قررت الجزائر، ترشيد الإنفاق العام وتقليص فاتورة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي، بتقوية القطاعات الزراعية والغذائية الاستراتيجية، وتشجيع تعزيز التنمية في هذه القطاعات، ولكن بالنسبة لشعبة الحليب، التحدي كبير وصعب لتقليل حجم واردات الحليب المجفف، أمام تمسك المحولين بالاستيراد، وتطور بطيء للإنتاج المحلي الخام.
أدى توفير الحليب المعاد تكوينه (المبستر) للمستهلك بسعر مدعم بشكل كبير إلى ظهور عادات غذائية جديدة، مما حول الجزائر إلى واحدة من أكبر مستهلكي الحليب (158 لترا للفرد) باستيراد متوسط سنوي 355 ألف طن من بودرة الحليب، في السبع سنوات الاخيرة، مقابل عدم تطور الإنتاج المحلي من الحليب والألبان، وعجزه عن تغطية الطلب المرتفع، نتيجة النمو السكاني القوي والمتسارع، وارتفاع مستوى نصيب الفرد من الاستهلاك الناجم عن توفير الحليب للسكان بسعر مدعم.
وتحدث وزير الفلاحة عن استقرار في إنتاج الحليب الخام، دون أن يعطي أرقاما أو مؤشرات، تبرز وضع هذه الشعبة الاستراتيجية، مع العلم أن المؤشرات الرئيسية كانت تشير قبل عامين، إلى زيادة إنتاج الحليب الخام من 2.4 مليار لتر إلى 3.3 مليار، وارتفاع كميات الحليب الخام المجمعة من 300 مليون لتر لأكثر من 857 مليون لتر، لكن دون أن تساهم عناصر النمو هذه لصالح تعزيز نظام دمج الحليب الخام المنتج محليا وتوحيد وتوسيع استعماله في الإنتاج.
ويعود انخفاض إنتاجية الحليب الطازج محليا، في السنتين الاخيرتين، حسب خبراء في القطاع، إلى عدم التمكن من إدارة الثروة الحيوانية، ولا سيما النظام الغذائي الذي لا يزال يعتمد بشكل أساسي على الحبوب أو مشتقاته، فضلا على أن غالبية المزارع صغيرة (85٪ منها مزارع بها أقل من 5 أبقار حلوب) ونسبة صغيرة من الأبقار الحلوب الحديثة.
وهذا لا يسمح حسب رئيس المجلس المهني الوطني لشعبة الحليب عز الدين طامني، بتطوير الإنتاج الوطني من الحليب، وتغطية الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية، موضحا أن الجزائر بحاجة إلى مليوني بقرة حلوب، لتغطية العجز المسجل، وتقليص فاتورة استيراد البودرة.
ويربط طامني، تحسين الإنتاج والإنتاجية بزيادة عدد الأبقار الحلوب الحديثة في وحدات لا تقل عن 500 بقرة، مع الاستغلال العقلاني للمزارع وفق المعايير الفنية، لا سيما من حيث تغطية الاحتياجات الغذائية الخضراء، والتي يجب تنويعها مع التوجه نحو تنمية المحاصيل البروتينية العلفية، وهو ما قد يتحقق بإنشاء ديوان الأراضي الصحراوية، الذي بدأ يمنح تسهيلات إدارية لتخصيص امتيازات الأراضي والمياه للمستثمرين الراغبين في إنشاء مناطق علف مسقية كبيرة في الجنوب (البرسيم، الذرة ، الذرة الرفيعة، إلخ).
ويبرر خبراء ارتفاع تكلفة كل لتر من الحليب بالاستخدام المفرط للأغذية المركزة وتأثير أسعار المدخلات المستخدمة في تصنيعها والتي يتم استيرادها في الغالب، وإفراط استهلاك العجول للحليب الخام بسبب ارتفاع تكلفة الحليب المستورد الخاضع للضرائب بشكل كبير.
ويمكن تخفيض تكاليف الإنتاج لكل لتر من الحليب، عن طريق تحسين إنتاجية الثروة الحيوانية من خلال تحسين التحكم في إنتاج الأعلاف الخضراء، و مراجعة الضرائب، حتى الإعفاء من الضرائب التي تؤثر على المواد الخام المستخدمة في تصنيع الغذاء المركز والبديل للعجول، مع تسهيل منح قروض مصرفية مدعومة للمربين من قبل المؤسسات المالية لإعادة توطين وحيازة معدات تحديث مزارع تربية الابقار الحلوب.
أما شبكات التجميع سيئة التوزيع، فتتطلب إعادة الهيكلة من أجل تغطية جميع مناطق الوطن بشكل أفضل، ورفع معدل جمع الحليب الخام المتباطئ حاليا ويظل دون الحاجات المعبر عنها.ويحتاج مربو الأبقار، إلى دعم ومرافقة لامتلاك تقنيات التربية الحديثة، ووضع برنامج لتحسين والحفظ الوراثي للأبقار والماعز والسلالات الجزائرية الجيدة، من أجل زيادة مستويات إنتاجها من المنتجات الحيوانية (الحليب واللحوم والصوف ، إلخ)، والاسراع في عملية إحصاء رؤوس البقر وتحديد هويتها.
وتبقى مراجعة سياسة السعر والدعم لإنتاج الحليب وجمعه ومعالجته وتوزيعه واستهلاكه، أهم مطالب المهنيين، حتى يتطور نشاطهم بشروط قابلة للاستمرار ماليا وليس به عجز، و مراجعة مسميات دعم الدولة للمنتجين والمربين وفقا للوضع الحالي والتضخم، وإعطاء الأولوية في هذا الدعم لتنمية موارد المياه وإنتاج الأعلاف، حماية هوامش المربين، ومنح وقت إضافي لتسديد قروض المربين .ونظرا لصعوبة تسويق الحليب الخام ، يوصى مهنيون وخبراء بإدخاله في الحليب المبستر المعد للاستهلاك كبديل على الاقل لـ 40 بالمائة من مسحوق الحليب.