طباعة هذه الصفحة

مظاهر عصرية طغت عليها بعيدا عن التقاليد

حفلاتُ الزفــاف في زمــن العولمــة.. فقــدت رونقهـا؟

مظاهر الأعراس العصرية جعلت هذه المناسبة تفقد رونقها بعد أن كانت تجمع العائلات من الجيران والأقارب لأيام من الفرح وتحضير الطعام والحلويات على وقع الأغاني والزغاريد، أما اليوم فأصبح كل شيء يقدّم جاهزاً.
فعلت العولمة فعلتها ولم يسلم منها أي مجال وعلى مختلف المستويات، ولعلّ اختفاء مهن كانت ضرورية من أجل إنجاح حفلات الزفاف، وصراع أخرى من أجل البقاء، دليل على تغير العادات بفعل توسع دائرة الباحثين عن المظاهر على حساب التقاليد.
كان أوّل ما يسأل عنه المدعوون إلى الأعراس هو قائمة المأكولات المقدمة في العشاء، والطباخة التي وقفت على تحضيرها، وهي الحال ذاتها مع ممارسات وأعمال عدة التصقت بكل حفلات الزفاف في وقت سابق، مثل «القرافة» و»المسامعية» و»المداحات»، وغيرها من الأمور والعادات التي كانت مهمة في كل أفراح الزفاف، إلى درجة أن من لا يستعين بها في الزفاف فهو غريب عن المنطقة أو ليس متحضراً، وما إلى ذلك من أوصاف.
وكانت للأعراس نكهة خاصة قبل سنوات، إذ تقام في البيوت وعلى أسطح العمارات، تتبعها تقاليد وعادات ومهن تمنح الفرح صبغة خاصة إذ تريح العروسين عائلتيهما كما المدعويين، لكن العصرنة غيرت الطبائع وعوضت القاعات الأسطح، وقائمة الطعام الأجنبي المأكولات التقليدية، وبدل الطباخة حضر المكلف بإعداد أطباق العشاء والمعروف بـ «التريتور»، ورقص المدعوين على أنغام التسجيلات أو ما يطلق عليها الـ «دي جي» بعد أن كانت حمى العرس ترتفع مع «المسامعية» و»المداحات».
الدزاير القديمة
في سوق الشراقة، ذكرت الحاجة مريم التي تنتمي إلى جيل الستينيات، أنه لم يتبق شيء من رائحة الجزائر القديمة، أو كما قالت «الدزاير القديمة»، لا فيما يتعلق بالأعراس فقط، وإنما كل مناحي الحياة، مضيفة أن هناك من أخذ ما يحتاج إليه من التطور التكنولوجي وترك المتبقي، بينما شباب هذه الأيام أخذ التفاهات وأصبح همه التقليد على حساب مبادئه وثقافته، وهو ما جعل الأعراس خاوية من معانيها.
وأشارت إلى أن بعض المهن التي ظلت حكراً على النساء والعجائز في الأعراس والمناسبات كالطبخ وتنظيم الديكور وتحضير القصائد، تحولت إلى فئة الشباب الذين اتخذوا من الفضاء الأزرق مساحة للترويج لأعمالهم ونشاطهم، إذ تمكنوا من إقناع أقرانهم من العرسان وأوليائهم بقدرتهم على إنجاح حفلات زفافهم بأسعار متدنية وخدمات راقية، متخذين من المسلسلات والأفلام نماذج لجلب الزبائن.
وأضافت «لم نعد نشعر خلال الأعراس بأننا جزائريون، بسبب الغزو الأجنبي على جميع المستويات، لقد أصبح العرس يتم خارج بيت الأهل، ويتكفل بتحضير الطعام والحلويات مختصون في ذلك».
المدّاحات والمسامعية.. إلى زوال
فرق نسوية تؤدي قصائد من التراث، وأخرى تغني من الزمن البعيد، وأيضاً الجديد المحتشم، ومنهم من يهتم بالمديح الديني، وغيره من الطبوع الجزائرية الكثيرة، إنهن المداحات والمسامعية والقلالات والطبالات والرحابة والفقيرات، اللاتي يطلق عليهن أيضاً الشيخات لأن غالبيتهن من كبيرات السن، لكن لم يعد لهن مكان، بل لا يذكرن في المجالس ولا يعرفهن الشباب الحالي وخرجن من مخيال المجتمع إلا قليلاً.
الطباخة أو المناولية من المهن التي تصارع من أجل البقاء، بعد أن حل محلها «التريتور» أو الطباخ الرجل بتقنياته ولمساته العصرية، ومصطلح «المناولية» مشتق من الكلمة الأمازيغية «تيمنالوين» أي الطباخة، وهي من بين الأكثر أهمية في الزفاف، على اعتبار أن مأدبة العشاء كانت الحدث الأهم لأنها تمثل صورة مصغرة للحال المادية والمكانة الاجتماعية للعائلة، ومهمتها صعبة لأنها مكلفة بإطعام مئات الأشخاص بأكثر من طبق يجب أن تكون كلها لذيذة.
للماشطة والقرافة مكانة
من بين مهن الأعراس المهددة بالزوال، إضافة إلى الفقيرات أو المداحات أو المسامعية أو الطباخة، هناك المسادنة، وهي المرأة المكلفة توجيه دعوات إلى الحضور، لكنها ليست أية امرأة فقبولها يخضع لشروط، أهمها أن تكون على دراية تامة بالمنطقة، إضافة إلى معاملتها الحسنة ولباقتها في الكلام وسيرتها المحترمة.
في وقت مضى لا تقوم العائلات بالدعوة إلى العرس بنفسها، بل توكل المهمة للمسادنة أياماً قبل المناسبة، إذ توضع لها الحنة وترتدي ملابس جميلة، وتكتسي ذهب العروس، وتخرج من البيت بالأغاني، وحين تنتهي مهمتها تهدى أشياء مميزة باهظة تصل في بعض الأحيان إلى الذهب، بحسب مستوى العائلات.
كما تعد مزينة العروس أو الماشطة أو القرافة، أي التي تقوم بتزيينها وإلباسها مهنة لها مكانة خاصة، وإن كانت مستمرة إلى الآن، فلأنها تحولت إلى صيغة مختلفة عن السابق بعد أن دخلت العصرنة على الخط، وبحسب الروايات فاسم «القرافة» مصدره الكلمة الإسبانية «غرافادو»، وتعني تأمل الرسام أو النحات في عمله عند كل لمسة، ويقال إن نسوة الأندلس جئن بها، بخاصة أهالي قرطبة لأنهم أكثر من استقروا غرب الجزائر.
أعراس بلا اجتماع العائلة
لا ينفي المختصون وجود تأثيرات مباشرة في الأعراس الجزائرية من خلال بعض الظواهر الجديدة التي مست طريقة سيرها وتسييرها، منها دخول الآلات الحديثة واقتحام أغاني غير لائقة بيوت وأعراس بعض الجزائريين، وتنظيم الأفراح داخل قاعات الحفلات كفضاء لممارسة طقوس الزواج، وظهور طباخ الأعراس بعد أن كانت النسوة من الأقارب والجيران يطبخن الطعام وحتى يحضرن الحلويات.
مظاهر الأعراس العصرية جعلت هذه المناسبة تفقد رونقها بعد أن كانت تجمع العائلات من الجيران والأقارب لأيام من الفرح وتحضير الطعام والحلويات على وقع الأغاني والزغاريد، أما اليوم فأصبح كل شيء يقدّم جاهزاً، فالشيف يحضر الأكل واختصاصيو الحلويات يحضّرون المرطبات، وحتى الضيوف والأقارب لا يذهبون إلى بيت العرس، بل يلتقي الجميع في قاعة الأفراح لبعض الوقت ثم يفترقون.