طباعة هذه الصفحة

استشراف

«إسرائيـــل» في مــرآة تايـوان 2/2

وليد عبد الحي

 تايوان قد تكون بحاجة أقل للعون الدولي، ولا تشكّل عبئاً على غرار «إسرائيل» التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في تلقّي المساعدات الأمريكية. وقد أشار تقرير قدّمه وو تسو لي Wu Tzu-li، الباحث في معهد بحوث الدّفاع الوطني والأمن التايواني Institute for National Defense and Security Research، إلى ضرورة الاستفادة من الدرس الإسرائيلي في مجال الدفاع في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
الفروق بين تايوان و»إسرائيل» في العلاقات مع الولايات المتّحدة
 لا شكّ أن هناك فروقاً بين تايوان و»إسرائيل» في علاقاتهما مع الولايات المتحدة، وتتمثل في الآتي:
1. إنّ خصم تايوان، وهو الصين الشعبية، يمثل إحدى القوى العالمية المركزية، ولها قرارها الاستراتيجي الموحّد من ناحية والمستقل من ناحية ثانية، خلافاً للطّرف العربي الذي يفتقد هذه الصّفات في صراعه مع «إسرائيل».
2. إنّ اللوبي اليهودي Jewish Lobby ما زال يمثّل أحد أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وقد أشارت دراسة مقارنة للوبي الدولتين في الولايات المتحدة، إلى النتائج التالية:
أ. إنّ وزن اللوبي التايواني Taiwan Lobby يتزايد في التأثير على السياسة الأمريكية الخارجية، ويتضح ذلك في استمرار العلاقة الأمريكية التايوانية في كل المجالات دون تمثيل دبلوماسي بينهما، والاقتصار على مكتب لرعاية المصالح.
ب. إنّ التداخل الثقافي، خصوصاً التداخل الديني مع الإنجيليين الأمريكيين وقطاع مهم من الجمهوريين والديمقراطيين، هو الأقوى بين «إسرائيل» وأمريكا مقارنة بتايوان.
ج. قدرة اللوبي اليهودي على استثمار الانتخابات الأمريكية الرئاسية والبرلمانية، بينما تختفي مواضيع الانتخابات المختلفة من دعاية اللوبي التايواني.
د. إنّ القضايا الإسرائيلية تشكّل حضوراً أكبر في مناظرات المرشّحين للرئاسة، أو السلطة التشريعية الأمريكية قياساً لحضور القضايا التايوانية.
هـ. إنّ وسائل الإعلام الأمريكية أكثر عناية بالقضايا الإسرائيلية منها بالقضايا التايوانية.
3. إنّ العلاقة الدينية خصوصاً مع التيار الإنجيلي في المجتمع الأمريكي، تجعل درجة الانحياز لأمريكا عالية، لكن أغلب دراسات استطلاع الرأي العام الأمريكي تشير إلى أنّ اللوبي اليهودي بدأ يواجه حملات انتقاد متواصلة من النخب الفكرية الأمريكية، إلى جانب أنّ استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع في درجة التعاطف الشعبي الأمريكي مع «إسرائيل» خصوصاً في صفوف الشباب الذين سيقودون الولايات المتحدة مستقبلاً.
4. لكن «إسرائيل» تتمتّع بميزة مقابل تايوان، وهي أنّ عدد الدول التي تعترف بها هو 164 دولة مقابل 15 دولة تعترف بتايوان. لكن «إسرائيل» عرفت في فترة من الفترات عدم اعتراف عدد كبير من الدول بها خصوصاً بعد سنة 1967 وسنة 1973، لكنها عادت لتوسيع نطاق الاعتراف بها، بما في ذلك في المنطقة العربية.
5. تشكّل مشكلة العلاقة الإسرائيلية مع تايوان مأزقاً إسرائيلياً، فهي علاقة ترضي الولايات المتحدة لكنها تغضب الصين التي ترفض العلاقة مع الدول التي تتعامل مع تايوان، وهو ما يعني أن التعاون الإسرائيلي مع تايوان يعزز العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، لكنه يشكّل استفزازاً للصين التي تسعى «إسرائيل» لتطوير العلاقة معها أيضا. وقد كانت تايوان تعترف بـ «إسرائيل» منذ نشأة الكيان الصهيوني، بينما تجنّبت «إسرائيل» الاعتراف بتايوان، فقد كانت «إسرائيل» هي أول من اعترف بالصين الشعبية في الشرق الأوسط ورفضت الاعتراف بتايوان، وبقي الأمر كذلك حتى سنة 1992 بعد أن اعترفت بكين بـ «إسرائيل»، ويلاحظ أنه في السنة التالية قامت كل من تايوان و»إسرائيل» بفتح ممثليات تجارية لكل منهما عند الآخر. وقد بلغ عدد الاتفاقيات الإسرائيلية التايوانية حتى الآن نحو 30 اتفاقية تجارية تغطي مجالات التعاون الحكومي، والتكنولوجيا، والمياه، والزراعة، والطائرات المسيرة…إلخ. والملاحظ أنّ تطور العلاقات التايوانية مع «إسرائيل» ارتبط بتطوّرين آخرين:
أ. تنامي النّزعة البراجماتية في السياسة الخارجية الصينية لاستثمار العلاقة مع «إسرائيل» باتجاه الحصول على التكنولوجيا الغربية من خلالها، وضمان مساندتها في الولايات المتحدة من خلال اللوبي اليهودي، ممّا يعني أنّ العلاقات التايوانية الإسرائيلية قابلة لتكون موضع مساومة إسرائيلية صينية.
ب. بداية الاعتراف الرّسمي العربي بـ «إسرائيل»، طمأن تايوان على أن علاقاتها مع العرب لن تتأثر على الرغم من تطور علاقاتها مع «إسرائيل» من ناحية، وأضعف من ناحية أخرى أي حرج صيني في تطوير العلاقة مع «إسرائيل».
استثمار تايوان و»إسرائيل» لسياسات ترامب
 استثمر الحزب الديمقراطي التقدمي Democratic Progressive Party في تايوان، وهو الحزب الأكثر نزوعاً للانفصال عن الصين الأم، والذي يحظى بتأييد 57 % من سكان تايوان، فترة الرئيس دونالد ترامب Donald Trump في محاولة توسيع نطاق الحركة التايوانية على المسرح الدولي والدخول في بعض المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية World Health Organization (WHO)، فبعد إقرار قانون السفر التايواني من قبل الكونجرس الأمريكي في 16 - 3 - 2018، تحوّلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان منذ ذلك الحين إلى أساس رسمي وعالي المستوى. ووقّع الجانبان منذ ذلك الحين اتفاقية قنصلية تضفي الطابع الرسمي على العلاقات القنصلية القائمة بينهما في 13 / 9 /2019، [21] وهو الاستثمار نفسه الذي قامت به «إسرائيل» لانتزاع اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، والاعتراف بسلطة «إسرائيل» على هضبة الجولان السورية…إلخ.
لكن الخطّة الاستراتيجية لبايدن، والتي أشرنا لها، أعلت من مكانة تايوان نظراً لأهميتها في الصراع الباسيفيكي، بينما أخّرت أولوية الشرق الأوسط في تخطيطها الاستراتيجي، وهو ما تعزّز بالانسحاب من أفغانستان، وقد أدّى ذلك - كما أشرنا - إلى إيجاد هواجس إسرائيلية بخصوص مدى استقرار المكانة الاستراتيجية لـ «إسرائيل» في المنظور الأمريكي، في ضوء التحول نحو الباسيفيكي، ناهيك عن احتمالات الأزمة الأوكرانية وانشغال الولايات المتحدة بها.
الخلاصة
1. تشكّل النّزعة البراجماتية الأمريكية مصدر قلق لكل من تايوان و»إسرائيل».
2. إنّ طبيعة العلاقة الصينية الأمريكية تمثّل عقبة أمام علاقات تايوان و»إسرائيل» مع كل من بكين وواشنطن.
3. إنّ القلق الوجودي لكل من تايوان و»إسرائيل» يدفعهما للتعاون من ناحية، وتبادل الخبرات والدروس من ناحية إدارة علاقاتهما الدولية.
4. إنّ احتمالات مواجهة كل من «إسرائيل» وتايوان أزمات حادّة في علاقاتهما مع كل من أمريكا والصين هو احتمال يقدر له أن يتزايد، مع احتمال أن تكون الأزمة التايوانية أكثر حدة منها لـ «إسرائيل».