مسرح الطفل واحد من أساليب التعليم الفعالة في الكثير من المجتمعات، ومن أهم الوسائط الثقافية التي تدخل في تربية الأطفال، وإبراز هويتهم وصقل مواهبهم وإبداعاتهم، غير أن أب الفنون الحامل لرسالة تقويم وتنمية المجتمعات، يواجه جملة من التحديات الجادة مع اتساع مجالات تأثير وسائل الإعلام والاتصال، وفي مقدمتها الانترنت والتلفزيون والألعاب الالكترونية، التي تحمل في طياتها محاولات خبيثة لطمس هوية الطفل وتغذية سلوكياته بالعنف والتشتت الذهني.
أظهرت الأستاذة المحاضرة بقسم فنون العرض، كلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الجميد بن باديس مستغانم، الدكتورة خيرة بوعتو، حاجة المسرح بصفة عامة إلى العناية والاهتمام حتى يسترجع دوره القيادي في تنمية وتثقيف المجتمعات، ومن خلاله مسرح الطفل الذي يعاني من الاجحاف، من حيث العروض المسرحية الموجهة للطفل ذات النوعية التي لم تعد تلائم تنامي تأثير العولمة وإغراءات المد التكنولوجي.
وأوضحت الدكتورة خيرة بوعتو، أن مسرح الطفل لابد أن يحظى بقسطه المناسب من الاهتمام في البرامج التربوية في سن مبكرة، مادامت الدولة قد توجهت إلى استحداث شعبة دراسية خاصة بالفنون في الطور الثانوي، مؤكدة في سياق حديثها وبناءً على خبرتها، أن المدارس الابتدائية والمتوسطات هي مشاتل خصبة للعديد من الكفاءات التي يمكن الاستثمار فيها حاضرا ومستقبلا، ليس بإنتاج فنانين ونقاد وكتاب فحسب، إنما بتنمية قدراتهم وكفاءاتهم الفكرية والذهنية، من خلال ما يقدمه المسرح في هذا الشأن من صقل وتقويم للسلوكات الفردية.
وأضافت خيرة بوعتو، أن المسرح بشكل عام يواجه مشاكل كثيرة تتأرجح بين ضعف تمويل الأعمال المسرحية وشح النصوص، زيادة على تراجع جمهور المسرح الناتج عن عدة متغيرات، أبرزها ظهور عناصر إغرائية أخرى تجذب الكبير والصغير، كالتلفزيون والأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يستدعي التأقلم مع هذه المتغيرات بدل مقاومتها، لافتة على سبيل المثال إلى أهمية تحويل الطفل من متلقي للعروض الفنية المسرحية إلى فاعل فيها على الركح، وذلك أمر مكتوب له النجاح لا محالة من خلال المسرح المدرسي.
مشروع للتّنمية المسرحية ساهم فيه 180 طفل بمعسكر
من جهته، أكّد الفنان المسرحي حسين مختار - صاحب مشروع حلم للتنمية المسرحية ـ أن العلوم التربوية الحديثة تعتمد على المسرح الموجه للطفل، لما له من فوائد جمة في تنمية وتطوير العديد من المهارات والتقليل أو إزالة العديد من الصعوبات والاضطرابات السلوكية، وعليه عمل المتحدث على إطلاق مشروع مسرحي ارتقى إلى بعد تربوي وعلاجي، لفائدة شريحة واسعة من الأطفال مست تلاميذ 8 مدارس ابتدائية بولاية معسكر، كتجربة نموذجية يقلع منها الحلم المسرحي الكبير.
وأوضح الفنان حسين مختار، أنّ مشروع «حلم» يشارف على المراحل الأخيرة من إعداده، بعد أشهر من النشاط والحركية عرفها ركح المسرح الجهوي لمعسكر و9 مدارس ابتدائية، في شكل ورشات تدريبية وأخرى لاستكشاف القدرات الفنية الكامنة في الطفل، لافتا أن مشروع التنمية المسرحية مكّن من انتاج 10 عروض مسرحية ساهم فيها 180 طفل من 9 مدارس ابتدائية، منها فرقة مسرحية لأطفال يعانون من اضطرابات ذهنية وحركية، مشيرا إلى أن المشروع في بدايته استقر على التكوين والتدريب المسرحي لـ 80 طفلا قبل أن يكبر ويشمل 180 طفل متمدرس، الأمر الذي أكّد للقائمين على المشروع وجود جمهور واسع لأب الفنون، واهتمام كبير بهذا الفن الراقي.
وأشار حسين مختار، إلى أن الخطوات الأولى لمشروع التنمية المسرحية «حلم»، انطلقت للبحث عن الطاقات الفنية الكامنة بالأحياء الشعبية، قبل أن تتحول الفكرة إلى مشروع شجعه صندوق دعم الإبداع الفني والأدبي بوزارة الثقافة، ويستهدف الأطفال الذين يعانون من اضطرابات في التمدرس وغيرها من الاضطرابات السلوكية التي كثيرا ما تتسم بالعنف والانحراف، لاسيما الفئة الاجتماعية الهشة بالأحياء الشعبية، غير أن المشروع ما لبث أن ينطلق متجاوزا العقبات الادارية، حتى اصطدم بواقع تخلي الجهات الوصية عن تمويله، موضحا أن الدعم الذي تلقاه المشروع لم يغطي 30 % من احتياجاته، مؤكدا أن النخبة المشاركة في تأطير مشروع التنمية المسرحية قد دفعها شغفها بالمسرح إلى التغاضي والتنازل عن الحافز المادي، حيث ترفع أغلب المؤطرين عن المطالبة بمستحقاتهم ايمانا منهم بفكرة وأهداف المشروع الذي لامس النجاح.
ويرى حسين مختار أن مساعي الدفع بالمسرح المدرسي لم تكن بقدر الأهداف المتوخاة من المسرح، بفعل عزلة العديد من الشركاء في المنظومة الاجتماعية والتربوية عن المساهمة في الدفع بمسرح الطفل، دون أن يخفي الفنان مختار حسين - صاحب فكرة مشروع حلم - أسفه من تخلف الوزارة الوصية وصندوق دعم الإبداع الفني والثقافي عن الاستمرار في مد يد المساعدة لمؤطري هذا المشروع المسرحي الذي يلامس النجاح التربوي والاجتماعي، موضحا أنه تفاجأ في آخر مرحلة من المشروع المسرحي لإفلات صندوق دعم الإبداع الفني والثقافي للمشروع وتخليه عن تمويل 50 % من مشروع حلم المسرحي.
وقال الفنان مختار حسين، أن أطفال المدارس وجدوا ضالتهم في ورشات المشروع، أين توفرت كل وسائل التكفل النفسي والفني البيداغوجي لهذه الشريحة، موضحا في سياق حديثه «اكتشفنا الكثير من القدرات الفنية بين أطفال المدارس والكثير من القصص الواقعية التي رواها الأطفال لمؤطريهم..كون المشروع المسرحي تربوي، من بين أهدافه توفير العلاج النفسي للتلاميذ الذين يعانون من الخجل واضطرابات نفسية وسلوكية أخرى وهذا تحت إشراف معالجين مختصين».