طباعة هذه الصفحة

تقطير ماء الورد بالبليدة

حرفة عريقة مهدّدة بالاندثار

 تعتبر حرفة تقطير ماء الورد أو الزهر من أعرق وأقدم الحرف التقليدية بولاية البليدة التي ارتبط اسمها بالورود والأزهار ولقّبت بمدينة الورود، غير أن هذه الحرفة مهددة بالاندثار بسبب نقص المواد الأولية، حسبما أجمع عليه الحرفيون القلائل الذين يزاولون هذه الحرفة.
وقد أكّد حرفيون ناشطون بولاية البلدية لـ «وأج»، أن استمرارهم في مزاولة نشاط تقطير الورد الغرض منه حماية هذا المورث الثقافي والحضاري، الذي كان في الماضي يكتسي طابعا تجاريا، مرجعين أسباب تراجع النشاط حاليا إلى صعوبة الحصول على مختلف أنواع الورود والزهور، وقال أحد الحرفيين المنخرط ضمن جمعية «كنوز الثقافية»، الذي يمتهن هذه الحرفة رفقة زوجته، إن بريقها خف مع مرور الزمن بسبب عزوف الشباب عن تعلمها من جهة ونقص المواد الأولية من جهة أخرى.
وأشار الحرفي إلى أن شوارع وبساتين البليدة كانت في الماضي لا تخلو من مختلف أنواع الورود والزهور على غرار الياسمين، الذي كان منتشرا خاصة ببلديتي الشفة والشبلي، إلا أنها اليوم اختفت بشكل شبه كلي ما أثر على صناعة ماء الياسمين المقطر، الذي يعد من أكثر الأنواع رواجا.
وإلى جانب الياسمين، اختفت أنواع أخرى من الزهور كانت تستخدم في صناعة ماء الورد أو الزهر المقطر على غرار البنفسج والورود، التي أصبح من الصعب جمع الكميات الكافية منها، ومن بين المصادر التي يعتمد عليها هذا الحرفي لتحضير ماء الورد أشجار «لارانج» الموجودة بوسط المدينة «باب السبت وباب الجزائر» وببلدية بني مراد، غير أنها لا تكفي سوى لتحضير كميات قليلة فقط مثلما قال، مبديا أسفه لعدم إيلاء السلطات المحلية أهمية للاعتناء بهذه الأشجار، وصيانتها بشكل دوري حتى تكون أكثر مردودية.
وأكّد محدثنا الذي تعلم هذه الحرفة منذ طفولته أثناء عمله بمحل مختص في هذا المجال بحي القصبة بالجزائر العاصمة، أن النباتات الطبية التي يجمعها من غابات الأطلس البليدي على غرار الإكليل الجبلي هي أبرز المصادر التي يعتمد عليها حاليا في حرفته، في حين كشفت حرفية بالمنطقة أنها لا تزال هي الأخرى تمارس هذه الحرفة من باب الحفاظ على هذا الموروث الثقافي المهدد بالزوال، مشيرة إلى أن إشكالية نقص المادة الأولية أثرت على نشاطها، خاصة وأن استخلاص عصارة الورود يحتاج إلى كميات كبيرة منه.
وأشارت إلى أن فترة الانطلاق في تحضير ماء الزهر والورد التي تسمى فترة «القطاف» تبدأ نهاية شهر مارس، وتستمر إلى غاية منتصف شهر ماي، حيث يستخلص ماء الورد من الماء الطبيعي المكثف المستخرج من جهاز التقطير، الذي هو عبارة عن وعاء نحاسي كبير يوضع على النار لمدة لا تقل عن أربعة ساعات تكفي لتبخر الماء، وتحوله إلى قطرات ماء معطرة على حسب نوعية الورود أو الزهور، لتعبر في الأخير عن تخوّفها من اندثار هذه الحرف التقليدية، التي تعد من أقدم المهن اليدوية المتوارثة عبر الأجيال بالولاية.