طباعة هذه الصفحة

المختص في الاقتصـاد عبد القادر لحـول:

بصيــص أمــل لآلاف العاطلــين عــن العمـل

معسكر: أم الخير سلاطنية

 تحصي مصالح التشغيل لولاية معسكر، زهاء 41734 طالب عمل معني بتلقي منحة البطالة بداية من اليوم، من أصل 65311 طالب عمل مسجل لدى الوكالة الولائية للتشغيل، بفعل توفر شرط السن في الفئة المستهدفة السابق ذكرها.
 استقبل المعنيّون بمنحة البطالة القرار بارتياح بالغ، بالنظر إلى تزايد الاحتياجات الاجتماعية لهذه الفئة مقارنة مع تراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار، فعلى حد قول السيدة ق - نعيمة، ربّة بيت، 35 سنة، فإنّ الاستفادة من المنحة الشهرية للبطالة هو مخرج حقيقي من الغبن الاجتماعي، ومعاناتها اليومية مع توفير احتياجات أسرتها الصغيرة، حيث تقول السيدة نعيمة: «تخرّجت سنة 2010 من جامعة معسكر بليسانس في القانون والعلوم الإدارية، لم يتحقّق حلمي بالحصول على وظيفة طيلة الأعوام الماضية، وأتوقّع أن يكون لي ذلك بعد تأكيد استفادتي من منحة البطالة».
وتعتقد شريحة واسعة من العاطلين عن العمل من حملة الشّهادات الجامعية، أنّ استفادتهم من منحة البطالة، ستسهّل عليهم سبيل الحصول على منصب شغل، لاعتقادهم أنّ المنحة ستكون عبئا على كاهل الدولة التي تسعى للقضاء على البطالة، وتلاقي مساعيها عراقيل بيروقراطية على المستويات المحلية، حيث تنظر هذه الفئة إلى الحصول على منصب شغل في وقت سابق للقرار - على أنّه مرتبط بالمحاباة والمعرفة، لكن تحليلها السّطحي للمسألة أصبح مرتبطا أكثر بفكرة تعجيل وكالات التشغيل لاستدعائهم من أجل عروض العمل المتاحة ولو كانت غير مناسبة لمؤهلاتهم العلمية - بهدف التخلص من عبء «منحة البطالة».
يعي الشباب العاطل عن العمل المستهدف للاستفادة من منحة البطالة، الذي اصطف طيلة الآونة الأخيرة في طوابير طويلة أمام وكالة التشغيل المحلية وفروعها بمعسكر، أنّ منحة البطالة ستكون عبئا ثقيلا على الخزينة العمومية أمام الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن انهيار اقتصادي عالمي، كما لا يخفي المختصون في الاقتصاد مخاوفهم أن يزرع قرار منحة البطالة سلوك الاتكالي في أوساط الشباب، ويزيد من ذهنية العزوف عن العمل في نشاطات مهنية يراها البعض تقل شأنا عن مؤهله العلمي.
من ‘’صفر دخل’’ إلى ‘’مصروف في الجيب’’
في الموضوع، قال المختص في الاقتصاد بجامعة سعيدة الدكتور لحول عبد القادر، «إنّ القضاء على البطالة من بين الأهداف الأساسية التي تسعى الحكومة الجزائرية جاهدة وبشتى الوسائل التقليص من حدتها، من خلال التوجه نحو خلق مناصب عمل فعلية جديدة بالاعتماد على الاستثمارات العمومية وحتى الخاصة»، لافتا أن» الوضعية الاقتصادية الصعبة التي عرفتها الجزائر في آخر فترة من العقد الماضي، والأزمة العالمية التي خلفتها جائحة كورونا على اقتصاديات دول العالم، ساهمت في ركود وتراجع كبير في مختلف القطاعات في الجزائر، وكذا توقف العديد من المستثمرين الشباب والحرفيين عن ممارسة أنشطتهم».
ويرى الدكتور لحول، أنّ منحة البطالة التي أقرّها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، هي في الأساس برنامج لمرافقة طالبي العمل لأول مرة، وتحفيزهم والتكفل بهم أثناء مرحلة بحثهم عن العمل، معتبرا أن هذه المنحة لا تلبّي التطلعات التي يريدها الشباب الجزائري لا من الناحية المالية ولا الاجتماعية، لكنها توفّر حلا ظرفيا لمن لم يستطع الحصول على عمل، وبالتالي هي طموح محدود للشباب البطال نحو تغيير وضعهم الاجتماعي نوعا ما من ‘’صفر دخل’’ إلى ‘’مصروف في الجيب’’، تدفع عنهم بعض تكاليف الحياة اليومية.
واعتبر متحدّث «الشعب» أنّ إقرار منحة البطالة في الجزائر هو قرار فيه من الحكمة ما فيه، جاء ليحقق أهدافا سياسية اجتماعية بالدرجة الأولى، فالاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي هما حجر الزاوية في تحقيق أي تنمية اقتصادية، مضيفا أنّ البعض يرى أن منحة البطالة هي نعمة ممثلة في إعانة من الدولة الجزائرية لشباب لم يجد مكانه في سوق الشغل الرسمي، وقد يراها البعض نقمة باعتبارها عبئا على الخزينة العمومية في حالة مرور الاقتصاد الجزائري بضغوط داخلية منها وخارجية، على غرار تقلبات أسعار النفط وكذا ارتفاع الأسعار العالمية لبعض المواد الضرورية الاستهلاك، هذا ما يدفع الحكومة الجزائرية للتدخل دائما من أجل التعديل بميكانيزمات معينة لضبط الاختلالات المحلية.
ويعتقد الدكتور لحول، أنّ المنحة تتسبّب في صفة الاتكالية لدى الشباب الجزائري على الدولة في الحصول على هذه الإعانة، وتدفعهم للعزوف عن ممارسة بعض الأنشطة التي تتميز بها كل منطقة جغرافية في بلدنا الواسع، خاصة وأن الاقتصاد الجزائري هو اقتصاد ريعي قد يؤدي تراجع أسعار المحروقات إلى انخفاض الموارد المالية اللازمة لتمويل وتغطية المخططات التنموية والبرامج العمومية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي ارتفاع العبء على الخزينة العمومية لتغطية تلك الالتزامات ومنها إعانات البطالة.
ومن أجل تجاوز ذلك مبكرا، دعا الدكتور لحول إلى الإسراع في تجسيد استثمارات حقيقية تستقطب العمالة، وتمتص البطالة من خلال خلق مناصب شغل فعلية، والتوجه نحو دعم الفكر المقاولاتي لدى الشباب وتعزيز الثقافة المقاولاتية في شتى المجالات، إضافة إلى تبني الأفكار المبدعة وخاصة لدى الطلبة الجامعيين من مبدأ طالب اليوم ليس بطال الغد وإنما حامل فكرة مشروع، مع السعي لتهيئة البيئة المناسبة لنمو وتطور تلك المشاريع المستحدثة.
وأكّد المختص في الاقتصاد، أن منحة البطالة ستساهم في ارتفاع الطلب الكلي المحلي، الأمر الذي يستوجب استغلال هذه الفرص بزيادة حجم ونوع المؤسسات الاقتصادية الجزائرية (قطاع عام - قطاع خاص - الشراكة قطاع عام خاص) لامتصاص هذا الطلب بدل من تلبيته عن طريق زيادة حجم الواردات، تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة بضرورة مراقبة ومنع استيراد المنتجات التي يمكن إنتاجها محليا لما له من أضرار جسيمة على الاقتصاد الجزائري.
تغيير الخارطة الاجتماعية
 من جهته، حلّل مدير التضامن والنشاط الاجتماعي لمعسكر، محمد بن دودو، في حديث مقتضب لـ «الشعب»، الآثار الايجابية لقرار منحة البطالة على الخارطة الاجتماعية، موضحا أن القرارات الرئاسية الشجاعة بما فيها قرار إدماج حاملي الشهادات وأصحاب عقود الإدماج المهني، إضافة إلى منحة البطالة وما جاء من قرارات وإجراءات أخرى لمعالجة ملف التشغيل والدفع بقطاع الاستثمار، ستسمح بتغيير الخارطة الاجتماعية وتقليص مستويات الفقر التي تعتبر نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية.
وقال بن دودو، «عكس ما يروّج له من اتساع رقع الفقر والشكوى من الأوضاع الاجتماعية المزرية، إلا أن الأرقام والإحصاءات التي ترفع دوريا وتنفذ في الميدان توحي بعكس ذلك»، لافتا إلى الحجم الكبير من البرامج المالية التي ترصد سنويا للتكفل بالفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة وتغطية التأمينات الاجتماعية لهذه الفئات، وهي مستويات من الرفاهية التي لم تصلها بعض الشعوب والدول، التي يرتبط حصول أفرادها على لقمة العيش بالشغل فحسب.
وأوضح المتحدّث أنّ مستويات الفقر والعوز المسجلة بولاية معسكر المليونية لا تتجاوز 42 ألف أسرة بدون دخل أو بدخل لا يتجاوز ضعف الحد الأدنى للأجور، بحسب بطاقية المعوزين، وذلك بفعل الجهود التي تحققت محليا من أجل تحسين الإطار المعيشي للمواطن من خلال تشجيع الاستثمار، ووضع حيز الخدمة لمشاريع استثمارية ساهمت في الحد من معدل البطالة.
وجدّد مدير التضامن والنشاط الاجتماعي تأكيده أنّ منحة البطالة ستخفف الكثير من العبء الاجتماعي على الفئات التي لم توفق في الحصول على العمل لمدة معينة، ريثما يسعفها الحظ في اقتحام سوق الشغل، مثمّنا القرارات التي اتخذت في هذا الشأن.