قررت الجزائر بشكل فوري سحب سفيرها في فرنسا، ردا على موقف الحكومة الفرنسية مما يسمى “خطة الحكم الذاتي” المزعومة في إقليم الصحراء الغربية المحتل. وبحسب قراءة العديد من الخبراء، فإن بيان الخارجية الجزائرية كان مؤسسًا على عدة اعتبارات سياسية وإقليمية ودولية، من خلال اتهام فرنسا بشكل مباشر بدعمها وتأييدها القطعي والصريح لواقع استعماري مخز، في حين لم تقدم أي حكومة فرنسية سابقة على هذا الفعل الذي يتنافى مع الشرعية الدولية ويتنكر بشكل صريح لحق شعب كامل في تقرير مصيره، لاسيما وأن فرنسا تعتبر عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وهذا ما يقوض الجهود الأممية الحثيثة التي تبذل منذ أكثر من 30 سنة للوصول إلى حل عادل لقضية الصحراء الغربية.
يرى المتخصص في الدراسات الأمنية الدكتور وليد بولحفة، في تصريح لـ«الشعب”، أن قرار سحب السفير يبقى قرارًا سياديًا من الدولة الجزائرية، وهو خطوة معروفة في الأعراف الدبلوماسية تعقيبًا على انحياز فرنسا الاستعمارية دعمها لنظرية الحكم الذاتي المخزنية في القضية الصحراوية، خدمة لأهداف وأجندات خاصة ومعروفة.
ويضيف الدكتور بولحفة، أن الموقف الفرنسي يعد مخالفة صريحة لأحكام وقرارات هيئة الأمم المتحدة، التي صنفت القضية ضمن قضايا تصفية الاستعمار وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، لافتا إلى أن هذه الخطوة سوف تؤدي إلى توتر في العلاقات بين البلدين وتؤثر على التعاون الثنائي في عدة مجالات مستقبلا.
من جانب آخر، يُنظر إلى هذا التصعيد من قبل الجزائر، على أنه رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الجزائر لن تتسامح مع أي تدخل أو دعم لأي مخططات تهدف إلى تقويض حقوق الشعب الصحراوي. كما يعكس هذا القرار مدى التزام الجزائر بمبادئها الثابتة فيما يتعلق بدعم حركات التحرر وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو جزء من سياستها الخارجية القائمة على دعم العدالة والشرعية الدولية.
كما يشير المحللون، إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الجزائرية- الفرنسية، وقد تفتح المجال أمام الجزائر لإعادة النظر في العديد من اتفاقيات التعاون مع فرنسا، لاسيما تلك المتعلقة بالاقتصاد والأمن وحتى الطاقة.
هذا التصعيد قد يضع فرنسا في موقف حرج على الساحة الدولية، خاصة وأنها تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع دول المغرب العربي وشمال إفريقيا، ما من شأنه أن يثير كذلك الكثير من الجدل في الداخل الفرنسي من الموقف المتحيز للحكومة الفرنسية في قضية عادلة لدول تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، فيما تغض الطرف عن انتهاكات المحتل المغربي في إقليم الصحراء الغربية.
إضافة إلى ذلك، قد يشكل هذا القرار ضغطًا إضافيًا على فرنسا لإعادة تقييم موقفها من قضية الصحراء الغربية، خصوصًا في ظل تصاعد الأصوات الداعمة لحقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
كما أن هذه التطورات قد تؤثر على مسار النزاع وتزيد من تعقيداته، مما يستدعي مزيدًا من الجهود الدولية للتوصل إلى حل عادل ومستدام وهذا ما تعمل الجزائر على تجسيده وفق المقررات الأممية، فيما تعمل القوى الاستعمارية السابقة في المنطقة على تقويض هذا المسار بسياسات المساومة مع المخزن والذي يعيش حالة من الارتباك منذ تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وحالة التخبط الاقتصادي التي يعيشها ومعدلات النمو المنخفضة.
كما أن الخطوة الجزائرية والمتعلقة بسحب السفير، تعد تعبيرًا واضحًا عن موقفها الثابت والداعم لحقوق الشعب الصحراوي، ومؤشرًا على استعدادها لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية هذه الحقوق في مواجهة أي محاولات لتقويضها أو الانتقاص منها، لاسيما وأن الجزائر على تماس مباشر مع هذا الإقليم وأي تصعيد في الأزمة من شأنه أن يؤثر على الأمن القومي الجزائري بشكل مباشر.