أكّد الناقد حسين عبروس أنّ الشاعر يلزمه الكثير من الشجاعة لكي ينجز نصا شعريا خارقا للعادة، مدهشا بما يتضمنه من فنيات جمالية، تلك الجمالية التي تقوم على حداثة اللغة ولصورة والأسلوب الشعري المتميز، ويظل كل شاعر موهوب في هذا الزمن الذي تطغى فيه «نواعب العصر» حسب وصفه، يرفع أصحابه راية ما يسمى بالرواية الجديدة.
أوضح الكاتب حسين عبروس في منشور له تلقّينا نسخة منه، بأنّ الحقيقة التي يغفلها الكثير من أبناء الوطن العربي، تؤكّد أن الشاعر هو أبو اللغة وأمها على حد قول الفيلسوف والشاعر العربي الكبير جبران خليل جبران «هذه الحقيقة التي لا يمكن أن تلغيها شعارات أصحاب فن الرواية والقصة والمسرحية والسيناريو من فن الشعر» .
أشار ذات المتحدث، إلى أن اللوحة التشكيلية استفادت مثلها مثل المقطوعة الموسيقية والأغنية من عطر وعبير القصيدة الشعرية، واستفادت القصيدة من روافد الفنون وتلك سنة الإبداع في الكون، فالشاعر الموهوب حسبه «هو ذلك الإنسان الخرافي الذي تسكنه هواجس الإبداع وتحلق به روح الجمال بعيدا في عوالم شتى، فقد وهب سر مكنونات الأحاسيس الفياضة بما تحتويه من دفء معاني الكلمات، بما فيها الجمل، المقاطع، الصور المدهشة».
قال صاحب ديوان «ألف نافذة وجدار»، بأنه لا يمكن لأي كان أن يدعى شاعرا إلا إذا طاف خلجان تضاريس الحرية في دواخله، «وتجاوز متاريس القيود الاجتماعية الوهمية التي تحيا في أعماقه، لتعمر طويلا فتفرض عمدا على حياة الناس». ويوضّح في الشق الاخر من المعادلة، بأنه يقصد هنا المبدع «لا يكون شاعرا إلا إذا جرب فن الغوص في أعماقه، كي يقاسم أبناء جلدته نفس الإحساس المر، كما يقاسمهم الفرح الجميل الذي يعيد للنفس توازنها في الحياة».
في ذات السياق، يقول عبروس إن الشاعر الذي يرهبه المعنى وتخيفه الكلمة والصورة الشعرية، «شاعر يحيا ويموت مصلوبا على بساطة القول من الكلام، وعلى ضبابية الصورة المعتمة، أو على سذاجة الكلام الذي يخطر على بال العامة من الناس في هيئة النظم الخطابي، ويظل الشاعر الموهوب طائرا يغريه التغريد والتحليق في دنيا المعاني البديعة في رياض الجنان العامرة بالفن، والمتوجه بتاج القول من الكلام العالي لأنه حسب ذات المتحدث، «يسبق زمانه بنبوءة من نبوءات الإحساس الجميل، وعبر كل نص جديد من أشعاره يحاول دائما الإفلات من قيد القديم، ومن دائرة الصورة الضبابية المعتمة».
في الأخير، يؤكّد الأديب حسين عبروس أن الشاعر يظل وحده من يحرك دواليب الحياة، ويهمس في أسماع الناس بأنّ ما يقوله لا يشبه كلام الآخرين، ورغم تعدّد الوسائط التكنولوجية الحديثة تبقى نبوءة الشاعر هي من تعطي للفن عظمته وروعته وتحمله إلى ذلك العلو في مساحة الجمال والرقة والرفعة، ومنه أيضا تعصف عواصف الثورات صد القبيح وضد الطغيان، ومنه تبدأ رياح الفلسفة والحكمة، ونوازع الفكر والتأمل.