سلمى انفيف فنانة مختصة في فن الزخرفة الإسلامية، خريجة معهد الفنون الجميلة ـ باتنة ـ تخصص منمنمات، وحاصلة على شهادة الليسانس في الأدب العربي، إضافة إلى موهبتها منذ الصغر، نشأت سلمى في كنف عائلة متذوقة للجمال الفني، مبدعة في نظرتها وقناعتها، كل هذا كان له أثرا كبيرا على توجهها الفني.
أشارت الفنانة سلمى انفيف، إلى أن المدقق في تفاصيل الزخارف الإسلامية يجد أنها تحمل العديد من الميزات المؤثرة في نفسه خلافا لباقي الزخارف رغم عدم فهمه لها في بعض الأحيان، فهو يجد أن اندماج وتشابك عناصرها ذات امتداد لا متناهي من خلال التكرار الواضح بين عناصرها فضلا عن تعدد البؤر، ونقاط الرؤية، والألوان التي قد تشتت الأنظار عند البعض.
وقالت محدثتنا إن الامتداد اللامتناهي في الأشكال الزخرفية يعد من الترميزات المتحققة كثيرا في معظم التجريدات الإسلامية، فهو يتحقق على سبيل المثال في الإيقاع المستمر للوحدات الزخرفية، وما من شكّ أن بحث الفنان المسلم الفكري والروحي في الامتداد اللانهائي في الزخارف الإسلامية هو دلالة حركة الكون اللامتناهية، فالامتداد اللامتناهي في التجريدات الزخرفية يكاد بحركته يجعل الناظر يلتمس لا نهائية البعد والذي بدوره يظهر بمسافات مختلفة وأبعاد متباينة، فهي الصلة الوثقى بين المرء وخالقه التي تبدأ من العشق الإلهي، ولتجسيد الامتداد اللامتناهي سلك الفنان المسلم طرق عديدة كان من بينها اعتماده الحركة اللولبية للأشكال في زخارفه، هو ما يوحي بالمعنى الرمزي العميق الذي أخذ شخصيته المتميزة في الزخارف الإسلامية، فحركة الخطوط المتشابكة في الزخرفة هي حقا حركة الدهشة والذهول لهذا الأمر، فهي حركة التسامي عن قيم المادة، أضف إلى ذلك طريقة تنفيذ العمل الزخرفي وتذهيب اللوحة، مع تحضير ماء الذهب.
وأوضحت انفيف، أن هذا الفن ظلّ مستمرا لما يحتويه من طابع جمالي، وروح زخرفية ذات صفات واضحة على عناصرها، ووحداتها الزخرفية التي تشكل في نهاية الأمر عملا واحدا مترابطا بهذه العناصر والوحدات حقيقة،
كما أكدت سلمى انفيف، أن الزخرفة تشير إلى تحرّر الإنسان في أوقات إبداعه ليعطي مذاق الحرية للآخرين باجتماع اليد، والقلب والعقل.. ففي أوقات الإبداع - تقول الفنانة - «أعيش حياة لا يعرفها غيري.. حياة خاصة بكل أبعادها، وانفعالاتها، يغلب عليها الصمت مع إحساس يراودني بأنني أعيش بعيدا عن ضوضاء من حولي، لا أشعر بمضي الوقت لأنني أعمل جاهدة على جعل هذه اللوحات تفرض نفسها، معتمدة على مواضيع اجتماعية دينية مشبعة بقيم إسلامية مبسطة ليتسنى للمشاهد فهمها حتى يصل لمرحلة التقدير والإعجاب».
وتضيف: «كثيرا ما أشبّه اللوحة الفنية بالطبق الشهي، ولذّته متوقفة على مهارة الطاهي ونفسه، كذلك اللوحة الفنية فإن اهتم بها الفنان وأجاد أسسها، وأبرز الجمال فيها بطريقة إبداعية وذات مضمون كان لها الأثر الكبير لدى المتلقي في تفاعله معها.
كما ذكرت، أن «انجاز اللوحة الزخرفية يمرّ بعدة مراحل أولها هي مرحلة ابتكار الفكرة والمضمون، وقد تأخذ وقتا أطول من تنفيذها ويعود ذلك لخبرة الفنان، وثقافته، بعدها تأتي مرحلة التخطيط واختيار ما هو ملائم لإبراز الفكرة من عناصر وأدوات وخامات، ثم تبدأ عملية المعالجة من خلال دراسة العناصر من خط ولون وضوء وملمس وفراغ، والتفاعل بأسس التكوين من إيقاع وتكرار، وتباين وتضاد واتزان، أما المرحلة الأخيرة فهي الإخراج والتنفيذ فبعد نقل التصميم إلى سطح العمل يباشر المزخرف بالتحبير، ثم مسح أثر القلم بعده تأتي مرحلة التذهيب، وصقل الذهب، ثم الانتقال لأشكال السليمة وبعض الفواصل، وأرضيات الأزهار، بعدها التحديد بالحبر الأسود، ومن ثم تلوين الأرضيات وتظليل الأزهار، وبذلك نصل للهدف المنشود»..
وتعد مرحلة الفكرة والمضمون - بحسب الفنانة - أصعب مرحلة لأنها تأخذ وقتا طويلا نتيجة البحث والتركيز، والتعمّق عن طريق شحن المدركات البصرية، والفكرية لهذا أبسط لوحة زخرفية قد يستغرق انجازها مدة شهر على الأقل، ومنها ما يتعدى لشهور وشهور، طبعا حسب المقاس والتصميم.