تعد النّفايات بمختلف مصادرها «وقودا» و»محرّكا» قويا للعديد من صناعات الاقتصاد الدائري، ومنتجا للثروة إذ يقدّر خبراء قيمة ربح استثمار 1 دينار في تكنولوجيات الاقتصاد الدائري من 4 إلى 5 دينار في آفاق 2026، في حين تقدّر عائدات تثمين النفايات المنزلية في ظرف سنة 151 مليار دينار، ويمكن أن تصل أرقاما ضخمة، بتوسيع دائرة الاهتمام بهذا النشاط، وإقناع أكبر عدد من المستثمرين والشباب الاستثمار في هذا المجال، وإنشاء مؤسسات ناشئة وصغيرة ومتوسطة، تستحدث الثروة وتوفر مناصب شغل للعاطلين عن العمل
سطّرت وزارة البيئة إستراتيجية وطنية مفادها الانتقال من الأنموذج الخطي (ردم النفايات) إلى تثمين النفايات، وتطمح هذه الإستراتيجية، آفاق 2035 إلى تثمين 30 بالمائة من النفايات المنزلية و30 بالمائة من النفايات الخاصة،
و50 بالمائة من النفايات الهامدة، وصب كل هذه المؤشرات والمعلومات في البنك المعلوماتي الخاص بالوكالة الوطنية للنفايات.
ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، تركّز على تشجيع الاستثمار في مجال تثمين النفايات، بتقديم الدعم والمساعدة التقنية للشباب حاملي المشاريع، أو أصحابي المؤسسات الناشطة الراغبة في توسيع استثماراتها وتطويرها، وفق أهداف البرنامج الوطني، لأن المؤسسات الناشئة الناشطة في مجال البيئة تلعب دورا هاما في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، كما تساهم بالنهوض بالاقتصاد الدائري، في خطوة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية.
وتزخر الجزائر بطاقة شبانية ذات كفاءات علمية عالية، يمكن الاعتماد عليها لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية بعيدا عن قطاع المحروقات، وذلك عن طريق مشاريع إبداعية تعتمد على الابتكارات التكنولوجية، تنفذها المؤسسات الناشئة لصناعة الثروة وتطوير اقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي، وهنا يبرز دور حاضنات الأعمال في مرافقة المؤسسات الناشئة، وتنفيذ اتفاقيات الشراكة بين القطاعات الوزارية المعنية، التي تهدف إلى استحداث مؤسسات مصغرة وناشئة من أجل جمع النفايات ورسكلتها.
قفزة نوعية
ارتفع عدد المؤسّسات الناشطة في مجال تثمين النفايات، وأظهرت أرقام قدّمتها عقيلة بوذراع، رئيسة قسم النفايات المنزلية وما شابهها لـ «الشعب»، تطوّر الاهتمام عند المتعاملين الاقتصاديين، بهذا النوع من النشاط، حيث ارتفع عدد مؤسسات من 4 آلاف سنة 2015 إلى 14 ألف مؤسسة تنشط حاليا في هذا المجال، بمعنى أنّ إنشاء المؤسسات عرف قفزة نوعية ومؤسسات كثيرة بدأت تهتم بهذا المجال.
انطلاقا من بنك المعلومات الخاص بمركز السجل التجاري، قالت بوذراع، «إنّ الوكالة الوطنية للنفايات قامت بإنشاء بنك معلوماتي خاص بالمتعاملين الاقتصاديين الناشطين في مجال استرجاع ورسكلة النفايات، وذلك بتسليمهم شهادة للتسجيل، من خلال هذه الشهادة تقوم هذه المؤسسات بالإدلاء بالمعلومات الخاصة بكل مؤسسة، كمية النفايات المثمنة والنشاطات، ومن هذه المعطيات يتم استخراج عدة مؤشرات، ستكون بمثابة لوحة لأخذ القرارات من أجل النهوض بهذا القطاع الهام»، وعرف تسجيل المتعاملين الاقتصاديين في بنك المعلومات الخاص بالوكالة الوطنية للنفايات تطورا حسب المسؤولة، إذ انتقل عددها من 91 مؤسسة مسجلة في 2015، إلى 700 مؤسسة تنشط في هذا المجال.
وأرجعت بوذراع تطور أرقام البنك المعلوماتي للوكالة، إلى الحملات التحسيسية التي تقوم بها من أجل جلب المتعاملين الاقتصاديين للتسجيل، والمرافقة التقنية المقدمة لهم، والتي سمحت بإزالة المشاكل التي كانت تعترضهم في الميدان، ومنحهم الحلول اللازمة.
ولم يتوقف دور البنك المعلوماتي عند هذا الحد، بل امتد ليشمل خدمة المواطن، حيث كل نهاية سنة تتصل العائلات التي تعاني من الكراريس المدرسية بالوكالة من أجل وضع حلول لهذا المشكل.
ويتفاوت توزيع المتعاملين الاقتصاديين جغرافيا، حيث تضم منطقة الوسط عدد كبير من المؤسسات الناشطة المسجلة (167 مؤسسة)، تليها منطقة الشرق (82 مؤسسة)، بعد ذلك منطقة الغرب (40 مؤسسة)، وأخيرا منطقة الجنوب (39)، هذا التوزيع تقول بوذراع «يعطي نظرة لكل مستثمر يرغب الاستثمار في المجال، ويبحث عن هذه المؤسسات الناشطة في مجال تثمين المؤسسات».
تقييم نوعي
قدّرت مخلفات المنازل الجزائرية سنة 2020، 13.5 مليون طن من النفايات، وبينت دراسة تقييم نوعي قامت بها الوكالة الوطنية للنفايات أن الحاوية الجزائرية تضم 50 بالمائة من النفايات العضوية، و30 بالمائة من نفايات التغليف، بمعنى أن 80 بالمائة من النفايات المنزلية قابلة للتثمين، لكن للأسف الشديد الكل يذهب للردم، مثلما ذكرت رئيسة قسم النفايات، إذ تقدّر نسبة تثمين النفايات في الجزائر ب 9.83 بالمائة، وهي نسبة ضئيلة من استرجاع النفايات مقارنة بالكمية المنتجة، كما أنّ مراكز الردم التقني تسترجع نسبة لا تتجاوز 1 بالمائة.
وأحصت بوذراع وجود أكثر من 5 آلاف مؤسسة تنشط في مجال استرجاع ورسكلة النفايات، توظف 4579 عامل، وكل عامل يستطيع أن يثمن 22 طنا في الشهر، مشيرة إلى أنّ 80 بالمائة من النفايات قابلة للتثمين، وتتصدّر النفايات المعدنية والحديدية قائمة المواد المثمنة عند المصدر بنسبة 100 بالمائة، تليها الخشب 81 بالمائة، الزجاج 31 بالمائة، البلاستيك بـ 15 بالمائة والورق والكرتون 12 بالمائة.
وتسمح أرقام تثمين النفايات عبر مناطق الوطن، لكل مستثمر تكوين نظرة حول هذا النشاط في كل جهة من جهات الوطن، ومعرفة الكميات المثمنة من أجل وضع مشروعه حيز التنفيذ، مع العلم أن النفايات المعدنية والبلاستيك هي الأكثر طلبا في الميدان، أما بالنسبة للنفايات الأخرى، تقول بوذراع «يمكن وضع نظرة أخرى من أجل تطوير هذه الفروع».
توقّف نشاط 423 مؤسّسة
تأثّر نشاط تثمين النفايات سنة 2020 كغيره من النشاطات، بالجائحة الصحية التي ضربت العالم والجزائر على حد سواء، حيث توقف نشاط 423 مؤسسة تثمين النفايات بسبب جائحة كوفيد، وأصبحت الكثير من العائلات بدون عمل، ونفايات متراكمة في كل مكان، أكثر من 600 ألف طن نفايات غير مثمنة، وخسارة اقتصادية تقدّر بـ 92 مليار دينار.
إلى جانب المشاكل والصعوبات التي خلفتها جائحة كورونا، أحصت رئيسة قسم النفايات المنزلية، عدة عراقيل يعاني منها المتعاملين الاقتصاديين في الميدان، في ممارسة نشاطهم، منها انعدام أماكن إيداع أو تخزين النفايات، السوق الموازية، العقار، اليد العاملة (المستثمر والمؤسسة أصبحت تنادي بيد عاملة أجنبية)، مشكل رخصة الاستغلال التي تسلمها البلدية أو الولاية، وأيضا نقص التمويل، والضريبة الكبيرة، كل هذه المشاكل عملت الوكالة الوطنية على دراستها من أجل تقديم حلول لها.
من بين المشاكل التي يتعرض لها المتعامل الاقتصادي، أو حامل المشروع، أو صاحب المؤسسة، تقول بوذراع «عندما يذهب للسجل التجاري يجد رموز غير واضحة، وهذه الرموز تحمل النفايات المنزلية والنفايات الخاصة في نفس الوقت»، من هذا المنطلق فكرت الوكالة الوطنية للنفايات مع وزارة التجارة والبيئة، في وضع رموز جديدة لفروع، من أجل تنظيم تسيير وتثمين النفايات، وأيضا حتى يجد كل متعامل يجد نفسه، مثلا متعامل يعمل في رسكلة نفايات البلاستيك، يجد رمزه، وهذا العمل ينتظر رد وزارة التجارة لوضع هذه الرموز حيز التنفيذ.
هذا الوضع دفع القائمين على وكالة النفايات، إلى الاتصال الدائم مع المؤسسات من أجل إيجاد حلول للمشاكل وتخفيف آثار الجائحة المدمرة، ورفع القيمة التسويقية الاقتصادية لنشاط تثمين النفايات، إذ سجلت الوكالة قيمة تسويقية تقدّر بـ 92 مليار دينار في 2020، وبلغ تثمين جميع النفايات سنة 2021، 151 مليار دينار، وهذا دليل على أن المؤسسات أصبحت تثمن النفايات، وسوق النفايات أصبح يعرف حيوية.
في حال التثمين الكلي للنفايات المنزلية، سيكون تخفيض لتكلفة ردم النفايات 2.4 مليار دينار وتحقق قيمة اقتصادية تقدر بـ 151 مليار دينار، ونستطيع تمديد حياة الخندق إلى 23 سنة.