إصدارات جديدة في مختلف المجالات
يعد المجلس الأعلى للغة العربية من بين المؤسسات التي كان لها حضورا مميزا في الطبعة الـ25 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، حيث شارك بمجموعة قيمة من الإصدارات الجديدة في مجالات مختلفة، بالإضافة لتحيينه لكتب قديمة، كما نظم مجموعة من الندوات العلمية القيمة والتي نشطها ثلة من الباحثين..
قال صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في حديث مع «الشعب» إن مشاركة المجلس الأعلى للغة العربية في فعاليات المعرض الدولي للكتاب شملت ثلاثة جوانب: أولا «من خلال المنشورات القديمة بإعادة عرضها مرة أخرى لتكون في متناول القارئ، وثانيا: قمنا بتحيين المنشورات القديمة وجعلناها بصيغة أخرى فوضعناها بنظام الكوتى أو بأجهزة حوامل إلكترونية، أو قدمناها على شكل مطويات.. وثالثا: أصدرنا كتبا جديدة في المعرض كدليل المحادثة باللّغة العربية، الذي يتناول مصطلحات النقل في ميدان الطيران المدني والدليل الوظيفي في الدبلوماسية، والقاموس السياحي في مصطلحات الفلاحة والفندقة والسياحة، ودليل التمريض الذي أنجزه الفريق يشتغل في ترجمة أو تعريب مصطلحات الطب».
إصدارات المجلس
وفي السياق ذاته، أشار البروفيسور صالح بلعيد إلى أن المجلس ركز على الكتاب شبه الطبي، بإنجاز حوالي 12 دليلا في هذا المجال، إضافة إلى 6 ترجمات من الفرنسية إلى العربية، والتغذية في الطب النبوي، إلى جانب دليل مصطلح البيئة، والذي تم اصداره في ثلاث لغات: العربية والأمازيغية والفرنسية بالتعاون مع المحافظة السامية للأمازيغية وفريق المجلس الأعلى للغة العربية وفريق وزارة البيئة.
وذكر نفس المتحدث أن المجلس أصدر أيضا المعجم التاريخي للغة العربية، المعجم الطوبونيمي، والموسوعة الجزائرية في جزأين، جزء خاص بالإعلام وجزء متعلق باللغات واللهجات، إضافة الى إصداره لمعجم الثقافة الجزائرية.
وكشف البروفيسور صالح بلعيد إلى تحيين المطويات المتعلقة بالمجلات، والتي وصلت إلى 75عددا، مشيرا إلى أنه تم وضع أمام كل عدد شفرة القراءة السريعة، وبإمكان أي شخص قراءة المجلة دون كلفة ورقية أو جسدية.
وبخصوص الندوات التي نظمها المجلس الأعلى للغة العربية في المعرض الدولي للكتاب قال صالح بلعيد: «نظمنا أربع محاضرات: «مسار ومنجزات وآفاق» التي نشطها الدكتور كبير بن عيسى، وندوة «معجم الثقافة الجزائرية» للأستاذة حنيسة كاسحي، كما نظمنا مداخلة بعنوان: «المعجم التاريخي للغة العربية: منجز حضاري للدكتور محمد الصافي المستغانمي، ومداخلة «التنال العربي: اختبار إلكتروني وتدريبات لغوية».
وأضاف قائلا: «وكما تلاحظون فإن المجلس يساير الحدث والتقنيات المعاصرة ودائما يسعى للرقي باللّغة العربية مثلها مثل اللّغات الأخرى، فاللّغة العربية الآن ليست لغة العرب فقط ولا لغة المسلمين، بل لغة الحضارة الإنسانية ولغة أممية، نعطي لها المقام العالي كلغة عربية لها كل التجليات، هذا الذي نظهره للوافد الذي يريد أن يطلع على اللغة العربية، لا نبخس بضاعة اللغة العربية، وفي ذات الوقت لا نقول إنه ليس لها مضايقات، بل لها مضايقات في المجال التقني، لكن يجب سد كل الفجوات ذات العلاقة بالهانات التي تعرفها اللغة العربية على غرار اللغات الأخرى، اللغة هي استعمال، هي اعتزاز، لم يثبت أن أمة في العالم ارتقت باللغة الأجنبية، نحن علينا أن ندفع باللغة ونضعها في الاستعمال، لا يجب أن نقول فقط إنها فقيرة فنهجرها، بل يجب استعمالها وهذا ما يسعى ويقوم به المجلس الأعلى في إطار القوة الناعمة وتحبيب اللغة العربية دون ردع وزجر»..
المعجم الطوبونيمي خدمة للذاكرة الوطنية
صدر للمجلس الأعلى للغة العربية الجزء الأول من كتاب «المعجم الطوبونيمي الجزائري»، ويحتوي هذا الجزء على 16 ولاية من أدرار إلى الجزائر، وهو عبارة عن عمل أكاديمي تعاونت على إنجازه فرق من المجلس الأعلى ممثّلين للبحثة من الجامعات الوطنية، ومن مراكز البحوث، المعهد الوطني للخرائط والكشف عن بعد من وزارة الدّفاع الوطني، ووزارة السياحة والصناعات التقليدية والعمل العائلي، وتعاونت أيضا لإنجاز هذا العمل الأكاديمي الثري المركز الوطني في البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وقد استغرق إنجازه سنة تقريبا، وسبقته مرحلة جمع المادة وتصنيفها من مصادرها الأولى.
وبخصوص هذا المعجم قال البروفيسور صالح بلعيد: «إن الطوبونيمية علم يهتم أساسا بالأصل اللغوي الأنثروبولوجي لأسماء الأماكن والمناطق الجغرافية في كل منطقة من مناطق العالم، وأضاف: «إن أهمية هذا النوع من البحوث والدّراسات تكمن في محاولتها التعمق في فهم الأصول اللغوية لأسماء الأماكن ودلالتها، فأسماء الأماكن تتسم بالمحافظة بصيغها في أغلب الأحيان، كما أن هذه الدراسات تسهم في رفد المادة المعجمية للغة، لهجة بعينها بمادة قد لا تكون قد صنّفت، كما توضح مجال التوسع في المقارنات اللغوية لتشتمل لغات ولهجات في سياق جغرافي أوسع، يعني ذلك يعطيها فهما أعمق وأشمل للسياقات الحضارية للمكان».
وأكد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية على أنه من الطبيعي أنّ لكلّ منطقة جغرافية في العالم أسماء خاصّة، ترتبط بشكل وثيق وأساسيّ بالمجتمع والإنسان الذي سكن أو يسكن في تلك المنطقة، وما يحمل من لغة وثقافة، وهي التي تعبر عن كينونته. ويرى البروفيسور أنه على هذا الأساس في الجزائر ذات البعد التاريخي الكبير وذات المساحة القارة، فقد عرفت أجناسا بشرية سكنوا المنطقة وتركوا أسماءهم هنا، وقد بقي البعض، والبعض مرّ، ومع ذلك لكل واحد بصمة وتاريخ»، مضيفا بأن كل ذلك ارتبط باللغة والعادات والثقافة.
وأشار نفس المتحدث إلى أن بعض هذه الأسماء لها علاقة باللغة الأمازيغية، لغات ما قبل الإسلام، اللغة العربية، الإسبانية، التركية، وأحيانا بثقافة أو لغة المستدمر، وفي هذا السياق اعتبر البروفيسور صالح بلعيد أن الأعلام الجغرافية هي التي تحافظ على الكيان الثقافي للمجتمع البشري في العالم، وأن العلم الوطني وثيقة تاريخية ثمينة لا تقلّ قيمة عن الوثيقة التي تتمثل في القطع النقدية وغيرها، وقال: «فالعلم المكاني يتميز بخصائص علمية وشخصية وجنسية وقصدية، ولا يأتي عبثا مطلقا، إلا لرابط بيني علائقي».
وأكد ذات المتحدث على أهمية هذا العمل الطوبونيمي الوطني، لما يقدمه للذاكرة الوطنية لتبقى حية بنصوصها ووثائقها ومعالمها الأماكنية، مشيرا إلى أنه مخزون نوعي، وأنه مهما علا رصيده لن يكون حاضرا بكل اشتقاقاته، إلا إذا استند على التاريخ لتجلية معانيه، وأضاف «هذا ما يجعل البعد التاريخي حاضرا أثناء ضبط الأعلام الجغرافية، وهذا ما يظهر في أسماء القبائل، الأسر، الجماعات، الافخاذ، العروش.. ولن يكون جادا إلا إذا اعتمد المصادر والمراجع الموثوقة، وكذا النظرية اللسانية على غرار ما تقوم به الشعوب التي عملت على المحافظة على هوياتها دون زيادة أو إنقاص».
تصويب للكتابة التاريخية
من جهتها، أكدت الدكتورة لواتي فاطمة، رئيسة اللجنة العلمية للمعجم الطوبونيمي على أن الطّوبونيميا تعمل على تصويب الكتابة التاريخية بالاعتماد على التسميات المكانية التي تحفظ إشارات مهمة متعلقة بالحدث التاريخي، مما يجعلها مرآة عاكسة للكثير من الحقائق المتعلقة بحياة الشعوب بمختلف نواحيها، مما يدعو نقلها إلى معاجم متخصصة، واعتبرت الباحثة لواتي فاطمة أن المنجز الطوبونيمي يحاول تفسير ظهور الاسماء داخل مجالها الجغرافي، والتاريخي، والاجتماعي، وتطور دلالاتها.
وأضافت المتحدثة «نجد في المعجم مثلا معنى طوبونيم بلدية أدرار: هي تسمية أمازيغية لولاية صحراوية» معناها الجبل أو حجارة الجبل، حيث يرى كثير من المؤرخين أن التسمية الصحيحة لولاية «أدرار» هي أدغاغ، ذلك أن تسمية المدينة حديثا جاءت تبعا لتسمية قصر «أدغاغ» القريب من وسط المدينة والذي أصبح نطقه تخفيفا «أدغا» لكن تسميته في كل الكتب القديمة هي «أدغاغ» وقبلها «أضغاغ» بمعنى الصخرة أو الجبل.
من جهة أخرى، تعود تسمية بلدية رايس حميدو إلى أمير البحر الرّايس حميدو بن علي، الذي ولد في حوالي عام 1770 م بالجزائر العاصمة، وتوفي في 17 يونيو 1815م بالقرب من كي بغيت، أميرال الاسطول العثماني في الجزائر، كان أبوه خياطا بسيطا ومعروفا عند أهل القصبة، وهو من عائلة جزائرية تعود جذروها إلى مدينة يسر، ويسر هي عاصمة إمارة الثعالبة في القرن الرابع عشر الميلادي، والثعالبة قبيلة عربية تعود في نسبها إلى بني ثعلبة بن بكر بن وائل إحدى قبائل ربيعة بن نزار.
أما بلدية حيدرة، فالمعنى الطوبونيم لكلمة حيدرة ذات صيغة عربية، وتذهب بعض المصادر إلى أن حيدرة اسم من أسماء الأسد، ويقال أيضا إن بهذه المنطقة منزلا ريفيا على الطراز الإسباني المغربي يسمى برج «هيدرا» أو قلعة «هيدر» وقد بناه الجنرال التركي علي آغا في عام 1779م، وهو الذي اطلق اسمه على هذه المنطقة الواقعة في مرتفعات الجزائر العاصمة، وهذا المبنى حاليا هو مقر السفارة الفرنسية في الجزائر.
والمعنى الطوبونيم لبلدية سطاولي نجده في المعجم: استمدت سطاولي تسميتها من اسم المرابط التركي «أسطا والي»، الذي ولي سيدي فرج فترة العهد العثماني بالجزائر، وبفعل الاستعمار الفرنسي للكلمة نحتت في كلمة واحدة (سطاوالي).
بلدية الدّويرة: اسم الدويرة هو تصغير لكلمة دارة، ومن معانيها المنزل والدّار، وتطلق أيضا على القرية الصغيرة، ويعبر عنها عند الفقهاء بدويرة الأهل، سميت الدويرة نسبة إلى دار صغيرة كانت مأوى لعابري السبيل، كانت دويرة في البداية معسكرا ومستشفى عسكري تم إنشاؤه بدلا من نقطة المراقبة التركية التي تسمى برج الحمر.
معجم الثقافة الجزائرية
وبخصوص معجم الثقافة العربية، قال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية «إن هذا القاموس يعد الأول من نوعه في الجزائر، الذي يتناول الثقافة الجزائرية الممتدة الجذور من الدولة النوميدية إلى عصرنا الحاضر»، وأكد أنه معجم يروي ثقافة وطنية شهدت هذا الامتداد في الزمان والمكان وعرفت أنماطا كثيرة من هذه الثقافة الوطنية في مختلف فنون الثقافة، وكان من الصعب الإلمام بها، كما هو الحال في تعريف الثقافة.
واعتبر الدكتور صالح بلعيد أن هذا العمل يكشف عن ثقافة مراحل تطورية عبر مختلف الدول التي عرفتها الجزائر وعبر تلك المسميات الدولية لمصطلح هذا البلد الشاسع، وخلال ذلك اصطبغت بمفاهيم وعادات وأعراف وثقافات، كما هي بعضها مع الثقافات الغريبة، وتعطل الاتصال مع ثقافات غربية.
وأكد الباحث صالح بلعيد أن الثقافة العربية انصهرت فيها وأبدعت بما عرفته من تحولات منذ الدولة الأمازيغية الأولى، ومنذ الفتح الإسلامي، فكان النتاج باهرا في مختلف العلوم والفنون، وقال إن ذلك التصاهر تواصل في شكل كلي مع منتوج كل عصر في أوّج ما قدّمه الفكر الجزائري، من أنماط فنية في الإبداع من شعر وخطب.
وسيلة لحمل الثقافة الجزائرية وتسجيلها
وأشار الدكتور نوار عبيدي، نائب رئيس اللجنة العلمية التي أعدت القاموس بأن اختيار المعجم وسيلة لحمل الثقافة الجزائرية وتسجيلها، جاء بعد التأكد من أن المعاجم اليوم أصبحت من أكثر الحوامل العلمية والثقافية التي تلجأ إليها الجامعات والمراكز العلمية في الدول الحديثة لحفظ المعلومات، مؤكدا أن المعلومة والمصطلح يسهل الوصول إليهما في المعجم دون غيره من الوسائل لاتصاف المعجم بميزات وخواص عديدة من شأنها أن تساعد في تقريب المعارف وسرعة تناولها.
وقال «يأتي معجم الثقافة الجزائرية في وقت تكالبت فيه الأصوات الناعقة على الجزائر وهويتها، وكان لزاما على المجلس الأعلى للغة العربية أن يتبرى لهذه الهجمات، ويفتح ذراعيه واسعا ليضم الثقافة الجزائرية إلى صدره، ويحفظها من الغياب والاندثار .»
شمل معجم الثقافة الجزائرية العديد من الفصول وهي: الأديان والمعتقدات، اللغات واللهجات، الأقاليم والعمران، الأمثال الشعبية، الألغاز الشعبية، البوقالات، العادات والتقاليد، الصناعات والحرف، الموسيقى والشعر، المسرح والسينما، الرسم والفنون التشكيلية.
وتم التطرق في فصل «الأديان والمعتقدات» إلى مرحلة التفكير الروحي والعقدي التي مر بها المجتمع الجزائري منذ آلاف السنين، وفي فصل اللغات واللهجات تم تناول اللهجات المنتشرة في الجزائر مثل: الشاوية واللهجة الشلحية.. وفي فصل الأقاليم والعمران تم التطرق للهندسة والتوظيف وما يرتبط بذلك من عادات القوم في مساكنهم، ألبسة ومسكوكات وصناعات تقليدية وزخرفة وفنون الفخار وكلها تعبير عن فكر ثقافي مرتبط بالمحيط».