فضائــح دوليــةـ متواليـــة تهــز عـرش المخــزن الحزيــن
يتواصل النزاع في الصحراء الغربية منذ نصف قرن، دون أن تتمكن الجماعة الدولية من إحراز تقدم ملموس لتحقيق حل صريح ونهائي للقضية.. هذا ما لاحظ الباحث محمد الأمين بن عائشة، معتبرا أن قوى إقليمية ودولية تؤثر بمواقفها المتباينة على أسلوب الحل، ففي وقت ترى هيئة الأمم المتحدة أن النزاع هو قضية تصفية استعمار، وأن تقرير المصير هو حق شرعي للشعب الصحراوي، يبقى المغرب متشبثا بما يدعوه «الحق» المزعوم في السيطرة على إقليم الصحراء الغربية بعد انسحاب موريتانيا من الصراع، يدعمه بعض الكولونياليين الغربيين، بشكل ظرفي ومؤقت في الغالب..
يسعى المغرب إلى تحقيق أوهامه في ضم الصحراء الغربية الحرّة، من خلال طرق غير شرعية، ما انتهى به إلى فضائح دولية مدوّية متوالية، مثلما كانت الحال مع «فضيحة الرشاوى» الشهيرة.
ويؤكد الباحث بن عائشة، أن الجزائر ليست طرفا في النزاع، بل هي طرف في الحل وتدعم الطرق السلمية، وحق تقرير المصير دون تدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما يؤكده الدستور الجزائري وتؤكده مساعي الدولة الجزائرية في كثير من القضايا على المستوى الدولي. ويضيف، أن «النزاع بين الصحراء الغربية والمغرب في وقتنا الراهن يشكّل أحد أهم النزاعات المترتبة أساسا على المرحلة الاستعمارية»، فالصحراء الغربية بموقعها الجغرافي المتميز وشواطئها الغنية بالثروة السمكية وما تتمتع به من ثروات – يقول بن عائشة – «كلها عوامل ألقت بظلالها على الصراع المحتدم لاحتلال المنطقة».وسجل بن عائشة، في مقال بمجلة الرائد في الدراسات السياسية، أن الصحراء الغربية مدرجة منذ سنة 1966 ضمن قائمة الأقاليم غير المستقلة، وبالتالي فهي معنية بتطبيق اللائحة رقم 1514 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنص على منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة، وتعد الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا يحتلها المغرب منذ سنة 1975، في دورة الأمم المتحدة عام 1986، صوت المغرب لصالح القرار رقم 2229 الذي تبنته الأمم المتحدة، والداعي إلى حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، كما صادقت عليه إسبانيا.
وسعت هيئة الأمم المتحدة – يقول بن عائشة - إلى تطبيق مبدإ حق الشعوب في تقرير مصيرها وتصفية الاستعمار وذلك من خلال مختلف القوانين والقرارات، على غرار القرار رقم 1514 الذي تبنته الجمعية العامة للأم المتحدة في دورتها المنعقدة في 14 ديسمبر 1960 حول ضمان الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
كما يُعد القرار رقم 2072 الصادر في 16 ديسمبر 1965 الذي دعت فيه الأمم المتحدة إسبانيا لاتخاذ تدابير لتحرير الصحراء الغربية من السيطرة الاستعمارية، وجاء القرار رقم 2229 ليعطي شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره كإجراء تطبيقي وخطوة مهمة في مسار تصفية الاستعمار.
ونظرا لأهمية القضية وحرصا على إنهاء النزاع وفقا لقرارات الأمم المتحدة، تم التعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية، ابتداء من 20 مارس 1986، وقد وافق المغرب وممثلو جبهة البوليساريو على مخطط السلام الأممي خلال الاجتماع الذي جمعهما مع الأمين العام للأم المتحدة بنيويورك في ماي 1988، وفي 27 جوان 1990 تبنى مجلس الأمن اللائحة 658 التي تزكي تفاصيل التسوية السلمية للأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو Minurso)، وإثر ذلك، شرعت جبهة البوليساريو في تنفيذ وقف إطلاق النار ابتداء من 06 سبتمبر 1991، وأكدت لجنة تصفية الاستعمار في قرارها المؤرخ في 28 أكتوبر 1996 مسؤولية الأمم المتحدة تجاه شعب الصحراء الغربية القاضي بإجراء استفتاء حر ومنظم ونزيه، بدون إكراه عسكري أو إداري طبقا لمخطط التسوية.
لقد تضمنت كل قرارات الأمم المتحدة في كل دوراتها منذ قرار إلزام إسبانيا بمنح الاستقلال للصحراء الغربية في 1965 إلى آخر دورة لها، حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله، منها القرار رقم 1754 المتخذ في جلسة 5669 في 30 أفريل 2007، الذي ينص على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لاستفتاء في الصحراء الغربية، والذي أكد في إحدى توصياته على عدم الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء، كما يعد قرار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة الذي صادقت عليه في 21 أكتوبر 2012 مهمّا في المسار التاريخي للقضية، حيث ينص على دعم المفاوضات بين الطرفين من أجل الوصول إلى حل سياسي دائم وعادل، يقوم على تقرير مصير شعب الصحراء الغربية.واعتمد مجلس الأمن الدولي، يوم 27 أكتوبر 2022، القرار رقم 2654، مجددا من خلاله ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) حتى 31 أكتوبر 2023، وشدد النص الجديد على الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء الغربية على أساس التوافق وأهمية مواءمة التركيز الاستراتيجي للبعثة وتوجيه موارد الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية، وقد أعرب مجلس الأمن عن دعمه الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي لتسهيل عملية المفاوضات من أجل التوصل إلى حل المسألة الصحراء الغربية.
الكولونيالية.. ثراء على حساب الشعوب
من جهته، يرى المتخصص في العلوم السياسية، تومي حمدون، أن أهم سبب في بقاء نزاع الصحراء الغربية دون حل إلى غاية اليوم، هو «غنى المنطقة بالثروات الطبيعية، المعدنية منها في باطن الأرض والسمكية في المياه الإقليمية الصحراوية، ومواصلة الدول والكيانات الأجنبية في النهب والاستغلال غير الشرعي لهذه الموارد الطبيعية. وسجل الباحث أن هناك أطرافا تعتقد بوجود احتياطي نفطي هائل في سواحل الصحراء الغربية، ما دفع المغرب إلى توقيع اتفاقيات لعقود تنقيب بالمنطقة مع شركات أمريكية وفرنسية ونرويجية وهولندية عام 2001م. وبعد احتجاج ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة في جانفي 2002 صدرت مشورة قانونية عن الأمم المتحدة تقضي بعدم شرعية النشاط المغربي بالإقليم، باعتبار النشاط خرقا للقانون الدولي، وهو ما جعل أغلب الشركات تنسحب من الاتفاقيات.
وبتاريخ 08 مارس 2012 – يقول الباحث - قامت جبهة البوليساريو برفع قضية ضد اتفاق تحرير المبادلات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، منددة بشموله منتجات زراعية وبحرية منهوبة من الصحراء الغربية، وفي 10 ديسمبر 2015 صدر حكم عن محكمة العدل الأوروبية يقضي ببطلان الاتفاق، فقامت كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا باستئناف الحكم وصدر القرار النهائي بتاريخ 21 ديسمبر 2016 يقضي بتأييد الحكم الأول ورفض اعتبار منتجات الصحراء الغربية جزءا من الاتفاق، وهو ما تأكد في قضية مماثلة، فقد صدر عن محكمة العدل الأوروبية بتاريخ: 27 فبراير 2018 حكم يقضي ببطلان اتفاق الصيد البحري، باعتبار أنه لا يمكن تطبيق أي اتفاق للتجارة أو الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب على إقليم الصحراء الغربية وأن المغرب لا يملك سيادة أو أي تفويض دولي لإدارة إقليم الصحراء الغربية، وضرورة خضوع أي نشاط اقتصادي بالمنطقة لموافقة الممثل الشرعي للشعب الصحراوي.. جبهة البوليساريو.
ويؤكد الباحث تومي حمدون، أن قضية الصحراء الغربية من قضايا تصفية الاستعمار، وتقع مسؤولية حلها على عاتق منظمة الأمم المتحدة وأشخاص القانون الدولي، وتفرض على الجميع تضافر الجهود من أجل الوصول إلى تسوية عادلة ونهائية ودائمة لها، تضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه في تقرير المصير عن طريق الاستفتاء الحر والنزيه والذي يتم تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة.