ليست الأزمة اليوم بين روسيا والغرب حتى الآن حربا بأتم معنى الكلمة، لكنها حال حرب متعددة الأشكال والوسائل والوسائط.
النظام الدولي القائم وقواعده وتوزيع النفوذ فيه لا يرضى بأي محاولة لوضع أو انتزاع قواعد جديدة، هذا واضح منذ زمن طويل. لكن المواجهة اليوم صارت هي الأخرى واضحة تماما، وليست روسيا هي «المتمرد» الوحيد على هذا النظام، لكنها مع الصين تعد الأهم.
ما خصصه الاتحاد الأوروبي من ميزانية ضخمة، 300 مليار دولار، لمواجهة الانتشار الاقتصادي التجاري للصين في إفريقيا، يدل هو الآخر عن مواجهات أخرى ازدادت قوة. كما أن محاولات الخروج عن التعامل بالدولار سوف يشكل، قريباً، مجالا آخر عالي الأهمية بين «القوى القديمة» و»القوى الجديدة».
توزيع القوة الاقتصادية والتجارية وحتى الاستراتيجية يتغير، نصيب الولايات المتحدة من التجارة الدولية تراجع إلى حدود 24,4 بالمئة ونصيب الغرب يتراجع هو الآخر بشكل واضح أمام الصين وبلدان أخرى في آسيا بالخصوص.
إن تغير موازين القوى هذا ينبغي التمعن فيه بشكل كامل وجدي جدا، ومواجهة مستلزمات هذه التحولات الكبيرة، لأنها ليست بالضرورة في صالح الكثير من البلدان السائرة في طريق النمو، وهي، تبعا لذلك، في حاجة للتمعن والدراسة.
سوف تتغير الكثير من التحالفات وذلك بتغير موازين القوى، ولن يكون «للضعفاء» نصيب وافر من هذه التحولات، إلا إذا أوجدت تكتلات اقتصادية مناسبة تحسّن من عوامل القوة الجماعية لديها وبالتالي تحسن من مركزها التفاوضي دوليا.
إن تقاسم المنافع في الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية في حاجة لبناء اقتصاد دولي جديد بل ولنظام دولي جديد، ينبغي التوجه بقوة نحو مراجعة عميقة لمنظومة الأمم المتحدة ومراجعة شاملة لمنظومة «بريتن وودز»، لأن منظمة التجارة العالمية والقواعد التي وضعتها تجاوزها الزمن وضربها الرئيس الأمريكي السابق بإجراءاته الحمائية في مقتل، وهنا أيضا فإن التحولات ستكون عميقة وينبغي أن يكون توزيع المنافع أكثر عدلا.
كل هذا يحتّم على بلدان القارة الإفريقية بناء عوامل قوتها بشكل آخر، وتبدأ من إعادة النظر في أنماط إدارتها الداخلية ومن التوظيف الأمثل لإمكانياتها وبناء تحالف قاري، ثم بناء تحالفات مع القوى الجديدة والقديمة، بما يخدم منفعة بلدانها.
تلك إشكاليات عويصة من السهل حصرها ومن الصعب تجسيد مستلزمات مواجهتها والتكيف معها.