 2022.
وقد تمّ إنشاء تجمع النقد الآلي “جي مونيتيك” سنة 2014، ويتكوّن من 18 بنكا بالإضافة إلى مؤسسة بريد الجزائر، فيما يساهم فيه بنك الجزائر كعضو غير منخرط من أجل ضمان مطابقة الأنظمة، وأدوات الدفع والمعايير المعمول بها.
ويعكف التجمع في إطار خطة عمله على تحديث الإطار التنظيمي الذي يسير الدفع الإلكتروني ومعاييره وقواعده، فضلا عن تطوير الدفع عبر الانترنت، مع العمل على زيادة عدد تجار السلع والخدمات عبر الأنترنت إلى 1000 بائع خلال هذه السنة.
كما يشرف تجمع النقد الآلي الذي يهدف إلى تعزيز الدفع الإلكتروني من خلال تعميم استخدام وسائل الدفع الإلكترونية على النظام النقدي من خلال تعميم الوسائل الإلكترونية للدفع. وكان التجمع قد أطلق في شهر أكتوبر من العام الماضي بالتعاون مع الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية “مشروع المدينة النموذجية للدفع الإلكتروني”، بحيث وقع الاختيار على مدينة سيدي عبد الله كمدينة نموذجية، ويهدف ذلك إلى ترقية طريقه الدفع البديلة هذه. علاوة عن ذلك، يسهر تجمع النقد الآلي على نظام الدفع الإلكتروني من خلال إدارة المعايير والمواصفات والقواعد، وتحديد المنتجات النقدية البنكية وقواعد تنفيذها إضافة إلى تسيير أمن المدفوعات.