طباعة هذه الصفحة

الانتقــــــال إلى اقتصــــــاد المعرفـــــة

تأخّــــــر منــــــح براءة الاختراع يعيــــــق تحــــوّل الجامعــــــة إلى الإنتـــــاج

معسكر: أم الخير سلاطني

- تطويــــــر ذهنيــــة الطّالــــب أهـــــم خطــــــوة
     تحتاج الجزائر إلى إنتاج معرفة تساهم في حل إشكاليات التنمية الكبرى، وينتظر من الجامعات ومراكز البحث توجيه موضوعات الأبحاث إليها ومدّ الجسور مع المؤسّسات المصنّعة لخدمة الاقتصاد، ومن أجل ذلك وضعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، استراتيجية للأعوام المقبلة بهدف بناء وإدارة نظام تعليمي ابتكاري لمجتمع معرفي ذي تنافسية يشمل كافة التّخصّصات، ويلبي احتياجات سوق العمل، من خلال جودة مخرجات التكوين وتقديم خدمات متميزة للمتعاملين الوطنيين والشركاء الاجانب.غير أنّ ما تمّ القيام به غير كاف في نظر أهل الاختصاص، ويحتاج إلى “ثقة أكبر” من القطاع الاقتصادي في منتوج البحث العلمي والباحث الجزائري، ومد جسور التعاون بين المؤسّسات والجامعات، حتى تتجسّد البحوث في الميدان وتتحوّل إلى منتجات صناعية تعزز التنافسية، وتلبّي الاحتياجات الوطنية، وتحقّق الاستقلال المعرفي.


حسب استطلاع رأي لمخبر المؤسّسات الصّغيرة بجامعة معسكر:
70 % من الطلبة لا يملكون أفكار مشاريع و80 % يتخوّفون من الإفلاس

 تزخر الجامعات الجزائرية بمواهب وقدرات علمية في كافة المجالات والتّخصّصات، وفضلا عن أنّ الجامعة حاضنة لهذه الكفاءات، فهي تضخ عشرات الآلاف منها في المجتمع، منها من فشل في اقتحام عالم الشغل والحصول على وظيفة، ومنها من شق طريقه إلى ضفاف أخرى من العالم بحثا عن الرّعاية، ومنهم فئة تمسّكت بحلم الإبداع وتقديم الأفضل، في وقت يتّجه العالم نحو اقتصاد المعرفة.


 يعتبر غالبية الطلبة الجامعيّين أنّ مستواهم العلمي وتكوينهم الأكاديمي خطوة نحو الحصول على وظيفة تكفيهم لتغطية احتياجاتهم وتحقيق أحلامهم، لكن البعض منهم استطاع الخروج من حلقة النّمطية المغلقة، وانفتح على التغيرات الحاصلة في التوجه الاقتصادي العالمي، أمام الفرص التي تتيحها أحدث التكنولوجيات.
أظهر استطلاع رأي حول أبرز العوامل التي تمنع الطلبة من التوجه نحو عالم المقاولاتية وإنشاء المؤسسات الصغيرة والناشئة، أعدّه مخبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بجامعة معسكر، ومسّ 250 طالب ينتمون لكلية العلوم الاقتصادية التجارية والتسيير بجامعة معسكر، أنّ ما يقارب 70 % من الجامعيّين لا يملكون أفكارا تسمح لهم بإنشاء مؤسّسات تلبّي حاجيات المجتمع، وليست لديهم معرفة تامة بوجود موقع للوكالة الوطنية لدعم المقاولاتية.
وقال محمد كربوش مدير المخبر ورئيس جمعية كاسترنوفا للتكنولوجيا، إنّ استطلاع الرأي أظهر أنّ عدم تفكير 65 بالمائة من الطلبة في المقاولاتية، راجع إلى نقص الموارد المالية بسبب نقص المعلومات لدى الطالب حول جهات التمويل، وعدم مبادرته إلى البحث عن المعلومة.
أما السبب الجوهري لعدم ولوج المقاولاتية والإبتكار، يقول كربوش إنّه “الخوف من الفشل”، فتبين بالنسبة لـ 80 % الإفلاس، والفشل هو أحد الأسباب الرئيسية التي تمنعهم من التفكير في استحداث مؤسّساتهم، وأرجعوا الأمر إلى نقص خبرتهم في هذا المجال، وعدم وجود إحصائيات واضحة تخص مجمل القطاعات التي تسمح بوضع دراسات للجدوى والسوق.
كما لوحظ من خلال الاستطلاع، أنّ أغلبية الطلبة عند متابعتهم مسارهم الدراسي يفضّلون الجانب الأكاديمي مقارنة بالماستر المهني، وإكمال دراساتهم العليا عوض التوجه للحياة العملية.
ويعتبر البروفيسور كربوش، المؤسّسات الناشئة أهم الأدوات التي تحد من مشاكل البطالة في الدول والمجتمعات، علاوة على عملها على تنمية الصناعات الصغيرة المختلفة التي يؤدّي نموها إلى توسيع الأرباح العامة على كافة القطاعات، وبذلك تعمل المؤسسة الناشئة على تقليل تركيز القوة الاقتصادية، وتحدث تأثيرا ايجابيا في المجتمع من خلال إثارة روح الإبداع والمساهمة في تغيير الذهنيات والسلوكيات النمطية، وتؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة من خلال الخدمات المقدمة بتكلفة قليلة.
ولعل تغيير ذهنية الطالب الجامعي باعتباره حجر الأساس لبناء المستقبل اعتمادا على رصيده المعرفي وقدراته العلمية، هي أهم خطوة نحو تحقيق إستراتيجية تنويع الاقتصاد والمرور نحو الاقتصاد الإبداعي، الذي يعد أسرع قطاعات الاقتصاد العالمي نموا مقابل الأرضية الخصبة التي يتوفر عليها الاقتصاد الوطني من مؤهلات وإمكانات ثرية قابلة للاستغلال في شتى المجالات، فضلا عن برامج الدولة لدعم وتعزيز قدرات المؤسسات الناشئة.
أفكار بسيطة تتحوّل إلى مشاريع ناجحة
 أمام تداعيات وآثار تفشي الجائحة الصحية وتوسع استعمال الوسائط الالكترونية، واعتمادها في التسوق الالكتروني، تمكّنت أول مؤسسة ناشئة في قطاع الخدمات بولاية معسكر، من تحقيق نتائج ايجابية أطلقها أحد خريجي الجامعة، تمثلت في بدايتها بتجسيد مشروع بسيط لخدمه توصيل الوجبات من المطاعم في بداية تفشي كوفيد 19 عبر الاتصال الهاتفي أو الالكتروني، يقول صاحب المؤسسة الناشئة “وصلي”، إنّ الفكرة جاءت لتربط بين المنتج والمستهلك بوسائل وتقنيات بسيطة، وسرعان ما تحوّلت إلى مشروع ناجح مع الحاجة المتزايدة لهذا النوع من الخدمات.
وأكّد حداد بوزيان، 29 سنة، ضرورة تحرّر الشباب من الأفكار النمطية في إنشاء المشاريع أو تطوير افكارهم والبحث عن وظائف، بداية من التخلي عن فكرة الحصول على الدعم، مشيرا إلى أنّ فكرته قبل اعتمادها كمشروع من طرف وزارة المؤسسات الناشئة، تحوّلت مداخيلها من 20 مليون سنتيم شهريا إلى 200 مليون سنتيم شهريا، بعد اتّساع المشروع الذي يوظّف حاليا نحو 70 عاملا عبر مناطق عدة من الوطن من بينها عشر ولايات غربية.
ولم يتوقّف خرّيج جامعة معسكر في الإعلام الآلي، عند إنشاء هذه المؤسسة الخدماتية، إنما فكّر في التطوير التقني لروابط الاتصال والتواصل الخدماتي، واستحدث تطبيقا إلكترونيا يطرح من خلاله منتجات خدماتية متنوّعة، وهو يحاول الاجتهاد من أجل تعميم استعمال هذا التطبيق بالنظر إلى الاستعمال الواسع للهواتف الذكية في المجتمع، موضّحا أنّ التقنيات التكنولوجية التي أدخلت في عمل مؤسّسته مكّنته من الحصول على استثمارات جديدة مع شركات ومؤسّسات تجارية ومصرفية بموجب اتفاقيات عمل وشراكة.
وإن كان التوجه الغالب للشباب والطلبة في إنشاء مؤسّسات ناشئة، يتركز كثيرا على مجال الخدمات، إلا أن هناك الكثير من القدرات والكفاءات العلمية التي نجحت في ابتكار أفكار ومشاريع صناعية، تنافس المشاريع الابتكارية العالمية وتتماشى مع المفهوم الحديث للمدن الذكية، على غرار الطالب عبد القادر صواق قائد فريق من طلبة كلية العلوم التقنية والتكنولوجية بجامعة معسكر، الذي ابتكر “درون”، بوسائل بسيطة، يستعمل في إطفاء الحرائق والكشف عن التسربات الغازية وانبعاثات الدخان، وأجهزة إنذار استشعارية ذكية لتأمين البيوت والشركات. وحدّثنا الفريق القائم على هذه الابتكارات، إنّهم يفكرون في تطوير مجال عمل اختراعهم، إلى اختراع يتعلق بالبحث والكشف عن الألغام والإشعاعات النووية، في حال وفّقوا في الحصول على رعاية لتبنّي أجهزتهم المبتكرة.

انفتاح الجامعة
 يرى منسق حاضنة الأعمال ومسؤول تخصص المقاولاتية، الدكتور عبد النور بلميمون، أنّ انفتاح الجامعة على العالم الخارجي بالإضافة إلى وعي الطلبة، عاملان مشجّعان على إضفاء الفعالية الإنتاجية تماشيا مع الأنموذج الجديد للاقتصاد المنتج.
وأوضح المنسّق أنّ هناك حركية في مجال البحث العلمي واستحداث مؤسسات ناشئة من داخل الجامعة، تعلّلها سياسة الدولة وجهودها من أجل التأسيس لتشريعات وإجراءات تمكّن الجامعة الجزائرية من الدخول في المجال الاقتصادي، وتحوّلها إلى طرف منتج في البحث العلمي المتملك للقيمة السوقية، الأمر الذي يتيحه تنشيط أجهزة الحماية الفكرية على مستوى وزارة الصناعة أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال توسيع قاعدة البيانات الوطنية للابتكارات والمبتكرين، عبر مكاتب محلية لتسهيل عملية تسجيل الابتكارات وتقريب الطلبة والأساتذة.
وذكر الدكتور بلميمون، أنّ برنامج الحكومة جوهره تشجيع الاستثمارات المحلية من خلال عدة برامج تنموية تشمل كل القطاعات، من بينها الجامعة بإنشاء 20 حاضنة أعمال عبر التراب الوطني، من بينها حاضنة الأعمال لجامعة معسكر التي برمجت عدة نشاطات في التكوين والتدريب المتخصص في المقاولاتية، مكّنت من حوصلة عدة أفكار استثمارية للطلبة ومرافقتها إلى غاية نضجها وتجسيدها.
وتمكّنت الحاضنة من تدريب وتكوين 200 طالب في المقاولاتية سنة 2017، أسفرت عن تبنّي ومرافقة سبع أفكار لمؤسّسات ناشئة، فيما تمّ سنة 2018 تكوين 150 طالب نتج عنه 5 مؤسّسات ناشئة، و300 طالب سنة 2019 نتج عنه 3 مؤسّسات ناشئة.
5 % توظيف في مناصب تقليدية

 تسعى حاضنة الأعمال لجامعة معسكر للاستثمار في العنصر البشري بالاعتماد على الكفاءة ونوعية المشاريع المقبولة في المجتمع الاقتصادي، حفاظا على نجاعتها وديمومتها، أمام إقبال لافت للطلبة على التدريب المقاولاتي، الذي يفسّر وعيهم بالنموذج الاقتصادي الجديد أمام ارتفاع البطالة بين خريجي الجامعات، حيث تمثّل 5 % فقط نسبة توظيف خريجي الجامعات في سوق الشغل، مقابل 95 % يطاردهم شبح البطالة.
وذكر منسّق الحاضنة الدكتور بلميمون، أنّ المؤسسة الناشئة لها دور فعّال في دعم الاقتصاد من خلال الابتكارات والخدمات وتسهيل بعض المشاريع، مشيرا إلى أنّ المؤسسة الناشئة هي مؤسسة دائمة ومستحدثة للاقتصاد مقابل الجهود التشريعية المبذولة لتخفيض أعباء إنشاء مؤسسة ذات أسهم، وهو الطابع القانوني للمؤسسة الناشئة.
تأخّر تسجيل براءة الاختراع عائق
 أكّد الدكتور بلميمون، أنّ نسبة مساهمة البحث العلمي في التمويل الاقتصادي للدول المتقدمة تتراوح بين 25 و45 %، في حين تمثّل نسبة هذه المساهمة في نمو الاقتصاد الجزائري 0,22 %، مقابل نسبة إنفاق على البحث العلمي لم تتعد 0,8 % قبل 2008، مشيرا إلى أن من معوقات تحويل الجامعة إلى جامعة إنتاجية قلة تسجيل براءة الاختراع، وغياب سياسة معقولة لتثمين البحوث العلمية وربطها بالواقع الإنتاجي.