من أجل أن يكون عام 2022، عاما للإقلاع الاقتصادي والإنعاش الصناعي، وهذا للتخلي تدريجيا عن اقتصاد الريع المرهون بأسعار النفط، لا بديل عن إزالة العراقيل عن المشاريع في الجزائر، خاصة في القطاعات المرتبطة بتحسين الوضع المعيشي للمواطن، كالصحة، الموارد المائية والفلاحة.
إلى وقت قريب كانت مجالات البناء والسكن والسياحة والسفر والنقل والتجارة والفلاحة ضحية عراقيل ومشاكل جمة، منها الإدارية خاصة، وما انجرّ عنها من فساد إداري عطّل عجلة التنمية وجعلها تدور في مكانها. وتزامنا مع الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم، تفاقمت الأمور، خاصة مع عملية تسريح العمال خلال الفترة الأخيرة، ما رفع نسب البطالة إلى مستويات عالية، ووضع الحكومة أمام تحدٍّ كبير.
لذلك، كان لابد من ضخ دماء جديدة عبر مختلف ولايات الوطن، من خلال إيجاد حلول سريعة لبعث المشاريع من جديد وتحريرها من القيود. وبات أكثر من ضروري توفير مناصب شغل وإرساء ديناميكية أكثر واقعية في المدن والأرياف أيضا. في وقت كان وسيط الجمهورية إبراهيم مراد، قد كشف عن توفير ما يقارب 29 ألف منصب شغل عبر الجزائر، إثر تفعيل قرارات رفع العراقيل أمام المستثمرين، وتم منح رخص الاستغلال لقرابة 462 مشروع استثماري كان معطلا ليدخل مرحلة الإنتاج، منها 399 وحدة إنتاجية منتهية الأشغال.
وللمرة الثانية يقدم وسيط الجمهورية إبراهيم مراد عرضا حول وضع المشاريع العالقة في مختلف القطاعات، وذلك تنفيذا لأمر رئيس الجمهورية، خلال مجلس الوزراء، ليوم 21 نوفمبر 2021، بهدف متابعة ومعالجة المشاريع وطنيا، حالة بحالة.
وأعلن وسيط الجمهورية، بحسب ما تضمنه بيان مجلس الوزراء، المنعقد مساء الأحد الماضي، رفعَ العراقيل عن 915 مشروعا، بزيادة 38 مشروعا، عن الحصيلة التي قدمت في مجلس الوزراء الأخير، وتسليمها جميع الرخص الضرورية، حيث تسمح المشاريع 915 بتوفير 52187 منصب شغل مباشر، على مستوى 46 ولاية.
وقد أمر الرئيس بتوضيح طبيعة المشاريع في جميع القطاعات، وإعداد التقارير بشكل دقيق ومفصل، بخصوص الأرقام والفصل بين المشاريع الصغيرة والمشاريع الكبرى.
إلى جانب ذلك، سيكون نزول مشروع القانون التمهيدي للاستثمار وما يتضمنه من إجراءات تصب في خانة الاستجابة لتطلعات المتعاملين الاقتصاديين ومعالجة الاختلالات المطروحة من طرفهم من خلال «منظومة قانونية فعالة، دائمة ومستقرة، إلى جانب توضيح الأمور المتعلقة بتطهير العقار الصناعي، آليات منحه وتهيئة المناطق الصناعية»، فرصة أخرى لرفع العراقيل عن المشاريع الاستثمارية في الجزائر، وفق تصريحات وزير القطاع أحمد زغدار سابقا، والذي أعلن عن رفع التجميد عن قرابة 400 مشروع استثماري عالق نهاية سنة 2021.
عراقيل إدارية «تعجيزية»
في الموضوع، أكد أستاذ الاقتصاد ومدير دار المقاولاتية لجامعة أدرار حدادي عبد الغني، أن أغلب العراقيل التي تعترض المشاريع في جميع القطاعات تتعلق بعراقيل إدارية، تعجيزية، عطلت عجلة التنمية عبر مختلف ولايات الوطن، ما استدعى رئيس الجمهورية التدخل شخصيا «لفك» عقدة الرباط الملفوف حول المشاريع التي تنقذ اقتصاد البلاد وتساهم في التعجيل بالدفع نحو الحركية.
قال حدادي في اتصال مع «الشعب»، إنه على السلطات العليا في البلاد، النظر نظرة استشرافية، من أجل إيجاد الحلول العويصة للمشاكل والعراقيل التي تواجه المشاريع الصغيرة والكبيرة في الجزائر، مبرزا أن الأمر يتطلب النزول إلى الميدان للوقوف على تلك المشاكل وإيجاد حلول واقعية، وليس التنظير من بعيد.
وأشار الأستاذ بجامعة ورقلة، إلى أن المنطقة الصحراوية فقط، والتي تشغل أغلب مساحة البلاد، تعاني من مشاكل وعراقيل كثيرة، متحدثا عن مشكل الاستثمار في الأراضي الفلاحية واستغلالها، مع غياب السكن والكهرباء، فضلا عن المعاناة مع مشكل الماء وطلب رخصة حفر الآبار التي تشكل العائق الأكبر، حيث تفرض الإدارة هناك شروطا تعجيزية نفّرت المستثمرين، بل وجعلت العديد منهم يتخلون عن النشاط الفلاحي وتخيلوا معي الأضرار التي تلحق بالتنمية هناك، وفقا لتعبيره.
وعرّج المتحدث، إلى قضية التسويق لدى الفلاحين خاصة مع تعلق بالطماطم والتمور، حيث بات الفلاحون يسوقون منتوجهم بسعر التكلفة لغياب غرف التبريد وإمكانات التسويق، ما جعل عجلة التنمية تدور في مكانها، مشددا على ضرورة أن تبني الدولة استراتيجية على هامش أسعار للحفاظ على التاجر والفلاح، حيث تضمن هامش السعر، الذي يجب أن لا ينزل تحت عتبة سعر منخفض، من أجل أن لا يتخلى الفلاحون والصناعيون الصغار عن نشاطهم.
كما أشار حدادي، إلى قضية تشديد الرقابة على الحدود مع دول الساحل، خاصة مالي والنيجر، حيث باتت الإجراءات الجمركية الأمنية تعرقل خلق مشاريع تجارية، مثل المقايضة بالتمور ذات النوعية غير جيدة، حيث كانت تذهب لدول الساحل بالمقايضة مع فواكه مثل الأناناس وغيرها، حيث لم يعد المهنيون يهتمون بالنخيل لغياب البيع والشراء، لذلك وجب إعادة النظر في هذه العراقيل.
ومن غير هذه العراقيل في الجنوب، أكد أستاذ الإقتصاد أن إيجاد الحلول، بدون شك، سيساهم في حل مشكل البطالة المتفاقمة في الجزائر، خاصة منذ الأزمة الصحية والنفطية المزدوجة التي تضرب البلاد منذ سنتين.