قدّم، أول أمس، الدكتور سليمان حاشي بقصر الثقافة مفدي زكرياء بالتنسيق مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وفي علم الانسان التاريخ، محاضرة تحت عنوان: «الموروث الثقافي غير المادي الافريقي واتفاقية 2003»، تزامنا والاحتفال بيوم التراث العالمي الإفريقي المادي وغير المادي في 05 من ماي من كل سنة، تناول فيها أهم الاتفاقيات التي تعنى بالحفاظ على التراث والموروث الثقافي الذي تزخر به القارة السمراء، وذلك عقب قراءة لكلمة وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي التي قدمها نيابة عنها رئيس ديوان وزارة الثقافة والفنون سيدي موسى.
جاء في كلمة وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي أن الاحتفاء بهذا اليوم سيكون على غرار باقي الدول الإفريقية عن طريق تنظيم ندوات ومعارض وفعاليات لتثمين تراث قارتنا العزيزة، حيث تندرج في إطار البرنامج المسطر لإحياء شهر التراث لسنة 2022 تحت شعار «تراثنا غير المادي، هوية وأصالة»، كما أشارت في سياق متصل، بأن الجزائر ولإدراكها بأهمية ودور موروثها الثقافي في تكوين هويتها وتشكيل شخصيتها الثقافية والتاريخية وانتمائها الحضاري، سارعت إلى إدراج في نصوصها الأساسية، وفي إعداد سياساتها الثقافية وطنيا ودوليا مسألة حفظ التراث الثقافي المادي وغير المادي والمحافظة عليه والتعريف به، مؤكدة على ضرورة الوقوف على المكانة والدور الريادي الذي تؤديه الجزائر في المنظمات الدولية الكبرى، على غرار اليونسكو والاتحاد الأفريقي، فيما يتعلق بإعداد أو دعم الاتفاقيات الثقافية الدولية الكبرى، مثل تلك التي أُبرمت سنوات 1972، 2003 و2005 أو من خلال مشاركتها في الإنجازات الثقافية الأفريقية الكبرى.
تكريس لثقافة وتاريخ القارة الأفريقية
في ذات السياق، قدمت الوزيرة امتنانها للاتحاد الأفريقي على منحنا شرف استضافة متحف إفريقيا الكبير الذي سيكرس لثقافة وتاريخ القارة، إضافة إلى منظمة اليونسكو لاختيارها الجزائر لاحتضان المركز الإقليمي لصون التراث الثقافي غير المادي في إفريقيا CRESPIAF، الذي تم إنشاؤه في 27 ديسمبر 2015 والمكرس لخدمة الاتفاقية الدولية لعام 2003.
وفي ذات الصدد، سلطت الوزيرة في كلمتها الضوء على الجهود التي كرستها الدولة الجزائرية لصالح تعزيز قدرات البلدان الإفريقية، تماما مثلما أعلن عن ذلك رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في قمة أديس أبابا، بأن الجزائر عازمة على وضع سياسات التعاون الإقليمي وبرامج التنمية المستدامة في خدمة شعوب القارة بغية السماح لأفريقيا بالخروج من تخلفها التنموي الذي أضر بها، والمظالم التاريخية التي عرقلتها من أجل أن تتحقق لشعوبها الكرامة الإنسانية التي تستحقها، حيث استشهدت بما بذلته الجزائر في التعريف بالتراث الثقافي الإفريقي، وكذا مجالات الجرد والبحث العلمي والتوثيق والحفظ؛ وفي مجال التشجيع على التعاون وتبادل الخبراء والخبرات بين هيئات التراث الأفريقي؛ إضافة إلى تسهيل التبادلات بين المتاحف ومراكز الأرشفة المتخصصة ومعاهد البحث لتشكيل قواعد البيانات والمساهمة في معرفة أفضل بالتراث الأفريقي في إفريقيا نفسها والتعريف به في العالم، وهذا التزاما من الجزائر بمبدأ التضامن والصداقة الإفريقية.
اتفاقية الجزائر.. بداية الطريق
ومن جهته، سلط الدكتور «سليمان حاشي» مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، في المحاضرة الموسومة بـ»الموروث الثقافي غير المادي الإفريقي واتفاقية 2003»، الضوء على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ترمي إلى حماية الموروث الثقافي غير المادي الإفريقي، مركزا على اتفاقية سنة 2003، والتي كان الأستاذ المحاضر طرفا فيها.
كما استعرض الدكتور العارف بخبايا التراث المادي واللامادي المؤسس للتراث، أهم المحطات التي خولت الجزائر أن تكون عنصرا مهما وفعالا في استقطاب المؤسسات التي تهتم بالموروث وعلى رأسها اليونيسكو، حيث بدأ بالحديث عن اتفاقية 1972، أين كشف من خلالها على النقائص التي كانت موجودة بها، والتي أدت إلى ظهور اتفاقية 2003 المسماة بـ»اتفاقية الجزائر»، أو كما وصفها باتفاقية الجنوب، واتفاقية التراث اللامادي الذي يعنى بالإنسان أكثر.
تحدّيات القارّة السمراء
كما عرّج الدكتور في ذات السياق، على المسألة الأفريقية، وتأخر افريقيا في تسجيل تراثها، كما جاء على لسانه «افريقيا سجلت لحد الآن 90 عنصرا من عناصر التراث، حيث يعد هذا الرقم قليل جدا نظرا لما تزخر به افريقيا من موروث مترامي الأطراف الذي لا حد له»، مضيفا بأن العوائق التي تقف أمام افريقيا في تسجيل هذا التراث تتمحور أساسا في الجانب المادي، إضافة إلى جانب الخبرة والمعرفة والعلم والكفاءة، وهي عوامل تبقى الرهان الحقيقي الذي نادت به الجزائر وتنبهت له واشتغلت عليه والذي ينبغي أن يكون بصيص النور للقارة السمراء لتحمي إرثها وموروثها من الاندثار أو السرقة بكل أنواعها.