في خضم العملية العسكرية في أوكرانيا، يفرض مستقبل الاقتصاد الروسي نفسه على تطورات الأحداث، فالدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على سلاح العقوبات الاقتصادية لكبح جماح روسيا ودفعها لوقف الحرب، كبديل عن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة الكل فيها خاسر، فهل ستنجح هذه الإستراتيجية الاقتصادية في تحقيق أهدافها أم أن لروسيا رأي أخر؟
منذ سنة 2014 إثر السقوط الحر لأسعار النفط وفرض عقوبات اقتصادية غربية على روسيا عقب التوتر الروسي الأوكراني آنذاك، بدأ الكرملين في وضع إستراتيجية لمواجهة ما هو أسوأ مستقبلا من خلال القيام بجملة من التحصينات المالية، وضبط أوضاع الاقتصاد الكلي، وتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي، وتدعيم الإنتاج المحلي، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إن كانت هذه التدابير المتخذة كافية لحماية روسيا اقتصاديا في ظل العقوبات الاقتصادية المسلطة عليها عقب عمليتها العسكرية في أوكرانيا؟
منذ اليوم الأول للحرب، قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا تراوحت بين حظر الصادرات النفطية، وتكبيل القطاع المصرفي، وحظر الطيران، ومنع الشركات الكبرى من التعامل مع السوق الروسية، ومصادرة أملاك رجال الأعمال الروس، وفي هذا الصدد اتهم الرئيس بوتين الغرب بشن حرب اقتصادية على بلاده بهدف إخضاعها، مصرحا بأنه سيواصل العملية العسكرية إلى غاية تحقيق أهدافها والمتمثلة في نزع سلاح أوكرانيا.
والملاحظ أنّ العقوبات المسلّطة على روسيا لحد الآن لم تثن بوتين عن مواصلة العلمية العسكرية في أوكرانيا، فبوتين يركز غالبا على الأهداف قصيرة المدى، حيث أنّ العقوبات الاقتصادية لم تمنعه سابقا من ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والواضح حاليا أن روسيا تسعى لتحقيق الانتصار بسرعة لخفض قيمة تكلفة الحرب في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وفي المقابل يسعى الغرب لفرملة التقدم الروسي في أوكرانيا من خلال حزمة العقوبات الاقتصادية والتي يظهر بأنها لم تحقق الهدف منها لحد الآن.
واللافت للانتباه بأنّ العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا كان لها تأثير مزدوج، فرغم أن العقوبات فرضت على روسيا لكن مجموعة من الدول الأوربية تأثرت بهذه العقوبات، وخاصة تلك التي تعتمد على الغاز الروسي مثل ألمانيا، والتي كانت تعارض بشدة حظر الغاز الروسي، ووجدت هذه الدول نفسها بين فكي كماشة نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار، وهو ما سيدفعها لمحاولة إيجاد تسوية للحرب الروسية الأوكرانية لإنهاء مشكل نقص الإمدادات.