شكل قطاع الصيد البحري وتربية المائيات نقطة ارتكاز في برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي سطرته الحكومة خلال المرحلة القادمة، وكان ضمن أهم القطاعات التي حظيت بمبدأ أولية الدعم والمرافقة للمهنيين والمستثمرين بهدف ترقية النشاط والرفع من مردودية الإنتاج استجابة لحجم الطلب المتزايد من الاستهلاك وارتفاع الأسعار، مع ذلك تبقى الكثير من العقبات تعترض هذه الخطوات برأي الصيادين الذين «رافعوا من أجل تنظيم المهنة والتكفل بالانشغالات المهنية والاجتماعية».
عندما نستعرض قطاع الصيد البحري والمنتجات الصيدية بالجزائر وآفاقه المستقبلية، تلوح ولاية بومرداس كقطب متميّز يحمل كامل المقوّمات والإمكانيات المشجّعة على تحقيق هذه الوثبة الاقتصادية التي تعوّل عليها الدولة لإنتاج الثروة وتنويع مصادر الدخل لمرحلة ما بعد البترول، خاصة وأنّها ولاية ممتدة في شريط ساحلي على مسافة 80.1 كلم إضافة إلى ثلاثة موانئ متخصّصة في الصيد البحري هي الأعرق تقريبا على المستوى الوطني ممثلة في ميناء دلس، رأس جنات وزموري، وعدد هام من الملاجئ الطبيعية منها ملجأ القوس الذي يستقطب أصحاب المهن الصغيرة.
كما بدأ قطاع الصيد البحري بولاية بومرداس يستقطب المزيد من المهنيين الشباب اللذين وجدوا في هذا النشاط فرصة للاستثمار والتخلص من شبح البطالة بفضل أجهزة الدعم المحلية التي رافقت المستثمرين، وهي عوامل سمحت بزيادة كبيرة في عدد البحارة المسجلين بتعداد وصل إلى حوالي 5 آلاف مهني وأسطول بحري تعدى 640 سفينة صيد من مختلف الأحجام تنشط عبر الموانئ الثلاثة.
ودائما في إطار إستراتيجية الحكومة الهادفة إلى ترقية النشاط والرفع من كمية إنتاج الثروة السمكية، حظيت عدد من المؤسسات المتخصّصة في صيانة وصناعة سفن الصيد باهتمام خاص أبرزها مؤسسة «كوريناف» التي تنشط على مستوى ميناء زموري، حيث كانت محل زيارة متعدّدة لوزير القطاع مع منحها عقار جديد بمساحة تقدر بـ2400 متر مربع لتوسيع النشاط وإتمام مشروع إنجاز 3 سفن بطول 35 متر لصيد التونة تم تعويم واحدة منها مؤخرا، ناهييك عن مختلف المشاريع النموذجية التي استفادت منها الولاية حتى تكون رائدة في المجال، أبرزها مشروع «الكلوستر البحري المدمج مع القطاع الفلاحي» بالتعاون مع الاتحاد الأوربي الذي اختير بومرداس كمنطقة نموذجية بفضل الإمكانيات التي تزخر بها أبرزها منطقة النشاطات المتخصّصة في مهن الصيد البحري غير بعيد عن الميناء.
ضعف الإنتاج ألهب أسعار السمك
لا يختلف اثنان في أنّ أسعار السمك بكل أنواعه في الأسواق ونقاط البيع لم يعد في متناول جميع العائلات الجزائرية، حيث تحوّل لدى البعض من الكماليات التي لا يمكن الوصول إليها إلا لفترات محدودة في السنة، والأدهى من ذلك بحسب تصريحات بعض المواطنين لـ»الشعب»أنّ سمك السردين الأكثر إنتاجا بولاية بومرداس الذي كان يشكل وجبة العائلات متوسطة الدخل وكان يقدم دون مقابل من قبل الصيادين في مرحلة سابقة، تحول إلى مادة غير متاحة للجميع، خاصة في هذه الأيام من فصل الشتاء التي تعرف تراجعا كبيرا، حيث يتراوح سعره ما بين 600 إلى 900 دينار وأحيانا غير متوفر تماما في الأسواق وطاولات البيع».
بالمقابل، تحولت باقي الأنواع الأخرى المعروفة في حوض المتوسط برأي بعض المهنيين بعيدة عن متناول العائلات الجزائرية وأغلبها تسوّق بالمطاعم الكبرى بسبب ارتفاع أسعارها التي تتراوح ما بين 1500 دينار إلى 3500 دينار للكيلوغرام، في حين، تتعدّد روايات هذه الأزمة الكبيرة في أسباب ارتفاع أسعار السمك ما بين تراجع الثروة ببلادنا بسبب عوامل طبيعية وبيئية مرتبطة بارتفاع نسبة تلوث مياه البحر، الاستنزاف المنظم للثروة السمكية باستعمال شباك صيد ممنوع قانونا وعدم احترام الراحة البيولوجية من قبل بعض المافيا، وأخرى مرتبطة بواقع قطاع الصيد البحري الذي لم يواكب قطاع العصرنة من حيث العتاد وقدرة التحكم، خاصة وأنّ أغلب الأسطول البحري لا يزال تقليديا وتهيمن عليه السفن الصغيرة التي تجاوزها الزمن في عصر المنافسة.
وبلغة الأرقام المحلية فإنّ قطاع الصيد البحري ببومرداس سجل سنة 2020 كمية إنتاج لم تتعد 6 آلاف طن فقط منها 8.7 طن من نشاط تربية المائيات حسب أرقام مديرية الموارد الصيدية أمام نمو متزايد لحجم الطلب على هذه المادة الحيوية، وهي أرقام تبقى كلها نظرية وغير دقيقة بالنظر إلى حالة الفوضى التي يعرفها القطاع وضعف التحكم في الكميات المنتجة يوميا عبر الموانئ الثلاثة، رغم كل الدعم والتسهيلات التي استفاد منها الصيادون والمستثمرون الذين تحصلوا على عقار صناعي وعقود امتياز داخل البحر لإنجاز أقفاص عائمة لم تدخل حيّز الخدمة إلى اليوم في كل من زموري مشروعين وثلاثة مشاريع برأس جنات.
رهان على الرقمنة وعصرنة الأسطول
شدّد وزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية هشام سفيان صلواتشي في أكثر من تصريح خلال زياراته الماراطونية لولاية بومرداس على أهمية عصرنة أسطول الصيد البحري لمضاعفة كمية الإنتاج لربح معركة السوق والمنافسة الشرسة بمياه المتوسط، خاصة ما تعلق بعملية صيد التونة بأعالي البحار وقال في هذا الشأن «أنّ قطاعه فتح ملف رقمنة النشاط بالتنسيق مع وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام بهدف التحكم أكثر في عملية التسيير ومعرفة كمية الإنتاج اليومية في كل ميناء من موانئ الوطن وأيضا عصرنة طرق التسيير التي لا تزال تقليدية».
ودعا كذلك خلال استماعه لانشغالات الصيادين إلى ضرورة الاستعداد لمسايرة مشروع عصرنة وتجديد الأسطول البحري لمواكبة التطورات الجارية في المجال، مشيرا في هذا الصدد «أنّ النظرة الجديدة لقطاع الصيد البحري تتجه نحو أهمية تجديد الأسطول البحري للرفع من كمية الإنتاج وهذا بتشجيع المؤسسات الرائدة في ميدان صناعة السفن لبناء وحدات لا تقل عن 25 متر دون التخلي على السفن الصغيرة للمهنيين».