التصوّف هو علم تُعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتطهير الظاهر والباطن لإدراك السعادة الأبدية؛ أمّا ظهور اسم التصوّف فيقول ابن الجوزي في كتابه “ تلبيس إبليس” إنّ هذا الإسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين للهجرة، ولمّا أظهره أوائلهم تكلموا فيه وعبّروا عن صفته بعبارات كثيرة وحاصلها: أنّ التصوّف عندهم رياضة النّفس، ومجاهدة الطبع بردِّه عن الأخلاق الرذيلة “...
لقد أجمع علماء الإسلام، وفي مقدّمتهم الإمام القُشيْري، الذي هو أقرب عهدا من زمن ظهور التصوّف أنّه لا يعرف كيف أتتْ هذه التسمية، ولهذا يبقى مصطلح التصوّف في الثقافة العربية الإسلامية مجهول الأصل، ويوضح ابن خلدون أكثر حين يتعرّض في مقدّمته لتعريف التصوّف فيقول: “هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملّة – وهنا يجب وضع خطين تحت عبارة حادثة في المِلّة – وأصله أنّ طريقة هؤلاء لم تزل عند سلف الأمّة وكبارها من الصحابة والتّابعين، ومن بعدهم طريقة الحق والهداية. وأصلها العُكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله، والإعراض عن زُخرف الدنيا وزينتها، والزُّهد فيما يُقبِل عليه الجُمهور من لذّة ومال وجاهٍ، والانفراد عن الخلق في الخَلوة والعبادة... وكان ذلك عامًا في الصحابة والسلف، فلمّا فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني، وما بعده، وجنح النّاس إلى مُخالطة الدّنيا، اختصَّ المُقبلون على العبادة باسم “ الصوفية “ و« المُتصوفة “.
أمّا الإمام القُشيْري فإنّه يؤكد في رسالته أنّ مصطلح “ التصوّف” لا اشتقاق له من جهة العربية ولا قياس، ومن قال اشتقاقه من “ الصفا” أو من “ الصُفّة”، أو من “ الصفّ” فبعيد من جهة القياس اللغوي، وقال أيضا: وكذلك من “ الصوف”، لأنّ المُتصوّفة عامّةً لم يختصوا بلبس الصوف”...
وإذا رجعنا إلى أوائل القرن الثاني للهجرة نرى – حسب المصادر- أنّ أوّل من أظهر التصوف في التاريخ الإسلامي هو أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور من كورة بلخ والمتوفي سنة 261 هجرية وتورد المصادر سببا لتصوفه قد يكون حقيقة أو من نسج الخيال. .. ويذكرون أنّه هو من لبس جبّة صوف التي كانت أوّل شعار لأوّل مُتزهّدٍ في الحياة، وإن كان بعضهم يرى أنّ العبرة في السلوك وفي الصفات وليس في جبّة الصوف وما يُعرف بالخِرقة والمُرقّعة في أدبيات المُتصوّفة، لذا يقول الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرّي:
ما الزُّهدُ صومٌ يذوبُ الصائمون له
ولا افتقارٌ، ولا صُوفٌ على الجسد
وإنّما الزُّهدُ تركُ الشرِّ مُطّرحًـــــــا
ونفضُكَ الصدرَ من غِلٍّ ومن حسَدِ
وقد ورد في كتاب:« نصوص غير منشورة” Recueil de texte inedites concernant l’histoire de la mystique au pay d’Islam الذي اعتنى بجمعه ونشره العلاّمة ماسنيون:« أنّه لم يكن السالكون لطريق الله في العصور السالفة، والقرون الأولى يعرفون التصوّف، وإنّما الصوفي لفظ اشتهر في القرن الثالث الهجري، وأول من تسمّى ببغداد بهذا الاسم هو عبْدك الصُّوفي (مولده عام 210 هجري/ 825م وهو من كبار المشايخ وقدمائهم، وكان قبل بِشر الحافي والسريّ بن المُغلس السقطي”.
والمتصوّف كما يقول أبو البركات البَلَفيقي “ هو رجل عادل، تقيٌّ صالح، غير مُنتسب لسبب من الأسباب، ولا مُخلٍّ بأدب من الآداب، قد عرف شأنه وزمانه، وملكت مكارم الأخلاق عنانه، لا ينتصر لنفسه، ولا يُفكّر في غده، وأمسه العلم خليله، والقرآن دليله، والحق حفيظه ووكيله، نظره إلى الخلق بالرّحمة، ونظره إلى نفسه بالحذر والتُّهمة”.
لهذا كان رجال التصوّف عبر التاريخ الإسلامي نماذج بشرية للجلال الخُلقي والرّوحي، ونماذج للكمال التعبُّدي والإيماني، ونماذج سامقة في أُفق المعرفة العِرفانية والفيضية؛ والدين الإسلامي عندهم يأخذ طابعا من الجمال والكمال، والإنسانية السامية والأخوة العملية، ومثل هذا المفهوم للإسلام لا تجده في إسلام الفقهاء أو المتكلمين.
فالمبادئ الصوفية النقية هي التي تعبّر عن روح القرآن، وجوهر السنّة النبوية؛ إنّ مبادئ المتصوفة الخلقية والإيمانية هي التي تتلمذ أصحابها على أفعال الرسول صلوات الله وسلامه عليه؛ فهي المبادئ التي تحيط بكل شيء في الحياة، فتُطلق فيه النّور، وتطلق فيه الروح، وتطلق فيه المحبّة، وتعمّق في الإنسان الإحساس المُقدس بالقُرب من الله بالذوق والوجدان؛ لإدراك المتصوفّة القاطع بقوله تعالى:« إن لم تكن تراه فهو يراك”.
كما وجد المتصوفة ضالتهم في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم:« من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنّوافل حتّى أحبّهُ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فَبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئِنْ سألني لأعْطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن قبض نفس عبدٍ مؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بدّ له منه”.
ووجد المتصوفة أيضا غِبطتهم في الحديث الوارد ضمن نصوص تُنسبُ إلى الحسن البصري (المتوفي 110 هـ/ 728 م ) والتي وردت تحت عنوان “ النية أبلغ من العمل” جاء فيها:« إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت نعيمه ولذّته في ذكري؛ فإذا جعلت نعيمه ولذّته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني رفعتُ الحجاب فيما بيني وبينه، وصرت معلما بين عينيه، لا يسهو إذا سها النّاس؛ أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقًّا، وأولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبة وعذابا ذكرتهم فصرفت ذلك عنهم”. لذا كان يقول الجُنيْد رحمه الله:« اللّهم إن عذّبتني بشيء فلا تعذّبني بذُلّ الحجاب” لأنّ التجربة الصوفية كما هو معروف لا تتم إلاَّ بالمُجاهدة، والمجاهدة لا تتمّ إلاّ بالصبر على قهر إرادة الجسد، وطرح رغبات النفس المادية، لأنّ الإنسان محجوب عن ذات الله بحجاب الجسد وكثافته، ولأنّ الذات الإلهية لا مادّة لها تحجبها، وجوهر النفس المصفاة مُتّصل بجوهرها، وقد جاء في الذكر الحكيم:« إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون” ولم يقل محتجب عنهم، وعلى هذا تتمّ الرؤية بزوال الحجاب. والصوفية كما نعلم تبدأ من الحال وهي عندهم معنًى يردُ على القلب من غير تصنّع، ولا اجتلاب، ولا اكتساب؛ من طرب أو جذب، أو قبض أو بسط، ويزول الحال بظهور صفات النفس، فإذا دام صار ملكاً يسمّى مقامًا؛ فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب، فالأولى تأتي من عين الوجود والثانية ببذل المجهود.
يؤكد المحققون أنّ هناك مدرستان صوفيتان في الحضارة العربية الإسلامية اعتصمتا بالكتاب والسنة واتّخذتا من سيّد المرسلين إماما وقدوة، وجعلتا من أشواق الحبّ الإلهي، ومن إلهامات الروح القرآني، ومن مثاليات الخُلُق المحمّدي، منهجا في المعرفة الربّانية، وطريقا في السلوك، ومِعْراجا للوصول إلى رضوان الله وقربه، وأنسه وحبه، وهداه وعلمه وفيضه.
-المدرسة الصوفية الأولى: تُنسبُ إلى مؤسسها الإمام أبو القاسم الجُنيْدي ببغداد، اتخذت من المساجد منبرا لنشر دعوتها، وجعلت من حلقات الذكر والتبتُّل معاهد لتخريج العلماء الذين تزخر بذكرهم كتب الأصول الصوفية. وقد عرفت هذه المدرسة الصوفية السُنية انتشارا واسعا في رقعة العالم الإسلامي عبر التاريخ، وعرفت أوج ازدهارها وتطورها مع مؤسسها في الأندلس الفيلسوف ابن مسرّة والتي أنجبت من كبار الصوفية ابن سبعين والشاعر المتأله علي بن عبد الله النميْري الشُشتري اللُّوشي (610 هـ/ 1212 م) ( 668 هـ/ 1269 م ) والذي يُعدُّ أول من استخدم الأزجال في التصوف، وهو صاحب الطريقة السماعية الإنشادية فيقال عن أزجاله الصوفية:« وأمّا أزجاله ففيها حلاوة وعليها طلاوة” ويقول عنه ابن عبّاد الرُّنْدي:« وأمّا مُقطّعات الشُشْتَري وأزجاله فلي فيها شهوة، وإليها اشتياق، وأمّا تحلّيها بالنّغمة والصوت الحسن فلا تسأل، فإن قدرتم أن تُقيِّدوا منها ما وُجدْتموهُ فافعلوا ذلك”، والصوفي الكبير ابن عبّاد الرُّنْدي المشهور برسائله الصوفية (المتوفى 790 هـ/ 1388 م )، والإمام الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية التي ترجع في أُصولها إلى مدرسة الجُنَيْد، والشيخ الأكبر محي الدين بن عربي (560 هـ/1165 م) (638 هـ/ 1240 م) الذي يتوسط مغالاة الباطنية وتعصّب الظاهرية، وكذلك المُقرّب للشقّة العلمية بين الإمام الغزالي والفيلسوف العقلاني ابن رشد، وابن عربي هو القائل:« من لا كشف له لا علم له”، وهو القائل:« من لا شيخ له فشيخه الشيطان”وهو المُسلم السنيّ الأشعري الوسطي التفكير لأنّه لا يقول بالتنزيه المُطلق كالمعتزلة، ولا بالتشبيه المُبالغ فيه كالمُجسِّمة، وقد صارت طريقته تعرف بالطريقة الأكبرية وبلغ صاحبها مرتبة قطب الأقطاب. وهو كذلك أوّل من استعمل التوشيح في التصوف.
كما ظهرت في المشرق كامتداد للمدرسة الصوفية السُنيّة مدرسة قُطب الأقطاب الشيخ عبد الرحمان الجيلاني ( أو الجيلالي) المولود ببلدة جيلان من بلاد فارس عام 470 هـ/ 1077 م، ثم انتقل إلى بغداد وهناك أخذ العلوم وأسس الطريقة القادرية، وكتب من حوله كتاب” مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني”، وقال عنه المؤرخ ابن كثير:« كان الشيخ عبد القادر الجيلاني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعظ الخلفاء والسلاطين والوزراء والقضاة والخاصة والعامة... ولا تأخذه في الله لومة لائم، وعرفت طريته انتشارا واسعا في مختلف أرجاء العالم، وقد دخلت هذه الطريق مبكرا إلى الجزائر، ويعود الفضل في ذلك إلى تتلمذ الغوث أبي مدين شُعيب، دفين العُبّاد بتلمسان (عام 594 هـ) مباشرة على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني، الذي أخذ عنه الطريقة وألبسه الخِرقة، وهي بمثابة الإجازة العلمية والروحية التي يُتوج بها النجباء من المريدين الأفذاذ. وآخر رجالات هذه الطريقة الصوفية السنيّة هو الشيخ عبد الكريم الجيلي المتوفي ببغداد عام 1428 م والمشهور بمؤلفه “ الإنسان الكامل “ ويعني به خاتم الأنبياء والرسل.
-المدرسة الصوفية الثانية: هي مدرسة الإمام أبو نصر السرّاج الطوسي بنيسابور؛ وهي مدرسة اتخذت من الكتُب منابر لبيان دعوتها، وشرح رسالتها، ونشر علومها وأذواقها، ومعارفها ومعارجها.
وجعلت من صفحات هذه الكتب معاهد لتخريج الفحول من أعلام التصوف الإسلامي، وخزائن خالدة تحفظ للأجيال هذا التراث الروحي المضيء في دياجير الظلمات.
وقد اقتفى أثر السراج الطوسي صاحب كتاب “ اللُّمَع”، الهجويري في كتابه” كشف المحجوب” وتتلمذ عليه أبو عبد الرحمان السُلمي صاحب” الطبقات “، وعلى السلمي تتلمذ عبد الكريم بن هوازن أبو القاسم القُشيْري صاحب “ الرسالة القُشيرية”. فأصبحت مدرسة السراج الطوسي بذلك المحجّة التي يلوذ بها عباد الرحمان الذين استهدفوا وجهه الكريم؛ إنّهم أمناء الله عزّ وجلّ في أرضه، وخزائن أسراره وعلمه، وصفوته من خلقه.
ومن هذه المدرسة الربّانية انبثقت شمس الطريقة “ الموْلوية”، أو طريقة الإنشاد الروحي للشاعر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي (604 هـ/ 672 م) صاحب ديوان “ المَثْنَوي” الذي يقوم على الوعظ الديني الصوفي، وهو ديوان مُكرّسٌ للغزل الصوفي، والذي استعان بقصائده الروحية المنشدون في حلقاتهم التي لم تكن مجالس أذكار وأوراد فقط، بل كانت إلى جانب ذلك، مجالس فنية يُروَّجُ فيها الشعر، وتُنشد فيها القصائد الروحية، ويتنافس فيها المنشدون بإظهارهم لمواهبهم الإنشادية وحسن انتقائهم للأشعار، وتُكتشف في مجالسها الأصوات النديّة، وتتربَّى في رحابها الطاهرة الزكية الأذواق والأحاسيس الرّاقية.
وقد برع في هذه الطريقة الفنية الصوفية شعراء من أمثال: الشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول حوالي: 587 هـ صاحب ديوان “ هياكل النور” المشحون بنزعته الإشراقية العِرْفانية والمعروف بتعابيره المُعبِّرة عن النفوس المتألِّهة النّاطقة، وبمعانيه الحسيّة وإشاراته الإلهية.
لقد شغفت هذه المدرسة “ السماعية “ بترديد أشعار الحبّ الإلهي، وبقصائد المدائح النبوية والمولديات وبما يُعرف بالمنظومات الصوفية ذات البعد التربوي الذي يتعلق بآداب التصوف وأخلاقه وسلوك المُريد، وهي وسيلة مُثلى لنشر الثقافة السلوكية الصوفية، التي تساعد على نشر الطريقة في الأوساط الشعبية.
العلاقة التماثلية بين الشعر والتصوّف:
ارتبط الشعر بالتصوّف منذ الجاهلية وذلك لركوب بعض الشعراء الكبار لصفات التأله التي عرفوا بها من بين أقرانهم من الشعراء فقد كان زهير ابن أبي سلمى زاهدا في الحياة متبرمًا من ملذاتها وناكرا لرغباتها ومُغرياتها فتراه من خلال شعره ذلك الوقور المتأمل في عالم الوجود والمتسائل أمام قضاء الموت وقدره الذي يخبط خبط عشواء من يصبه يُمِتْهُ ومن يخطئه يُعمّر ويهرم، ونراه يُعلنُ عن سأمه من الحياة وتكاليفها لمّا تقدّمت به السِّنون؛ لكن الشاعر الجاهلي المتألّه أُميّة بن أبي الصّلت كان أكثر عمقا واقتدارا على ربط الشعر بالوِجدان فجاء شعره مُفعما بالتساؤل والحيرة أمام مِحنة الإيمان والكُفر، وأضفى على شعره مِسحة من التصوف الوجودي، لذا أورد الأصفهاني في أغانيه قصّة تعيد إلى الأذهان، وإلى الأبد ذلك الصراع الأبدي بين التسامي بالروح وهيامها بالملكوت أو التسفُّل بها إلى قاع الإكراه والدّنيئة.
يقول صاحب كتاب الأغاني :« كان أُميّة بن أبي الصّلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبِسَ المُسوحَ تعبُّدًا، وكان مِمّنْ ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفيّة، وحرّم الخمرَ، وشكّ في الأوثان، وكان مُحقّقًا، والتمسَ الدّين” ..لكن ما يهمنا من حياة الشاعر أميّة بن أبي الصّلت هو ما رُوِيَ عنه عن الزُّهْريِّ قال: “دخل يومًا أُميّة بن أبي الصّلت على أُخته وهي تُهيِّء أَدَمًا لها فأدركه النّوم فنام على سرير في ناحية البيت، فانشقَّ جانبٌ من السّقْف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدُهما على صدره، ووقف الآخرُ مكانهُ، فشقَّ الواقِعُ صدْرهُ فأخرج قلبه فشقّهُ، فقال الطائر الواقفُ للطائر الذي على صدره: أَوَعَى؟؟؟ قال: وَعَى؛ قال: أَقْبِلْ؟ قال: أَبَى، قال: فردَّ قلبهُ في موضعه، فنهض فأتبعهما أُميّة طرفهُ فقال:
لبّيْــكُما لبّيْـــكما هــــا أنَذا لــديْكُما
هذه الواقعة التي خصّها الأصفهاني بالعديد من الصفحات في أغانيه تعيد إلى الأذهان حادثة شقّ صدر المصطفي محمّد صلّى الله عليه وسلّم أثناء مُقامه بديار بني سعْد... كما ستثير قضية سيكون لها شأن كبير في مدونات المتصوفة والشعراء وأعني بذلك استحضار الطيور بمختلف أصنافها وفي مقدَّمتها “ طائر السيمرغ “ الأُسطوري. .. لقد كانت مثل هذه التجارب المُبكرة في الشعر العربي بمثابة التنبيه إلى صلة حميمة ستجمع في يوم ما بين طرفي الشعر الذي هو الشعور، وبين التصوّف الذي هو التأمل في كينونة الأشياء.
-يتبع-
*عن مجلة “فواصل”