يشكّل إصدار «إينزان» الأمثال الشعبية في الأمازيغية الريغية للكاتب والشاعر بوطي غطاس، أحد المؤلفات المهمة التي استغرق الكاتب وقتا طويلا للبحث والتدقيق فيها، حيث يضمّ هذا المؤلف من 100 صفحة، 83 مثلا شعبيا أمازيغيا، متداولا ونادرا حاول من خلالها الكاتب، تقديم أكبر قدر من الأمثال الشعبية المعروفة بين أمازيغ وادي ريغ.
لم يكن الكتاب مجرّد تجميع لعدد من الأمثال الشعبية فقط، حيث تجاوز ذلك إلى البحث في بعض الأمثال خاصة النادرة منها، وقد اعتمد الكاتب على عدة مصادر لاستقاء هذه الأمثال، خاصة من كبار السن والشيوخ والمهتمين بالتراث اللامادي الأمازيغي في منطقة وادي ريغ، الذين يحاولون جمع هذه الأمثال واستعمالها حتى في حياتهم اليومية للحفاظ عليها.
ولجأ الكاتب بوطي غطاس كما صرّح لـ»الشعب» إلى توثيق هذه الأمثال، لأنها تعدّ كنزا تعبيريا عن ثقافة الإنسان التي تشكّلت، من خلال امتزاجها بعدة عوامل بيئية وطبيعية وحملت العديد من الدلالات، باعتبار أن الأمثال الشعبية جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات ولها دور أساسي في تنشئة الأفراد وتعكس أثر الأشخاص في مجتمعاتهم أيضا، مشيرا إلى أن المثل الشعبي يعبّر عن نظام حياة ويؤدي دور البرمجة التقليدية للأفراد، فالأمثال تحكي على الأخلاق والتديّن والصبر والوفاء والحكمة وهي هادفة في أغلبها وتؤدي معاني كثيرة.
الأمثال الشعبية وصف لنظام عيش المجتمع الأمازيغي
وأكد على أن الأمهات كان لديهن دور كبير في ترسيخ الكلمات وثقافة المجتمع الأمازيغي المحلي وشكّلت الأمثال الشعبية، أحد أبرز هذه الطرق لتنشئة الأطفال وتعليمهم وتمكينهم من الاستفادة من الحكم والأمثال، التي تختصر الكثير من تجارب الحياة في كلمات معدودة وموزونة في نغم متناسق.
وذكر المتحدث، أنه ورغم أن بعض الأمثال كانت ايجابية ولها وقعها القوي في بناء شخصية الفرد، إلا أن بعضها كان سلبيا أيضا على غرار ثقافات أخرى تحوي هذا النوع من الأمثال الشعبية التي كانت مبنية على أفكار خاطئة.
وفي سياق لقائنا بالكاتب بوطي غطاس، حدثنا أيضا عن بعض الأمثال التي وجدها في اللغة الأمازيغية ولم تكن حاضرة في العربية، مشيرا إلى أنه فضّل التطرّق لها لإعادة إحيائها وإعطائها بعدها الديني والأخلاقي والفكري وكان من بينها أمثال تربوية وحكم شعبية، موضحا أن من بين ميزات الأمثال الأمازيغية أنها تحمل بعض الخصوصية في وصف المجتمع الأمازيغي المحلي ونظام عيشه الخاص.
كلمات في طريقها للاندثار
كما أشار أيضا إلى تأثير التراجع الملحوظ في استعمال المتغير الأمازيغي المحلي، على غرار عدة متغيرات محلية أخرى، تضاف إليها بعض العقبات التي تواجه الحفاظ على هذه الثقافة وتطويرها ونقلها من المعطى الشفوي إلى المدون والمكتوب لتعزيز أسلوب البحث والتطوير والتشجيع على اقتحام هذا المجال، ولعلّ أهمها ـ يقول ـ تحضير الأرضية المتفق عليها في كيفية الكتابة والتدوين في النموذج.
لذلك وجب الاهتمام باستعادة بعض الكلمات التي لم تعد مستخدمة كثيرا، حتى أضحت في طريقها للاندثار، على غرار كلمة «إينزان» التي اختارها الكاتب عنوانا لإصداره والتي تعدّ في حدّ ذاتها إحدى هذه الكلمات وتعني المثل الشعبي في الأمازيغية الريغية، معتبرا أن الصعوبة التي قد تواجه أي باحث في محاولة إعادة إحياء هذه الكلمات هو إيجاد من يفهمها ويستعملها ويدرك جيدا كيف تستعمل ومتى تستعمل، ومن الجيد أن تكون الانطلاقة في تحقيق هذا الهدف من خلال الأمثال الشعبية والتي تعرف بأنها تعبّر عن دلالة كبيرة في كلمات قليلة وموزونة في نسج شاعري لتبقى متداولة ومستعملة.
واختار الكاتب بوطي غطاس لغلاف إصداره، اللون الأصفر كدلالة على الرمال أو الصحراء، وحمل الغلاف أيضا العديد من الرموز، من بينها الهرم الذي يتواجد في الزرابي والحلي واللباس والذي يعبر عن دلالة لدى الأمازيغ، ترمز للحضارة والرقي والقوة، بالإضافة إلى النخلة التي تعتبر دلالة على المنطقة الواحاتية التي يتواجد فيها أمازيغ منطقة وادي ريغ، وكذا شكّل من الحلي المحلي ورموز في الطرز التقليدي التي تحمل هي الأخرى قاموسا خاصا من الدلالات والمعاني المعبرة عن المرأة وحالتها الاجتماعية، تشير إلى تعبيرات خاصة تستخدم في نسج الزرابي وصنع الحلي.
مزج اللغتين العربية والأمازيغية
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكاتب، قد عمد إلى كتابة هذه الأمثال بالحرف العربي وحرف التيفيناغ والحرف اللاتيني، ليمكن الجميع من قراءة هذه الأمثال كما قدم شروحات لكل مثل منها، باللغة العربية وذكر في هذا السياق «الأمثال الشعبية الأمازيغية في نظري كنز وثروة، تقدم الإضافة ويمكن أن تعطي الإضافة أكثر بتمازجها مع اللغة العربية».
وبالعودة إلى الكاتب بوطي غطاس لابد من الإشارة إلى أنه كاتب يجمع بين اللغة العربية والأمازيغية وبناء على هذه الخلفية، كان يهدف إلى خلق التلاحم بين العربية والأمازيغية، لأن هذا التمازج هو الذي يعطينا الثراء كما قال.
هو شاعر بالأساس ولديه ديوان شعري بعنوان «لهيب وشاعر»، يحوي 45 قصيدة في الشعر الشعبي العربي، تمكن من إصداره سنة 2015 ويعمل حاليا على انجاز ديوان آخر، قد يكون جامعا لقصائد بالأمازيغية والعربية
كتب في المدح والغزل والجانب الاجتماعي أكثر، وفي الشعر السياحي للمناطق الصحراوية والطبيعة والآلات الموسيقية، على غرار قصائده آلة الأمزاد، الموت والحياة وإيليزي 33 التي تصف جمال الصحراء ومنطقة إيليزي وجانت والطاسيلي، كما كتب عن رسوم البقرة الباكية التاريخية وقدم وصفا شاعريا للعديد من القصص والحالات الاجتماعية.