طباعة هذه الصفحة

في مـواجـهـة الإشـاعة والأخـبار الـكاذبة

تـرقـيـة الأداء الإعـلامي مـســــؤولـيـة الـشـركــاء

إيمان كافي

 الــتــكنولــوجــيــا رأس حــربــة في تــطــوّر المــشــهــد الإعـــــلامي

يجمع عديد الباحثين في مجال الإعلام على أن المسؤولية كبيرة على عاتق وسائل الإعلام الجزائرية في عصر تقاس فيه قوة البلدان بترسانتها الإعلامية، وهو ما يتطلب ترقية الأداء الإعلامي في مواجهة التحديات التي تستهدف الأمن والاستقرار، والتجند للدفاع عن الوطن من حملات مغرضة ومسعورة تتعرض لها الجزائر وتوظف فيها جهات معادية وسائل إعلامها، تحمل في طياتها أجندات تحاول ضرب استقرار الجزائر.

حول الموضوع، أوضح الأستاذ عبد السلام عليلي أستاذ الإعلام والاتصال، أن هناك ثلاثة دوافع رئيسة لتطوير الأداء الإعلامي في الجزائر، من خلال، توحيد رؤية وسائل الإعلام الجزائرية ترفع وعي المواطنين بالمخاطر والتحديات، لاسيما أمام  محاولات الاختراق من خلال ترويج أكاذيب واشاعات تبثها وسائل إعلام تحريضية تستهدف تقويض أمن واستقرار الجزائر، الأمر الذي يتطلب تأهيل وتدريب الإعلاميين بشكل يزيد وعيهم بالمخاطر والتحديات التي تواجه المجتمع الجزائري، ويمنحهم الآليات المناسبة للرد عليها، وتوحيد الجبهة الداخلية.
بالإضافة إلى تنامي ظاهرة العداء لوسائل الإعلام التي تعني تراجع مصداقية وسائل الإعلام لدى المواطن نتيجة تدهور أدائها المهني، وتدني المحتوى المقدم وعدم تلبيتهم لاحتياجات واهتمامات المواطنين، بشكل يؤدي للانصراف عن متابعتها، ناهيك عن ضرورة تطوير الأداء الإعلامي والذي أصبح مطلبا ملحا يتعلق بالتطورات التكنولوجية المتلاحقة في سوق الإعلام، وهو الأمر الذي يلزم تدريب الإعلاميين على كيفية التعامل مع التطبيقات التكنولوجية والاستفادة منها في مجال عملهم بشكل احترافي.
وهنا فصّل الدكتور عليلي، مؤكدا أن التكنولوجيا لم تعد مجرد أدوات وتقنيات تطور العمل، وتعمل على تحسين أدائه، بل امتدت لتكون رأس حربة في تطور المشهد الإعلامي برمته، حيث أصبح كل مصطلح جديد متداول وكل اتجاه جديد في العمل والممارسة الإعلامية وكل تحديث لا ينفصل عن التكنولوجيا.
وأضاف «لا أحد ينكر أن التكنولوجيا استطاعت أن تغير المشهد العالمي بكل مكوناته واتجاهاته ومضامينه وأدواته، لكن هذا يعزّز فكرة الحد من تأثير التكنولوجيا على القيم المهنية في العمل الإعلامي، التي أصبحت على المحك لدى البعض، مع انتشار وباء الأخبار الكاذبة والصور المفبركة والمشاهد المزيفة وغيرها».
واعتبر المتحدث أن التأسيس المنهجي لوضع رؤية علمية متكاملة لتطوير الأداء الإعلامي في الجزائر يستلزم مواكبة التقدم التكنولوجي المتسارع والابتكارات التقنية الجديدة باعتبارها ضرورة حتمية للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بالجزائر، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن تغيير الأنماط التقليدية في العمل الإعلامي يستوجب تحديث التقنيات وأساليب العمل، غير أنه يستوجب أيضا الحذر من الانجرار وراء ما يمكن أن يطيح بالمهنية ومبادئها وقيمها الأصيلة.
أكد على أن التغيير الذي أحدثته التكنولوجيا في العمل الإعلامي يجب أن يكون شموليا، بمعنى يلامس كل عناصر العملية الإعلامية، ومن بينها تفعيل دور المتلقي بصورة أكبر وأكثر تأثيرا، بالإضافة إلى التوعية التكنولوجية للإعلاميين باعتبارها من ضرورات العمل الإعلامي في عصر التحوّلات الرقمية، وهي مهمة منوطة بالمؤسسات الإعلامية، من أجل تأهيل طواقمها مع المتغيرات التكنولوجية المتسارعة، حيث اعتبر أن الاندماج بين المؤسسات الإعلامية والتكنولوجيا أصبح احتياجاً رئيساً من احتياجات العمل، مع الاحتفاظ التام بالشخصية الإعلامية دون الانصهار في بوتقة التكنولوجيا وسحرها، كما أن التركيز، بحسبه على ما أسماه البعض «صحافة الحلول»، بمعنى الاهتمام بالتقنيات التي من شأنها تعزيز جودة العمل الإعلامي دون التأثير على قيمه المهنية.
قال الدكتور عليلي في سياق متصل، «كلنا نستحق صحافة إخبارية أفضل، ولكن كيف يمكن الحصول على هذه الصحافة، في وقت يرى فيه كثيرون أن الصحافة «تغيرت للأسوأ»، من دون أن يلاحظ أحدٌ ذلك؟ فأشياء مثل الدقة والحياد والسياق والعمق، صارت مثل الفضيلة الغائبة غالباً عن المشهد الصحفي الجزائري، ومهددة في المستقبل».
وبالحديث عن إثراء مشروع قانون الإعلام الجديد، ذكر بأنه لا يزال متواصلا، وهذا ما تؤكده تعليمة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المقدمة في مجلس الوزراء، وذلك قبل عرضه مجددا على ذات المجلس وعلى البرلمان، مشيرا إلى أنه ينتظر أيضا أن يكون القانون الجديد مسايرا للتطورات الحاصلة في المشهد السياسي العالمي وبالخصوص الوطني بعد التعديل الدستوري 2020، وكذا للتطور التكنولوجي الحاصل في الميدان، من خلال تعزيز ضمانات حماية حرية التعبير وتدقيق المفاهيم الخاصة بها، وما يتعلق بمنح صفة الصحفي المحترف ومعايير ترقية جودة الخدمة الإعلامية وبناء خطاب إعلامي مسؤول، وكذا ضمان شفافية تمويل وسائل الإعلام، لأن الجزائر عازمة على تبني سياسة وطنية جديدة لترقية قطاع الإعلام، تجسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية، وبما يستجيب لمبادئ الدستور والتقدم التكنولوجي الحاصل، وأهمية التعاون والتنسيق العربي في المجال الإعلامي، من أجل تحديات تستوجب تظافر الجهود وتكثيفها وطنيا وعربيا، خاصة مع الإعلام الجديد الذي أضحى يفرض نفسه بقوة وبسرعة في مشهد الإعلام الحديث، لاسيما أن هذا الأخير استحدث مفاهيم جديدة لعملية الإعلام وأفرز تصرفات خطيرة تستهدف في المقام الأول خصوصية الأشخاص وسيادة الدول ووحدتها واستقرارها، وذلك بالرغم من الإيجابيات التي رافقته، على غرار سرعة التواصل وسهولته.
أشار الدكتور عبد السلام عليلي إلى أنه يأمل أن يتم التطرق في قانون الإعلام الجديد، إلى نقطة مهمة، وهي إعادة النظر في العلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام، من خلال تحديد مفهوم القيم العمومية للإعلام والممثلة في خدمة الصالح العام وليس جهة معينة أو حكومة أو طرف ما، وذلك بما يكرس المهنية والموضوعية والاحترافية في الإعلام، والنظر إلى أهمية إعادة تشكيل سلطة الضبط في قطاع السمعي البصري والصحافة المكتوبة والإلكترونية، لتكون من شخصيات لها تجربة في الميدان الإعلامي وتكون مستقلة عن التيارات السياسية والتجارية والإشهارية، وتضم معينين من طرف رئاسة الجمهورية والغرفتين وأعضاء من المجتمع المدني والساحة الإعلامية، يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب من أجل المحافظة على نزاهة ووسائل الإعلام.

قوّة البلدان بقوّة ترسانتها الإعلامية

من جانب آخر، قال الدكتور موسى بن عودة أستاذ الإعلام، بجامعة تيارت أن مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت تحظى باهتمام منقطع النظير من طرف مختلف شرائح المجتمع خاصة الأكاديميين ومهنيي قطاع الإعلام، حيث أصبحت تنافس هذه الأخيرة في نقل الأخبار، ومن حيث التدفق الكبير للأخبار والمعطيات والمعلومات، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي غيرت خارطة عناصر العملية الاتصالية، حيث كان الجمهور في وسائل الإعلام التقليدي متلق سلبي يستقبل ويستهلك الرسائل الإعلامية والاتصالية، في حين أصبح الجمهور إيجابيا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يساهم في نقل المحتوى الإخباري، وفي وقت قياسي، حيث أصبحنا نعيش اليوم مفارقات عجيبة، إذ تجد صفحة فايسبوكية لديها ملايين المشتركين، وقد تتفوق أحيانا على مؤسسات إعلامية عريقة.
في هذا السياق، اعتبر المتحدث أن هذه الثورة الاتصالية وتحديات «الفضاء الاتصالي» الجديد لا تمنع من وجود سلبيات وثغرات في ما تتناقله مختلف مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار كاذبة وإشاعات والتي أصبحت للأسف مصدرا لكثير من الأفراد والمؤسسات، لذا يتوجب على الإعلاميين تحري مصداقية هذه الأخبار والمعلومات واستقاء المعلومة الصحيحة من مصدرها الحقيقي، إضافة إلى ضرورة عمل مختلف المؤسسات الإعلامية، لأنها تجد مكانا لها في المنصات الإعلامية عبر «الويب» وتكوين أطقمها لمواكبة هذه التغيرات.
وهنا أشار إلى أن وسائل الإعلام الجزائرية سواء العمومية أو الخاصة تحمل على عاتقها مسؤولية خدمة المواطن الجزائري، من خلال نقل انشغالاته ومشاكله وهمومه ومشاركته أفراحه وأقراحه، إضافة إلى عملها على خدمة الوطن، من خلال تسليط الضوء على أهم الإنجازات والإصلاحات الكبيرة التي باشرتها الدولة في مختلف القطاعات والتجند للدفاع عن الوطن من الحملات الإعلامية  المغرضة والمسعورة التي تتعرض لها الجزائر خاصة في الأشهر القليلة الماضية من دول يعرفها الداني والقاصي والتي تحمل في طياتها أجندات تحاول ضرب استقرار الجزائر، فقوة البلدان حاليا تقاس بقوة ترسانتها الإعلامية، ففي مثل هذه الظروف وكواجب وطني ومهني، يجب على الإعلاميين الجزائريين الوقوف في وجه وسائل الإعلام المعادية والرد عليها باحترافية وإبراز الوجه الحقيقي للجزائر الجديدة، مؤكدا أنه يمكن القول بأن وسائل الإعلام الجزائرية أبانت في كثير من المناسبات عن تلاحمها في الدفاع عن الجزائر وكل ما هو جزائري.
وبالعودة لكيفية ترقية الأداء الإعلامي، اعتبر الدكتور بن عودة أنه مسؤولية العديد من الأطراف الشركاء، بدءا من السلطات العمومية باقتراح سن قوانين جديدة تتماشى مع التطور الكبير في قطاع الإعلام وتعزيز مساحة الحرية للصحفيين خاصة بشأن الوصول إلى مصادر الأخبار وحمايتهم من الضغوطات التي قد تعترض أداء مهنتهم والاهتمام بالصحفيين من الناحية الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى يجب على الإعلاميين احترام القوانين والالتزام بأخلاقيات الممارسة الإعلامية والعمل على الرفع من قدراتهم من خلال البحث الدائم ومواكبة التطور الإعلامي، كما يجب على المؤسسات الإعلامية ضمان حقوق الصحفيين من أجر وضمان اجتماعي وتمثيل نقابي والسهر على تكوينهم باستمرار، موازاة مع ذلك يتوجب على المؤسسات الجامعية فتح تخصصات جديدة في الإعلام تتواءم والثورة التكنولوجية التي يعرفها القطاع، مضيفا أن الارتقاء بالمشهد الإعلامي في الجزائر عموما، يتطلب تظافر جهود الجميع، بدءا من المشرّع وصولا إلى أبسط عامل في قطاع الإعلام.
وفي الشق التشريعي، أشار الدكتور بن عودة إلى أن المشرع الجزائري أولى لأوّل مرّة أهمية بالغة للصحافة الإلكترونية ضمن القانون العضوي للإعلام 2012، وذلك بتخصيصه للباب الخامس كاملا لوسائل الإعلام الالكترونية، كما صدر بتاريخ 1 ديسمبر 2020 في العدد رقم 70 من الجريدة الرسمية المرسوم التنفيذي المتعلّق بكيفية ممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنيت والذي يتكون من فصلين يشملان 8 مواد حدّد خلالها شروط والتزامات ممارسة هذا النشاط عبر «الأنترنيت» ونشر الرد أو التّصحيح عبر الموقع الإلكتروني ويهدف المرسوم إلى تأطير الصحافة المكتوبة الإلكترونية وتوطين استفادتها على الصعيد القانوني، وذلك بغرض مواكبة التطور السريع الذي يشهده هذا الجانب الهام من الصحافة الوطنية، حيث أكد على أنّ نشاط الإعلام عبر الانترنيت هو نشاط حر وحدد الشروط لممارسة الإعلام الرقمي أو إنشاء مواقع إلكترونية، أهمها أن يحوز المسؤول على وسيلة الإعلام عبر الإنترنيت على شهادة جامعية أو شهادة أخرى تعادلها، وأن لا تقلّ خبرته عن 3 سنوات في مجال الإعلام، كما اشترط التصريح بمصدر الأموال المكونة لرأس المال وأموال التسيير وتبريرها، إلى جانب تبرير كل دعم مادي من أي هيئة مانحة وتبيان العلاقة العضوية مع منع تلقي تمويلات من أي جهة أجنبية، وكذا يمنع مساهمة أي شخص معنوي أو طبيعي في أكثر من جهاز واحد للإعلام عبر الإنترنيت، كما يجب أن يخضع نشاط الإعلام عبر الأنترنيت «إلى النشر عبر موقع إلكتروني موطَن حصريا من الناحية المادية والمنطقية بالجزائر ومسجلا في نطاق.dz، هذا المرسوم حاول نوعا ما تنظيم الإعلام الإلكتروني، إلا أنه يبقى غير كاف، بالنظر إلى تشعبات هذا المجال الخصب من الإعلام، حيث تنتظر الأسرة الإعلامية باهتمام كبير إصدار قانون جديد ينظم قطاع الإعلام، على أمل إشراك الأكاديميين والمهنيين من قطاع الإعلام من أجل سن قوانين تخدم الجميع وتساهم في ترقية المشهد الإعلامي في الجزائر.