استقلاليـة وصلاحيـات أوسع للبنـك المركزي.. تحصين آليات العمـل
الأريحيــة الماليــة للخزينـة العموميـة .. رفاهيـة اجتماعيـة
حظيت المنظومة المالية الجزائرية، باهتمام خاص من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون الذي أولاها بعنايته، وأدخل عليها تغييرات جذرية طالت قوانين مالية ومصرفية أثبتت قصورها عن مواكبة النظام المالي الدولي.. التغيير كان جذريا على قدر التكامل والتداخل القوّي بين مختلف المواد القانونية. والتعديلات لم تفوت أهمية تحصين آليات عمل الهيئات المالية ذات الأهمية الحساسة، على غرار البنك المركزي الذي استفاد من صلاحيات أوسع..
أوضح الخبير الاقتصادي محمد حيمران، في اتصال مع «الشعب»، أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التزم بجملة من الإصلاحات المالية، وأوفى بها، ما منح المنظومة المالية القدرة على مواكبة المتغيرات العالمية، فقد تم تعديل قانون النقد والصرف، في خطوة طال انتظارها - يقول حيمران - وعرف المشهد المالي بالجزائر الإفراج عن القانون النقدي والمصرفي الجديد الذي يحمل بين مواده ما يستجيب لعدّة أهداف بينها التكيف مع المقاربة الاقتصادية الجديدة، وقد سطر القانون على رأس الأولويات تسريع الخدمات المصرفية وتحسينها، إلى جانب توسيع الشمول المالي، مما يعزّز التمويلات لفائدة الاقتصاد الوطني، وإلزام البنوك بوضع قواعد داخلية للحوكمة.. إصلاحات – يؤكد محدّثنا - رافقها إعداد الاستراتيجية الوطنية لتطوير وسائل الدفع الالكتروني لتعزيز المعاملات المصرفية، وعمليات الصيرفة الإسلامية واستحداث شكل جديد للعملة ممثلا في الدينار الرقمي الذي سيصدره ويديره البنك المركزي.
رؤيـــة جديـــدة..
في السياق، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن القانون 23/09، تضمن في جوهره هيكلا نقديا يعمل على تنظيم وتسيير المجال النقدي والمصرفي، بجميع مكوّناته، بدءا من البنك المركزي والمجلس النقدي، ثم اللجنة المصرفية ولجنة الاستقرار المالي واللجنة المصرفية للدفع. وقد شملت الإصلاحات المعمقة للمنظومة المالية، تغييرات جذرية مسّت حتى تسمية القوانين تبعا لأهدافها الجديدة، فمن قانون النقد والقرض، إلى قانون النقد والصرف. ومن النتائج التي تمخضت عن التعديلات التي مسّت النظام المالي الجزائري، ذكر حيمران تعزيز استقلالية البنك المركزي الجزائري ومكانته، مع اقتراح نظام العهدة بالنسبة لمحافظ البنك ونوابه لمدة 05 سنوات، إضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس النقدي والمصرفي من خلال اعتماد وسطاء مستقلين ومكاتب صرف، حيث لاحظنا مؤخرا - يقول حيمران - إصدار لوائح تنظيمية خاصة بمكاتب الصرف، في انتظار افتتاحها رسميا في آجال قريبة، مع تدعيم وتعزيز مزودي خدمات الدفع الالكتروني التي كانت في صلب ما جاء به قانون المالية لسنة 2024، حيث تم وضع آجال أقصاها 31 ديسمبر 2024، لتعميم استعمالاته من طرف جميع المتعاملين التجاريين. كما تم إدخال عدّة تعديلات على مستوى السياسة النقدية، علما أن مستوى الاحتياط على مستوى البنوك التجارية قد ارتفع من1 بالمائة إلى 3 بالمائة بحسب الإحصائيات المسجلة إلى غاية نهاية أفريل 2023.
مزيـــدا مـــن الاستثمــارات
وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد دعا إلى المزيد من الإجراءات التحفيزية لفائدة المتعاملين الاقتصاديين، بينها تخفيض نسبة الفائدة على القروض الاستثمارية من أجل الوصول إلى قفزة على مستوى حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية.. تعليمات – يقول حيمران - ترجم تنفيذها والاستجابة لها من خلال نتائج مشجعة فيما يتعلق بتحسين نوعية الخدمات وتعزيز التغطية البنكية وتوسيع الشمول المالي، وأوضح حيمران أن عدد الوكالات البنكية عرف ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، بلغ 7134 وكالة بنكية، بالمقابل تم إحصاء 6500 نقطة بيع لمؤسسات التأمين، بالإضافة إلى مؤسسات التأمين التكافلي الإسلامي، وحوالي 4 آلاف وكالة تابعة لبريد الجزائر، و12 مليون حساب فردي للادخار، بمبلغ إجمالي يقدر بـ3600 مليار دج، وهي ترسانة هيكلية – يقول حيمران - مجنّدة بأكملها لدعم أدوات وآليات الدفع الالكتروني، وكذا دعم الاستثمار والارتقاء بنوعية الخدمات البنكية، مما سمح بارتفاع الموارد البنكية إلى 14917 مليار دج نهاية سنة 2023، مقارنة مع السنوات الماضية.
من جهته سجل قطاع التأمينات، رقم أعمال معتبر، فقد سجل 170 مليار دج مقابل، 25 مليار دج مسجلة سنة 2014، بمعدل ارتفاع قارب 600 بالمائة، وسجلت التأمينات بصيغة التكافل ارتفاعا ملحوظا بلغت نسبته 335 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من سنة 2023، ورقم أعمال قدر بـ121 مليون دج.. أرقام مهمة سجلتها مختلف فروع قطاع المالية، أرجعها الخبير الاقتصادي إلى الإصلاحات المالية والهيكلية التي تقوم بها السلطات العمومية على مستوى القطاع، وجملة التشريعات القانونية التي تمت إعادة النظر في مدى مواكبتها للتحوّلات الاقتصادية العالمية، بما فيها قانون النقد والصرف وقانون التأمينات قيد الدراسة، ومراجعة القانون 04/15، في ظل ديناميكية جديدة لقطاع المالية تعتمد على الرقمنة والإجراءات الالكترونية، خاصة الإمضاء الالكتروني.
في هذا الإطار، دعا حيمران إلى ضرورة اعتماد الرقمنة وأدوات الذكاء الاصطناعي وتسريع وتيرة تقدمهما، وتعميم مجالات استعمالهما، خاصة في ظل توفر الكفاءات المؤهلة من خريجي الجامعة الجزائرية، وقدرتها على تغيير طبيعة الخدمات البنكية الكلاسيكية، من أجل تخفيض التكاليف وإضفاء الشفافية التامة.
الصيرفـة الإسلاميـة..
أما بالنسبة للصيرفة الإسلامية، كمنتج مصرفي عرف انتشارا واسعا خلال السنتين الأخيرتين، مباشرة بعد صدور قانون النقد والصرف، قال الخبير الاقتصادي إن القانون الجديد أعطى حيزا مهما للصيرفة الإسلامية، بما هي نشاط بنكي يضبطه وينظمه بنك الجزائر من خلال شروط محدّدة، ويمكن أن يتخذ هذا النشاط صيغتين مختلفتين، تتمثل الأولى في إنشاء بنوك إسلامية قائمة بذاتها، أما الثانية فتتمثل في إنشاء شبابيك إسلامية كما هي الحال على مستوى البنوك العمومية والخاصة الناشطة بالسوق المالية.
خطوة مشجعة لدخول مجال الصيرفة الإسلامية – يقول محدثنا - تسمح اللوائح التي تؤطرها بانتعاشها وتوسيعها إلى مجال الاستثمار من طرف البنوك العمومية والخاصة، كما ينتظر أن يكون هناك استثمارا خارجيا لهذا النوع من الصيرفة، كسوق مهمة وواعدة ذات رواج واسع، تمكنت من تحقيق رقم أعمال قدر بـ445 مليار دج عام 2021، و545 مليار دج عام 2022، لتقفز إلى 678 مليار دج عام 2023، بفضل تشجيع المواطن على الادخار خاصة وأن القانون المصرفي الجديد منح حماية قانونية وتحفيزات عديدة للمدخرين والمودعين. ومن أجل توضيح مفهوم الصيرفة الإسلامية الذي حظيت باهتمام شريحة واسعة من المواطنين، قال حيمران إنها صيرفة بديلة للمنتجات المصرفية الكلاسيكية، أين تلعب المؤسسة المالية دور وسيط مالي، من خلال اقتراض الأموال عن الزبائن المودعين وتحويلها في شكل قروض للزبائن المقترضين في شكل قروض استثمارية أو لاقتناء معدات وعقارات، بنسبة فائدة يتم اقتسامها بين المؤسسة المالية والمودعين. في حين تلعب دور الوسيط التجاري في حالة الصيرفة الإسلامية، عكس الوساطة المالية، حيث تقوم المؤسسة المالية باقتناء الأصول من عقارات ومعدات، وإعادة بيعها لزبائنها مع اقتطاع هامش ربح عن كل عملية. وهنا تكمن المخاطرة التي يتبناها البنك من خلال امتلاكه لهذه الأصول وتسديد قيمتها على مدى طويل يصل إلى 40 سنة في حالة القروض المتعلقة بالعقارات.
التصـدّي للتضخّـم.. هاجـس عالمـي
وخلص محمد حيمران إلى القول إن جملة الإصلاحات التي عرفتها المنظومة المالية، على غرار جميع القطاعات التي شملتها الإصلاحات، في خضم القطيعة مع الممارسات البيروقراطية، وتقويم اختلالات المنظومة الاقتصادية، تتمحور جميعها حول الظروف المعيشية للمواطن، وتهدف إلى تحسين القدرة الشرائية. فالانتعاش والأريحية المالية التي تعرفها المنظومة المالية، تقف وراءها إرادة سياسية صادقة، وتجلت فعاليتها في الرفع من رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وإقرار منحة البطالة، وعدم فرض ضرائب جديدة، وهذا التزام رئيس الجمهورية أوفى به، برفع نسبة الأجور بما لا يقل عن 47 بالمائة، حيث قامت الحكومة بمراجعة الجدول لحساب الضريبة على الدخل الإجمالي عام 2021، بالإضافة إلى إعفاء ذوي الأجور التي تقل عن 30 ألف دج، لتتم بعد ذلك مراجعة قيمة النقطة الاستدلالية عبر مختلف قوانين المالية لسنوات2023،2022، ومن المنتظر أن يشهد العام الجاري، زيادات في الأجور تتراوح بين 4500 دج و8500 دج بحسب طبيعة المنصب والوظيفة. وذلك بهدف تحسين القدرة الشرائية وبالتالي منع ارتفاع نسبة التضخم الذي بقيت الجزائر في منأى عنه بفضل التدابير الاحترازية التي اتخذتها، أهمها الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.