معالم العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، من بين أهم المعالم التاريخية والعلمية والدينية التي شملها مؤخرا قرار رفع التجميد عن مشاريع تهيئتها وإعادة ترميمها، بعد ان وتشوهت بفعل توقف أشغال الترميم مباشرة بعد انتهاء تظاهرة قسنطينة، عاصمة الثقافة العربية، الأمر الذي ساعد على انهيارها واختفاء وإهمال دورها العلمي والثقافي للولاية.
جاء قرار رفع التجميد ليفتح ملف معالم العلامة عبد الحميد بن باديس المتواجدة بالمدينة القديمة، والتي كانت مسجلة سابقا ببرامج الترميم على غرار مساجد وزوايا المدينة، حيث وبعد تدخل رئيس الجمهورية في مشروع إعادة ترميم مسجد “سيدي لخضر” الذي درس على مستواه العلامة ابن باديس والذي تعرض للتخريب والانهيار بسبب عملية الغلق وتوقف الترميمات التي ألحقت أضرارا جسيمة بدعامات البناية.
ليأتي الدور على المطبعة التي كانت تصدر منها مختلف العناوين الصادرة عن الشيخ العلامة والتي تضررت بفعل عامل الزمن إلى جانب معالم ثقافية ودينية أخرى ستكون على موعد لإشارة إطلاق عمليات الترميم، تزامنا مع الاحتفالات الرسمية، بيوم العلم 16 أفريل.
إن فتح ملف معالم العلامة ابن باديس من جديد يعتبر خطوة أولى لسلسلة عمليات فعلية لاسترجاع معالم توشك على الاندثار وغابت ملامحها مع مرور عديد السنوات، بالرغم من أن عديد القرارت والبرامج التي خصصت لاستعادتها لكن لم تر، في مقدمتها الاحتفالات الدورية والسنوية بذكرى يوم العلم الذي كانت رسميته وبرامجه تتراقص على أطلال أهم معالم رائد الحركة الإصلاحية بالجزائر.
وتأتي بعد إعلان والي الولاية برفع التجميد عن 9 مشاريع والانطلاق في إنجازها جاءت في مقدمتها المطبعة الجزائرية الإسلامية الخاصة بجمعية العلماء المسلمين التي ظلت لسنوات مهجورة وموصدة الأبواب بالرغم من وجود بعض الوسائل القديمة المستعملة في الإخراج والإصدار، هذه الأخيرة التي أسسها ابن باديس في 16 أفريل 1925 لتسهيل صدور الصحف الوطنية والإصلاحية رفقة “إسماعيل بوشمال” الذي تبرع بمحله التجاري ليكون مقرا لها بحي ربعين شريف حيث كانت تطبع جريدة الشهاب والبصائر.
ورافع منتخبو المجلس الشعبي الولائي خلال مناقشة ملف حول المعالم الثقافية الدينية والسياحية للعلامة الشيخ بن باديس، للوضع المتردي للمعالم والبنايات التاريخية التي كان يرتادها الشيخ العلامة مطالبين بضرورة حمايتها كأولوية وفتح المجال للأساتذة والمختصين للوقوف على عمليات الترميم للحفاظ على الطابع التاريخي للمباني التي تتطلب دقة واختصاص كبير لاستعادة رمزيتها وحقيقتها وجعلها مناطق أثرية وتاريخية تشهد على حضارة علم بأكمله.
كما تم اقتراح برامج ثقافية وتاريخية مستمرة لإحياء روح العلامة، فضلا عن ترسيم شهر أفريل كشهر للعلم وليس يوم واحد، حيث أشار ذات الملف إلى أن الإمكانيات متوفرة لإعادة الاعتبار لهذه المعالم التابعة لرجل مبدأ قدم تضحيات تلزمنا البقاء على مشعله.
الترميمات التي مسّت المدينة القديمة والتي برمجت في إطار مشاريع عاصمة الثقافة العربية، لم تستكمل لعدة اعتبارات حيث تركت عديد البنايات والمعالم ورشة مفتوحة سمحت بتهديم طوعي بحكم مرور عديد السنوات، إلى جانب الكثير من المعالم التابعة له تتواجد في متردية لتتحول بذلك الرابطة التاريخية بين المدينة وابن باديس لرابطة شكلية باعتبار أن كل ما يتعلق به لم يعد متواجد، بدءا من منزله الذي التقطت له صورة فيه رفقة تلاميذه بنهج عبد الله باي بالقرب من حي السويقة والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرون الوسطى.
وبالرغم من أنه كان محجا للعديد من الشخصيات الوطنية، أصبح هشا وأثرت عليه عوامل التعرية، وهو الذي شهد بداية أشغال ترميم، لكنها توقفت فجأة ليتعرض للانهيار مع بداية الترميم، وصولا لمطبعة الشيخ، التي كان ينشر من خلالها مقالات هامة صادرت السلطات الفرنسية أهم عناوينها، إلى غاية قرار إعادة الاعتبار لها مؤخرا وتخصيص ميزانية خاصة بها لإعادة ترميمها وتصنيفها كموروث تاريخي وثقافي ومعلم ديني وعلمي إلى جانب الجمعية الخيرية الإسلامية التي أسست سنة 1917.
وكان مقرها نهج علي موسى “دروج الرماح”، من أكبر المعالم التي تعرضت هي الأخرى إلى الانهيار الكامل حيث حولت إلى فرع بلدي، بعد الاستقلال، ووضعها في حال مزري بعد أن انهارت كلية تقريبا، فيما يحافظ منزله العائلي بحي القصبة روح ديار قسنطينة القديمة “ديار عرب” والمتكونة من 3 طوابق و14 غرفة يسكنه أبناء وأحفاد الشقيق الوحيد المتبقي على قيد الحياة عبد الحق بن باديس، فيما ذهبت معالم المنزل العائلي لعائلة بن باديس المتواجدة في بلدية الهرية سابقا بن باديس حاليا، والتي تحمل لحد الساعة بقايا مقر يجتمع فيه العديد من طلبة العلم يتوسط أرضا فلاحية ملك للعائلة.
وبحسب رئيس مؤسسة العلامة عبد الحميد ابن باديس الدكتور “عبد العزيز فيلالي”، فإن هناك العديد من المعالم الاستثنائية التي لم يتم الإشارة إليها على غرار منازل كان يتردد عليها كثيرا من أبرزها منزل “بن سردو” الواقع تحديدا بحي سيدي جليس العتيق، ومنزل بحي “فاروليه” في منطقة باب القنطرة إلى جانب منزل بحي “البير” وآخر يتواجد بممر “عباس ميلوت” بالقرب من المطبعة بحي “العربي بن مهيدي”، وهو ذات الممر الذي تعرض فيه العلامة لمحاولة اغتيال.
وأضاف في السياق، أن مقر جريدة الشهاب الناطقة باللغة العربية التي كانت تصدر أسبوعيا تحتاج إلى عملية ترميم، مذكرا بالمناسبة أن مبدأها كان إصلاحي ديني وتربوي، وأنها أصدرت ما يعادل 178 عدد في أربع سنوات قبل أن يتقرر توقيفها تزامنا مع الحرب العالمية الثانية ثم توقفت نهائيا مع وفاة مؤسسها العلامة “عبد الحميد ابن باديس”.
و تواصل مدرسة التربية والتعليم تقديم خدمات التدريس لحد الساعة، والتي اشترتها جمعية التربية والتعليم سنة 1936 وباشرت التعليم سنة 1937 حيث أغلقت ورجعت لدورها بعد الاستقلال، كانت تضم غرفة للعلامة يستريح فيها بالطابق الثاني أغلقت وعوضت بحائط مستغلة من طرف تجار بني ميزاب.
كما تعرف المدينة القديمة تواجد “مسجد سيدي قموش” الذي يعد ملكا لأسرة بن باديس بحي 19 جوان 1965، حيث استولت عليه الإدارة الفرنسية قبل قيام أسرته بشرائه من جديد من أملاك الدولة وتحديدا من قبل جده المكي، ليضيف محمد مصطفى والده طابقا ثانيا وغرف للطلاب طابقا ثانيا وغرف للطلاب وقاعة للصلاة والتدريس، سنة 1924، حيث ألقى فيها العلامة الدروس إلى جانب مسجد “الأربعين الشريف” الذي أعطاه الإمام الكثير من وقته والجامع الكبير الذي كان يقصده رفقة أعضاء جمعية العلماء المسلمين.
ويشهد مسجد سيدي لخضر أو مسجد بن باديس بحي الجزارين، صعوبات في عملية الترميم، كونه يحتاج إلى تدخل دقيق، حيث تدخل رئيس الجمهورية من أجل إعادة ترميمه، وهو يخضع لذلك منذ أكثر من سنة، ويعود تاريخ إنشائه إلى الباي العثماني “حسن بن حسين”، سنة 1743.
ويغلب عليه الطابع المعماري للمغرب العربي والطراز العثماني، حيث اتخذه فيما بعد مدرسة لتكوين النخبة التي حملت مشعل الإصلاح، فيما بعد وقام بتقديم دروس التفسير والتدريس به لسنوات إلى غاية وفاته، وظل مغلقا لسنوات ومهجورا بسبب برنامج ترميم إلى غاية الإعلان عن عودة الأشغال به وينتظر عودة الروح إليه خاصة وأنه من أهم معالم العلامة.
وقد أسس العلامة الكثير من النوادي وشارك في أخرى على غرار نادي صالح باي بحي السويقة الذي تحول إلى مركز تجاري، نادي السعادة الذي أسس سنة 1927 إلى جانب نادي الاتحاد المطل على ساحة أول نوفمبر المؤسس سنة 1932، كان يحاضر فيه الإمام كل أسبوع ويجتمع بالحجاج تم تحويله إلى محلات تجارية.