احتضن المركز الثقافي محمد البشير الابراهيمي ببلدية أولاد ابراهم ندوة حول «تعلم اللغات في ظل التغيرات الراهنة»، ضمن سلسلة الندوات الفكرية التي عكفت الجمعية الثقافية للبلدية على تنظيمها بصفة شهرية.
نشّط الندوة كل من الدكتور عزالدين عامر (من جامعة محمد بوضياف - المسيلة) والدكتور فيصل بن محمد من (جامعة محمد البشير الابراهيمي - برج بوعريريج)، حيث نوقشت فيها المسائل المرتبطة بتعلم اللغات الأجنبية في الجزائر، والخارطة اللغوية والسياسة المنتهجة في هذا المجال.
الجلسة العلمية التي ترأّسها الأستاذ ناصري البغدادي وكان مقررها الأستاذ شعيب لزعل، أثارت الكثير من الإشكاليات والمعالجات في سياق الموضوع، حيث قدّم الدكتور فيصل بن محمد توطئة مفاهيمية وتاريخية للغة والفضاء اللغوي، وركّز على آليات اكتساب اللغات الأم واللغات الأجنبية مبينا أهم العائلات اللغوية في العالم، منوّها في الوقت ذاته بالدور المهم المنوط باللغة سياسيا وعلميا.
الدكتور عز الدين عامر انطلق من الخارطة اللغوية في الجزائر، مشيرا إلى تنوعها وثرائها، وقد استند إلى التحليلات المهمة التي قدّمتها عالمة اللسانيات الدكتورة خولة طالب الإبراهيمي في تشريحها للواقع اللغوي واللهجي بالجزائر (العربية، الأمازيغية، الفرنسية، العامية...) ليخلص إلى أن الجزائر بلد متنوع اللغات على المستوى الواقعي، وثنائي اللغة على الصعيد الدستوري.
هذا الواقع وفقا لعامر أعطى شيئا من الأفضلية للجزائري في التواصل اللغوي، لكنه أيضا ينبه إلى مسألة خطيرة من شأنها أن تثير بعض أشكال الصراع اللغوي بسبب مواقف معينة من لغات بذاتها انطلاقا من خلفيات إثنية أو سياسية أو حتى دينية، لذلك رافع على ضرورة تنزيه اللغة عن الصراعات، والتعامل مع المسألة اللغوية بحكمة وبراغماتية تتيح الاستفادة من هذا التنوع، وتخدم مشروع المجتمع ومشروع البحث العلمي والتنمية في ظل العولمة، لأن اللغة طريقة للتواصل ومفتاح للعلم والمعرفة، وآلية لممارسة التجارة الإلكترونية وغيرها من الآفاق التي تفتحها في ظل المتغيرات الراهنة.
كما شهدت الندوة نقاشا ثريا من طرف المهتمين والباحثين الذين حضروا أشغالها، إذ طرحوا مسألة الأولويات في تعلم اللغات الأجنبية بين الفرنسية والإنجليزية، وهنا تم التنبيه إلى أن أي تحول لغوي ينبغي أن يرتكز في الأساس على دراسات عميقة، ولا يكون نتيجة قرارات سياسية وإيديولوجية متسرعة من شأنها تعميق مأساة تعلم اللغات الأجنبية بالجزائر، خاصة في ظل التدهور الرهيب في هذا الجانب، وتراجع واقع اللغات الأجنبية.
وتمّت الندوة في جو من النقاش المثمر الذي يؤسس لتقاليد ثقافية بطرق مواضيع ظلت إلى وقت قريب لا تناقش إلا داخل أسوار الجامعة وضمن حدود ضيقة، وهذا ما يشير إلى توجه الباحثين نحو فضاءات جديدة تأكيدا على تفاعل الجامعة وإطاراتها مع المحيط الاجتماعي والثقافي، وفي هذا السياق أكد رئيس الجمعية الثقافية لبلدية أولاد ابراهم المهندس خلف الله نور الدين، أن الجمعية حريصة على استمرار الفعل الثقافي بمسقط رأس البشير الابراهيمي، وفاءً لأرواح العلماء ونضالاتهم، كما صرّح لـ «الشعب» أنّ مكتب الجمعية ضبط برنامجا ثريا من الندوات الفكرية والفلسفية والتاريخية.