استرجعت العائلات الأوراسية أنفاسها، خلال تحضيراتها للشهر الفضيل هذا العام بعد سنتين من الحجر والغلق والخوف والتباعد وارتداء الكمامات، ضمن إجراءات الوقاية من جائحة كورونا التي قلبت موازين العالم، إذا تميّزت تحضيراتها هذا الموسم بالكثير من الفرح والبهجة رغم الضائقة المالية وانخفاض القدرة الشرائية جراء الارتفاع الكبير للأسعار الواسعة الاستهلاك كالمواد الغذائية والكثيرة الاستعمال كالأواني وغيرها.
عادت الحركية إلى مختلف شوارع المدينة وأزقتها العتيقة وأسواقها الشعبية على غرار سوق الرحبة، الذي يتوسّط قلب مدينة باتنة النابض ورمز عراقتها، ليعرف إقبالا منقطع النظير للعائلات الأوراسية القادمة من مختلف البلديات، وكذا بعض ولايات الوطن، للتسوق وسط اجواء مفعمة بالسعادة رفقة أفراد العائلة بعد حرمان لمدة عامين من هذه العادات والتقاليد التي تميز تحضيرات واجواء استقبال الشهر الكريم بمنطقة الاوراس، بسبب كورونا إذا يختص السوق ببيع مختلف المواد الغذائية والعجائن، التوابل التي يدخل اقتناؤها ضمن أهم نقاط برنامج التحضير لرمضان بباتنة.
فتجد السيدات تتسابق في اقتناء أجود أنواع التوابل المستقدمة من مدينة مغنية بولاية تلمسان كالفلفل الأحمر والأسود والقسبر، حبة لحلاوة، القرفة، الكمون وزريعة البسباس..وغيرها، دون ارتداء للكمامة باستثناء بعض النسوة التي بدى عليهن بقاء التأثير النفسي للجائحة خاصة عليهن، إذا تحرصن أن تكون جديدة حيث ترفض أغلبهن شراء التوابل الموجودة في الأكياس بحجة قدمها، وانتهاء مدة صلاحيتها ومخاطر تلك التوابل على صحة الإنسان فما بالك الصائم، حسب ما أفادت به السيدة سميرة في تصريح لـ «الشعب».
فيتم حسب بعضهن اقتناء القسبر الطبيعي، وتنقيته في المنزل ثم القيام بطحنه لدى بائع التوابل ثم إعادة غربلته وإعادة طحنه مرة أخرى، أياما قبل الشهر الفضيل، لضمان نكهته الطبيعية، ونفس الشأن بالنسبة للفريك الذي لا غنى عنه في طبق الشربة فلابد أن يتم شراء القمح بداية ثم تكرر نفس عملية تحضير القسبر، لغياب الثقة في كل ما يباع حسب السيدة سميرة، التي أشارت إلى أنها لا تقبل أن يتناول احد أفراد عائلتها شوربة فيها فريك لم تحضره أناملها، خاصة وأنّهم تعودوا عليها منذ عدة سنوات.
وبالرغم من أزمة الدقيق التي تشهدها الولاية منذ مدة، إلا ان إصرار النسوة على اقتناء أجود أنواعه لا يزال يميز يوميات العائلة الأوراسية في الشهر الفضيل مخافة شراء دقيق لا يصلح لتحضير «المطلوع» أو «كسرة الخميرة» أو «خبز الدار»، فكسرة الخميرة تعتبر ضرورية لتناول الشربة، ولا يمكن الاستغناء عنها.
كما تتواصل التحضيرات العائلات الأوراسية لاستقبال الشهر الفضيل، كل بطريقتها الخاصة، غير أنها تتفق جميعا على أهمية التحضيرات المسبقة لاستقبال الضيف العزيز، خاصة بعد رفع إجراءات الحجر وعودة الحياة إلى طبيعتها ليكون رمضان لهذا الموسم فرصة تبادل الزيارات وعودة أواصر صلة الرحم وغيرها من العادات الاجتماعية والتقاليد التي حرمت منها طيلة سنتين بسبب الجائحة.
حركة دؤوبة
خلال جولة قصيرة لنا، لاحظنا خلال الأيام الأخيرة العودة القوية للحركة غير العادية للسيدات من مختلف الأعمار يحملن قففا مليئة بمختلف الأكياس، حتى أصبح المرور ببعض الأحياء التي بها محلات تجارية متخصصة في بيع الأواني والتوابل، صعبا للغاية خاصة بالنسبة للرجال، بسبب الإقبال الكبير للنساء على اقتناء مختلف المواد الاستهلاكية، لتحضير مائدة رمضان بولايات الاوراس المعروفة وطنيا بغناها في شهر رمضان بأشهر وأشهى الأطباق.
رغم الغلاء الذي ميّز مختلف السلع والمنتجات بالأشهر الأخيرة تبقى بعض عادات اقتناء الأواني الجديدة راسخة في الشهر الفضيل كتغيير بعض أواني المنزل خاصة تلك التي تستعمل لتزين مائدة رمضان، إضافة إلى الإكسسوارات المنزلية حيث يتصدّر شراء الأواني الفخارية رغم أسعارها الملتهبة هذه الأيام، أولويات المقتنيات الجديدة.
الحركة الدؤوبة التي تشهدها أسواق باتنة لم تكن حكرا على النساء فقط، بل وجدنا الرجال أيضا يتسوّقون بالمحلات الخاصة ببيع أعمدة العطور الروحانية كالعنبر مثلا، الذي تحرص العائلات على اقتنائه لإضفاء الأجواء الروحانية على المنزل خلال رمضان.
المساجد تستعيد مصلّيها
اللافت أيضا، عودة التحضيرات الخاصة باستقبال الشهر بالمساجد بعد إغلاقها أمام المصلين خلال الجائحة من خلال المشاركة في حملات تنظيف المساجد، وجمع التبرعات إلى جانب التطوع في مطاعم الرحمة، والحرص على حضور كل حلقات الذكر والدروس القرآنية التي تسبق صلاة التراويح التي تتشوق لها العائلات.