إن التطورات التي تشهدها القارة الإفريقية بخاصة في مالي وكل منطقة الساحل، تؤكد أن هذه الأخيرة مقبلة على حقبة جديدة تنتهي معها عقود من التبعية السياسية، الاقتصادية والثقافية، التي طبعت مرحلة ما بعد استقلال الدول الإفريقية؛ استقلال بقي منقوصا بسبب هذه التبعية التي سمحت للاستعمار بالاستمرار بوسائل أخرى، أقل كلفة وأكثر فائدة. يكفي أن 14 دولة افريقية ماتزال تابعة ماليا واقتصاديا لفرنسا، المستعمِر السابق، في إطار ما يعرف بالعقد الاستعماري (le pacte colonial) الذي تم بموجبه رهن ثروات وخيرات هذه الدول وإبقاءها في دائرة التخلّف المزمن؟
إن المخاض الذي تعيشه القارة السمراء والحركية المناهضة للتواجد الفرنسي بجميع أشكاله تقوده نخبة متنورة تؤمن بأن قارة تبلغ مساحتها 30 مليون متر مربع ويناهز تعدادها السكاني المليار نسمة، علاوة على ما تمتلكه من ثروات وأراض خصبة، لا يمكنها إلاّ أن تكون من أغنى القارات على الإطلاق، بشرط أن تتخلص نهائيا من قيود التبعية والاستغلال وإرهاصات ذلك بدأت تظهر للعيان.
إن المحاولات اليائسة للحفاظ على الوضع الراهن والإبقاء على التواجد العسكري الفرنسي في مالي وفي الساحل، تحت مسمى مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصره، أصبحت حجّة منتهية الصلاحية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للسلطات الانتقالية في مالي، التي اتهمت فيها السلطات الفرنسية بالوقوف وراء تسليح وتدريب جماعات إرهابية تنشط في البلاد، مما يؤكّد أن باريس هي المستفيد من استمرار التهديدات الإرهابية، لضمان استمرار مصالحها وحمايتها عسكريا ولو كان ذلك على حساب الشعب المالي؟.
إن رفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في البلدان الإفريقية وضرورة استقلال قرارها بشكل تام، معركة خاضتها الجزائر ولا تزال في القارة الإفريقية من أجل أن تتحوّل هذه الوصفة إلى عقيدة إفريقية راسخة، عندها فقط ستتحرّر من الإملاءات الخارجية، مهما كان مصدرها، وستصبح المصلحة الإفريقية هي العليا وفق قاعدة “إفريقيا للإفريقيين”.