طباعة هذه الصفحة

كثيرة المياه دائمة الاخضرار

حجوط تروي حضارة عريقة ونضالا طويلا

بقلم الأستاذ عبد القادر حمداوي

قلب متيجة النّابض يحتفط بأسرار الجمال عبر العصور

مدينة حجوط الحالية، من المدن التي أحدثها الاستعمار إثر الاحتلال، وقد أطلق عليها اسم مارينقو  للقائد الفرنسي نسبة إلى المعركة التي انتصر فيها نابليون بونابرت على النمساويين.أسّست حجوط عام 1848 في غرب متيجة وسط الحدائق والسّهول الواسعة على واد مراد، يجتمع إليها أهل الناحية فأجمعوا على محاسن الموقع وكثرة المياه، فهي من أخصب الأراضي في العالم.ولهذا أذكر موقع قبيلة حجوط، الذي كان يعرف بوطن السبت، يحدّه شمالا البحر الأبيض المتوسط ومدينة القليعة وشرقا وطن بني خليل ويحدّه جنوبا جزءا من بلاد التيطري ومليانة وغربا قبائل بني مناصر.

يحتوي وطن السبت على جبال وسهول، فجبال موزاية وسماتة أما السهول فتقاسمها قبيلة حجوط وقبائل بني مناد وبني حلوان وقبائل أولاد حميدان وبني علان والزناكر، وأنّ كثيرا من الضباط الفرنسيين الذين خاضوا غمار حرب الاحتلال، سجّلوا انطباعاتهم عن حجوط حيث بهرتهم مواقفهم البطولية التي لم يكونوا يتوقّعونها.
وكانت هناك جماعات أخرى في دار السلطان تدخل في إعداد قبائل المخزن العسكري التي لها إدارة خاصة تختلف عن إدارة قبائل الرعية مثل حجوط السهل. وهم خليط من الأجراء والمغامرين وأصحاب القطاعات والمزارعين و كبار ضباط الداي، وهم موزعون في وطن السبت ببني خليل وموزاية.
عودة إلى البدء
والكثير من القبائل لهذه المناطق المجاورة للعاصمة التي أقامها الأتراك في المنطقة مثل منطقة نفوذ أولاد سيدي على مبارك في القليعة ونفوذ أوطان الفحص والسبت وبنو مناد في متيجة، فالسكان منتظمون في قبائل يدبّر كلا منها قائد أو شيخ كبير يعين لهذا الغرض يفصل في الخلافات والخصومات بين السكان، وكان فرسان يتواجدون مع قبائلهم في المناطق أو النقاط الإستراتيجية حول الأبراج والحصون لدعم الحمايات التركية، كالمحطات الموجودة على الطريق الرئيسية في بوحلوان في المنطقة.
فالأسطول الجزائر الهام الذي كان يرعب العالم والكثير من قطع الأسطول كانت تبنى في الجزائر أستعمل في بنائها أخشاب من منطقة شرشال إلى أن نفذت في أوساط القرن السابع عشر فتم تعويضها بأخشاب غابات بجاية في سنة 1702 م.
شنّ دي برمون حملة عسكرية على البليدة يوم 24 جويلية 1830 ليختبر رد فعل سكان البليدة،  فالمقاومون الجزائريون أرغموهم على الانسحاب واشتبكوا معهم بكل شجاعة.
ويقول سانت ارنو: “على الساعة الرابعة وصلنا إلى البليدة وتلقّينا أمرا بتطويق الجبال المحيطة، الأمر الذي نفذ في طرفة عين بالرغم من طلقات نيران الحجوطيين والقبائل المجاورة يواجهونا، إذ يقدرون بحوالي ألفين أو ثلاثة آلاف فارس، إنّ هؤلاء السّادة يصيحون كثيرا وفقا لعاداتهم ويطلقون النار، وهناك بدأت الحرب بأهوالها،انطلق الرماة كالصاعقة رميا على العدو. كان العدو مندفعا كثيرا وضعيفا أكثر ومدافعي حصار خاص بالجبال ويستغرب العدو من الهجمات بكل بسالة لأنهم يجيدون القتال .
اضطر العدو للرجوع عن الطرق الوعرة وجبال  ووديان غير منتهية، كان العدو يعتقد أن أغصان الغابات هم المجاهدون يقتلون العدو.
في شهر سبتمبر 1832 تم عقد الاجتماع التاريخي الذي وقع في سوق على قرب بوفاريك، الذي أدّى إلى جمع الكلمة وتكوين قوة كبيرة من المجاهدين عندما بدأ العدو يتحرك نحو متيجة قرر المجتمعون المقاومة، ورفع أي اتفاق مع العدو وانتشر الخبر بين القبائل يحملون هذا القرار
ويدعونهم للقيام بعمل مشترك. وقد عملت هذه القبائل على حصر الاحتلال الفرنسي في مدينة الجزائر، منع توسعهم ووصول المؤن إليهم، وهذا ما قام به المرابطون من سكان مدينة القليعة ومتيجة وحجوط، فكانوا في الطليعة الأولى للجهاد قام الجنرال دي بورمون أثناء زحفه على مدينة البليدة بغرض فك الحصار الذي ضربه أهل متيجة على الجيش الفرنسي في مدينة الجزائر، ومن ذلك اليوم اشتهر من بينهم شيخ يسمى بن زعمون وكذلك محيي الدين سيد علي أمبارك، الذي كانت له مكانة رفيعة. ساهمت قبيلة حجوط إلى جانب قبائل متيجة في حرب العدو، كان الحجوطيون يفضلون حرب الكر والفر والخديعة بسبب قلة عددهم، قامت بمقاومة باسلة وشاركت في عدة معارك، منها في واد العلايق وواجر
وموزاي،ة ومعركة غرب حجوط نصب المجاهدون للعدو كمائن فقتلوا الكثير وإصابة الذعر والخوف والفوضى لولا نجدة العدو الذي أعادت إليه أنفاسه، وذلك يوم الثاني من أكتوبر 1832 استمرت الحرب بين المجاهدين وقوات العدو في متيجة خلال 1833 / 1834.
حملات لم تنل من إرادة الحرية
كانت الحملة الفرنسية من أجل الانتقام من الشعب الجزائري المسلم، ونشر الجهل والأمية والفقر والدمار، وقد ذاق الشعب الجزائري مرارة الذل والهوان من قبل العدو الغاشم، وبدا اقتحام المساجد مرارا وتحويلها إلى ثكنات ومستشفيات وأماكن للضباط وكنائس، لقد زرعوا الموت والدمار واستولوا على السكنات والقصور وارتكبوا أعمال وحشية.
مدينة مارينغوا مدينة يسكنها غلاة المعمرين الظلمة، الذين اغتصبوا الأراضي واشتغلوا بالفلاحة والزراعة والتجارة، أما سكان البلاد أغلبهم نازحون جاؤوا يطلبون لقمة العيش.
أنشا هذا المستعمر في المدينة حانات وأوكار تعذق الخمور على اختلاف أنواعها وأشكالها ليغمس فيها أبناء هذا الشعب المسكين، وتفنّنوا بالملذّات التي تصرفهم عن التفكير في التعليم وتبعدهم عن السياسة .
كان المعمّرون يتسابقون في ساحة المدينة لعرض منتوجاتهم كالعنب وغيره، وقد عمل النظام الفرنسي على تركيز الملكية الفردية وتشجيع تكديسها في أيدي الكولون، ففي عام 1842 منحت للأوروبيين 105000 هكتار من أخصب الأراضي الفلاحية، وقامت بمصادرة 60000 هكتار من أراضي متيجة بسبب عدم تقديم أصحابها الوثائق التي تبين ملكيتهم في وقت محدد.
أعلن بيجو من منبر البرلمان الفرنسي يوم 14 ماي 1840 قائلا: “حيثما وجدت مياه صالحة وأراضي خصبة يحق للاوروبيين الإقامة فيها دون البحث عن مالكها، وبما أن الجزائريين سوف يدافعون عن أراضيهم بكل قوة ولن يتخلوا بسهولة للمستوطنين الاوروبيين يجب أن ندفعهم بالقوة إلى الصحراء، وهناك لا يستطيعون الحياة  وعندئذ سوف يرجعون خاضعين ليكونوا خدما  يعملون بثمن بخس عند الاوروبيين.
لقد عبّر المعمرون عن أبشع مظهر من مظاهر حب الذات والسطو على حقوق الناس بالسلب والنهب، وبكل الوسائل الجشعة للإنسانية”.
لقد كان أطماع المعمرين في الجزائر بلا حدود، وبالنسبة إلى حجوط يعد قتل قائد وطن بني خليل الذي كان في يد الجيش الفرنسي وحاول إيذاء  السكان، فقتل بسوق بوفاريك واعتبرها الجيش الفرنسي إهانة له، ولما تحقّق أنّ القتلة من قبيلة حجوط أعلن عليهم الحرب، وكانت المعركة بينهم بغابة الخرايسية عند ملتقى واد جر بواد بورومي، كان الجيش الفرنسي تحت قيادة الجنرال trobiand  أطربياند، وقد أعانه قبائل بني مسوس وسكان وطن بني خليل، ورغم تفوقه في العدو والعدة فقد هزم وانسحب من المعركة ثم تحولت الحرب بينهما إلى الكر والفر.
انضمت قبيلة حجوط تحت لواء الأمير عبد القادر، حيث أعلن الحرب على فرنسا يوم 19 نوفمبر 1931، فقام بهجوم على مدينة وادي العلايق ومتيجة وقتلوا جميع من فيه، 108 جندي وضابط وتوالت النجدات الفرنسية فقد بلغت قوات العدو الفرنسي سنة 1841 حوالي 78000 جندي.
كانت المقاومة بمنطقة متيجة وضواحيها، شهدت عدة معارك عارمة ضد المحتل الغاصب.
لقد حكم على الأهالي بأحكام مختلفة وعوقبوا بسلب أراضيهم وأموالهم، ونفي بعضهم إلى الصحراء
ومثلا كان المعمر بورجو يؤجر السجناء من الجيش الفرنسي يعملون في مزرعته أثناء الثورة التحريرية، وتحت حراسة الجنود الفرنسيين.
مع كل هذا لم يستطع العدو مسح وفسخ الوازع الديني من نفوس الجزائريين، فأحدثوا ثورة فكرية استجاب لها السكان يحيي ما اندثر منه.
استيقظت ضمائرهم فتم تأسيس مدرسة من 3 أقسام سنة 1948، اقتنع السكان بمولودهم الجديد وحظي بالاهتمام.
من المدرسة نبعت شرارة الثّورة
فملؤوا حجرات المدرسة بالتلاميذ، وكان ابتهاج كبير وعين المعلمون من طرف جمعية العلماء المسلمين.
والمعلمون الذين مروا على هذه المدرسة بثوا فيها اليقظة والنهضة التعليمية، وهم: عبد الملك فوضالة، الجيلالي العوامر، البشير يحياوي وعمر آيت سعيد.
فالمدرسة لم تكن مقتصرة على تعليم الصغار فقط بل كانت تقدم دروسا من حين إلى آخر للكبار، وتقوم بالاحتفال الأعياد والمواسم.
وفي سنة 1957 أغلقت المدرسة من طرف سلطات والجيش الاستعماري، وتمّ فتحها من بعد ذلك.
وكان كبار تلاميذ المدرسة قد انخرطوا في جيش التحرير الوطني واعمارهم لا تتجاوز 18 سنة، منهم من استشهد في الثورة التحريرية.
وأذكر معركة وقعت في ديسمبر 1958 في مزرعة بورجو المسماة حاليا مزرعة بوجمعة محمد، نصب العدو كمينا لفوج من المجاهدين، فترتّب عن ذلك اشتباك عنيف بين الطرفين، انتهى بإصابة المجاهد علوان محمد، ونقل إلى مزرعة س علوان ولحقت بهم قوات العدو واشتبك معهم هذا المجاهد البطل مع الفوج 2 من المجاهدين المتكون من 5 مجاهدين من بينهم بوجمعة محمد، سي الطيب  وفكايري جلول.
فقد انسحب إلى منطقة سيدي بوفاضل، فتبعتهم قوات فرنسية كبيرة نحو مكان تواجد المجاهدين، قامت بحصار المنطقة ووقع اشتباك بين الطرفين.
وقد اخترق المجاهدون الحصار دون أن يشعر بذلك العدو، وفي هذه الأثناء قام أحد المجاهدين بحرق الوثائق، ولكن تبعهم العدو بحملة تفتيشية واسعة النطاق اعتقل خلالها أكثر من 70 مواطنا وزج بهم في سجون التعذيب والاستنطاق.