طباعة هذه الصفحة

الخبير الاقتصـادي، عبد الرحمن هادف:

مقاربة براغماتيـة فـي التعامـل مـع المستثمــر الأجنبـي

فتيحة كلواز

 ثمن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، تعليمات رئيس الجمهورية المتعلقة بترقية الاستثمار، حيث قسمها الى استراتيجية وأخرى عملياتية ميدانية، تتمثل الأولى في تكريس مبدإ حرية الاستثمار والمبادرة واستقرار الإطار التشريعي لمدة لا تقل عن عشر سنوات. أما الثانية فمتعلقة بتوجيه الامتيازات والحوافز الضريبية ودعم الاستثمار في بعض القطاعات والمناطق.
تحدث عن اعتماد مقاربة براغماتية في التعامل مع الاستثمارات الأجنبية من أجل تحقيق قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني تمكن الجزائر من الاندماج في سلسلة القيم العالمية والجهوية بالولوج الى الأسواق الجهوية، تنعكس إيجابا بضمان نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب الشغل.
رؤية جديدة
أمر رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء، المنعقد أول أمس، الحكومة بإثراء النقاش بشكل كاف وذلك بإعادة إصدار قانون جديد من أساسه لترقية الاستثمار.
في هذا الصدد ركز الخبير الاقتصادي، في اتصال مع «الشعب»، على كلمة «جديد» التي جاءت في بيان رئاسة الجمهورية.
وأكد هادف، أن رئيس الجمهورية قالها وبصريح العبارة، إننا اليوم أمام قانون «جديد» وليس «تعديل» القانون الحالي، إلى جانب استقرار الإطار التشريعي للاستثمار لمدة لا تقل عن عشر سنوات، مع إعطائه توجيهات تحدد ما سيبنى عليه القانون الجديد، معتبرا أن اثنين من هذه التوجيهات استراتيجيين والأخرى تدخل في سياق توجيهات عملية.
أما فيما يتعلق بالتوجيهين الاستراتيجيين، أوضح الخبير الاقتصادي أن تكريس مبدإ حرية الاستثمار والمبادرة، يعني تواجده في روح القانون طوال مدة إعداد النص القانوني، بالإضافة الى النقطة الثانية المرتبطة باستقرار الإطار التشريعي فيما يتعلق بترقية الاستثمار لمدة لا تقل عن عشر سنوات، لذلك سيتمحور حولهما قانون الاستثمار الجديد.
في سياق متصل، سيأتي القانون الجديد لترقية الاستثمار بميكانيزمات وتوجيهات عملية، تحدث عنها رئيس الجمهورية، ونادى بها المختصون والخبراء من قبل، حيث أكد هادف ضرورة إعادة النظر جذريا في المقاربة المستعملة من طرف القائمين على إعداد هذا القانون، بالتخلي عن المقاربة المبنية على توجيه المزايا بصفة عامة الى أخرى جديدة تتعلق بالمرافقة الميدانية للمستثمرين الحقيقيين، من خلال رفع القيود الإدارية وتسهيل الإجراءات الإدارية بصفة كبيرة، الى جانب خفض السلطة التقديرية لأعوان الإدارة من أجل مرونة في انجاز المشاريع الاستثمارية، الى جانب إعطاء صلاحيات أكبر للشباك الوحيد الذي اعتبرها آلية ميدانية، حيث تكرس هذه المقاربة التي تتبناها الدولة اليوم المرافقة الميدانية، ومبنية على تسريع إصدار التراخيص للمستثمرين، خاصة أصحاب التمويل الذاتي الذين لا يحتاجون لمصادر تمويل أخرى من الخزينة العمومية أو البنوك.
كل هذه التوجيهات تعكس الجانب العملياتي والفعلي بإعطاء أكثر فاعلية في تسيير ملف الاستثمار. فالفرق الموجود، أنها في السابق كانت تسير بطريقة إدارية حيث تأخذ كل الوقت لدراسة المشروع. أما اليوم فأعطى رئيس الجمهورية تعليماته لأخذ القرارات بسرعة، خاصة ما تعلق بالاستثمارات الممولة من طرف أصحاب المشاريع وليس من أموال الخزينة العمومية.
وهو ما عبر عنه بيان رئاسة الجمهورية، بضرورة التركيز «على تبسيط الإجراءات وتقليص مساحة السلطة التقديرية للإدارة في مجال معالجة ملفات الاستثمار، لاسيما تلك التي تعتمد على التمويل الذاتي وكذا على تعزيز صلاحيات الشباك الوحيد، في معالجة ملفات الاستثمار ضمن آجال محددة».
في نفس الوقت، اعتبر المتحدث أن اعتماد مقاربة جديدة سيسمح بتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات ذات قيمة إضافية عالية وحتى تكون تهيئة لإقليم أكثر ذكاء، فالدولة ماضية في إعادة النظر في كيفية انجاز المشاريع في المناطق التي تحتاج الى تطويرها من جانب الاقتصادي، من خلال توجيه الامتيازات والحوافز الضريبية كالجبائية وشبه الجبائية وأيضا الولوج الى العقار الصناعي وغيرها من المزايا المقدمة من طرف الدولة.
براغماتية نافعة
إلى جانب ذلك ومن خلال توجيه المزايا ـ بحسبه ـ سيكون ممكنا اختيار المشاريع التي نحتاجها، كالقطاع الفلاحي أو الصناعي فيما يتعلق بالصناعة الغذائية، أو القطاع السياحي، أو الصناعات الميكانيكية والالكترونية، حيث تدعمها الدولة بالامتيازات، لكن وفق شروط معينة كاختيار الموقع والشعبة.
وعن «اعتماد مقاربة براغماتية في التعامل مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراعي استقطاب الاستثمارات التي تضمن نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب الشغل»، قال الخبير الاقتصادي إن الجزائر في السابق كانت تقبل أي مشروع يأتي من الخارج نقبله حتى وإن كان لا يقدم قيمة مضافة كبيرة، أو مع وجود إمكانية تحوله الى مصدر لتحويل العملة الصعبة.
لذلك ـ استطرد ـ أصر رئيس الجمهورية على المقاربة البراغماتية لتوجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعات تحتاج الجزائر تطويرها، على غرار قطاع الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، بالإضافة الى المنشآت القاعدية الكبرى كالسدود والطرق، الى جانب القطاع السياحي من خلال إنجاز مركبات سياحية كبرى ذات معايير دولية.
في نفس الوقت، لاحظ المختص أن هذه المشاريع حتى وإن كانت ذات فوائد ثقيلة لكنها مشاريع هيكلية بالنسبة للجزائر، تمكنها من الاندماج في سلسلة القيم العالمية والجهوية، بالولوج الى الأسواق الجهوية كالأسواق الإفريقية وجنوب إفريقيا، التي ستسمح للجزائر بتنويع مصادر العملة الصعبة وشركائها الاقتصاديين.
 فمن الضروري اليوم ومن خلال قراءة الوضع والسياق العالمي الحالي والأزمات التي تعيشها، كالأزمة الصحية والأمنية، نجد أن الجزائر مطالبة باختيار شركاء وفق مصالح متبادلة، فأينما تكون مصلحة الجزائر تسير إليها بكل براغماتية وموضوعية، بعقد شراكات واتفاقيات مع الدول أو الشركات العالمية التي تجلب القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
إلى جانب تحويل حقيقي للتكنولوجيا، حيث أكد رئيس الجمهورية أن المقاربة البراغماتية مبنية على معيارين، هما تحويل التكنولوجيا وخلق حقيقي لفرص الشغل، ما يجعل من هذه التوجيهات مبادئ لجلب واستقطاب وجاذبية الاستثمارات الأجنبية حتى تكون لها مردودية على الاقتصاد الوطني.