طباعة هذه الصفحة

حققوا اكتفاء ومونوا الولايات المجاورة

مربـــــو الأبقـــــار الحـــــلوب بغردايـــــة في محنــــــة..

غرداية: ع.ع

 

عاشت شعبة إنتاج الحليب الطازج في ولاية غرداية أحسن فترتها الإنتاجية خلال سنوات 2018 / 2020 بفضل جهود أبنائها في استصلاح أراضي جرداء قاحلة وتحويلها إلى مساحات زراعية واسعة، وأيضا بفضل تمويل ومرافقة السّلطات العمومية لمشاريع تقدم بها الشباب بما فيهم خريجو الجامعات، وحتى من العنصر النسوي من أجل المساهمة في ترقية هذا القطاع الحيوي، سواء بإنشاء مشاريع ومؤسسات مصغرة متخصصة في جمع الحليب من المنتجين أو تموين ملبنات الولاية عن طريق الاستفادة من قروض بنكية لاقتناء مركبات نفعية وصهاريج، وهو ما ساهم في ارتفاع مردودية الشعبة وتوسعها، بأكثر من 2000 بقرة حلوب، بحسب المصالح الفلاحية للولاية.

هذا التوجه سمح بتطوير أنشطة مختلفة في مجال تربية المواشي، الماعز والأبقار، والتي مكّنت ولاية غرداية من تحقيق إنتاج معتبر في مادة الحليب، أهّلها لأن تحتل مكانة مرموقة في مجال تنظيم شعبة الحليب في الجزائر، وتخفيض تكلفة واردات الحليب ومشتقّاته التي بلغت حوالي 123.95 مليون دولار في 2020.
وتمّ استحداث عديد المستثمرات الفلاحية النّموذجية النّاجحة، بالإضافة إلى مساهمة القطاع الخاص بـ 10 ملبنات على تراب الولاية. استثمارات محلية بأبعاد وطنية، وسجّلت حوالي 19 مليون لتر من حليب البقر، نهاية 2020، حيث أنّ 4 ملايين منها يحوّل نحو ولايات مجاورة، حيث اعتبرت ولاية غرداية آنذاك مرتاحة تماما في مجال تمويل السوق المحلي، ومنبعا استراتيجيّا هامّا لحليب البقر.

تخوف من العودة إلى نقطة البداية

بسبب عديد الصعوبات والمشاكل، تحوم مخاوف حقيقية حول مربي الأبقار الحلوب والناشطين معهم في غرداية، من عدم قدرتهم على المحافظة على المكاسب المحققة في الميدان، إثر فشلٍ لحق بعض المؤسسات المصغرة التي تأثرت بتراجع الإنتاج بالرغم من الجهود المبذولة، وهو ما دفع أيضا بعض الشباب المستثمر إلى التوقف نهائيا أو تغيير النشاط، وصلت بعدد منهم الى التفكير الجدي في بيع أبقارهم وذلك لعدة عوامل، مثل نقص العشب الأخضر وأسعار الأعلاف المرتفعة جداً.. مما يدفع بالمربي أحيانا لبيع بقرتين أو ثلاثة ليتمكن من إطعام الأبقار الأخرى.
وأكد مربون لـ«الشعب” أن التخوف جاء نتيجة غلاء الأعلاف بمختلف أنواعها حيث سجلت ارتفاعا كبيرا وبنسب تفوق 30 بالمائة في بعض الأنواع، حيث يستفيدون من مادة النخالة التي طالما كانت هاجسا وسط المربون خاصة في فصل الشتاء لنقص الكلأ في المراعي، من التعاونيات الفلاحية بأسعار معقولة، لكنه غير كاف ولا يشبع الأبقار، إذ أن البقرة الحلوب تستهلك يوميا ما بين 10 -12 كيلوغرام، والفارق على عاتق المربين، ويتم اقتناءه من السوق السوداء بأسعار خيالية للقنطار الواحد.
وتساءل مربوا الأبقار في غرداية عن ندرة هذه الأعلاف عند الفلاحين، في حين تتوفر عند الوسطاء بكثرة وبأسعار عالية، كما أن أسعار الأعلاف المركزة الموجه للأبقار الحلوب تجاوز هذا الشهر أسعاره الحقيقية، وهذا ما أثر سلبا على مربي الأبقار الحلوب، وتراجع مداخيلهم، كما اشتكى هؤلاء أن سعر الحليب الحالي لا يسد نفقات علف البقرة، دون احتساب باقي الأتعاب.

أسعار الأعلاف التهبن والوسطاء يضاربون

وطالب المربون بضرورة تدخل السلطات المحلية والمركزية لخفض هذه الأسعار التي تنذر بالتخلي عن هذا النشاط، وحسب العارفين بالقطاع فإن السبب يكمن في تدخل وسطاء أثرياء لشراء هذه المواد والأعلاف من الفلاحين، ثم يعيدون طرحها في السوق وإعادة بيعها لمربي الأبقار بأسعار خيالية، وهؤلاء ما يسمون بالوسطاء أو المتطفلين الذين يسرقون جهود الآخرين.
كما طالب هؤلاء المربين بضرورة التدخل محليا، لإعادة تنظيم وتوزيع الأعلاف التي توجه للأبقار الحلوب، متسائلين “لماذا يتدخل هؤلاء الوسطاء لشراء هذه الأعلاف ثم إعادة بيعها للمربين بأسعار خيالية وغير حقيقية”.
وحسب المتابعين القلقين بشأن ارتفاع أسعار حليب البقر الطازج، يرون بشكل متزايد الحاجة إلى التحكم في تنظيم سلسلة انتاج الحليب فكما أن مربي البقر ملزم ببيع محصوله لأحد الملبنات، فإنه يفترض أن الفلاح أيضا مطالب ببيع محصوله من أعلاف البقر الحلوب للمربين مباشرة، دون الحاجة للمرور إلى الوسطاء أو التجار الذين يستغلون الفرصة لإعادة بيعها بأسعار جد مرتفعة.
أزمة ما ان تختفي لتعود مجددا
حسب العديد من المربين الذين التقيناهم، يفضل الفلاحون الذين يحوزون إمكانيات مالية ثابتة التوجه نحو الزراعات السهلة التي تعطي ثمارها في مدة قصيرة.. متجنبين بذلك “الخوض” في إنتاج الحليب الذي يتطلب استثمارا “ثقيلا”.
وقالوا في هذا الصدد، إن “اختيار شعبة الحليب يتطلب استثمارا ثقيلا ولهذا يتوجه فلاحون أغنياء للبساتين التي تؤمن لهم المعالجة والسقي ناهيك عن جني ثمار عملهم في ظرف أشهر فقط”.
واسترسل هؤلاء أنه بسبب غلاء أسعار العلف، وجد عدد من المربين أنفسهم أمام وضع صعب مؤكدين على ضرورة إيجاد وسيلة تسمح لهم بالوصول لأماكن العلف.
كما أن التخوف من إضاعة فرصة الوصول بشعبة حليب الأبقار الطازج إلى الإنتاج الوفير الذي من خلاله يمكن المواطن من شرائه بأسعار أقل مما هي عليه الآن. ويعتقد مربي الأبقار محليا بأنه في مقدور البلاد التخلص نهائيا من فاتورة واردات الحليب ومختلف مشتقات الألبان، بعدما بلغت قيمة دعم الدولة للحليب 40 مليار دينار كل سنة, زيادة عن الغلاف المادي الموجه لاستيراد البودرة والذي بلغ ما قيمته 600 مليون دولار.
ومع تعرض الإيرادات لضغوط نتيجة انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة، تسعى شعبة الحليب ومن خلالها مختلف الفاعلين في قطاع الفلاحة وتربية الأبقار الحلوب إلى محاولة المساهمة في خفض واردات المواد الغذائية المستوردة بما في ذلك “الحليب” إلى جانب العديد من السلع الأساسية الأخرى التي بلغت كلفتها الإجمالية حوالي 19 مليار دولار.

البودرة تغلب الحليب الطازج

لطالما اشتكى المزارعون ومربو الأبقار الصغار، من ارتفاع الضرائب وزيادة أسعار علف الماشية، والعراقيل البيروقراطية التي يقولون إنها تسببت في تراجع الإنتاج.
وضرب جمال وترا حساسا عندما قال: “على الحكومة أن توقف استيراد (بودرة الحليب). يمكننا إنتاج ما يكفينا، إن لم يكن الآن فربما بعد 5 سنوات يمكن أن يكون حليب البقر الطبيعي على مائدة كل العائلات الجزائرية وبأسعار مقبولة”، وأضاف قائلا: “مستقبل الجزائر في الزراعة وليس النفط”. ويتساءل هؤلاء المربيين هنا محليا عن إذا كان الأمر فعلا جديا، أم أنه مجرد كلام، وهناك من لا يريد لقاطرة الإقلاع الاقتصادي والتنويع الفلاحي أن تنطلق، خصوصا وأن الولاية يضرب بها المثل في إنتاج الحليب.

هذه أسباب الأزمة، فمتى  الانفراج؟

يتوقع جامعيون ومختصون في شأن التنمية المحلية استمرار أزمة الحليب، وقالوا “من المحتل جدا أن تستمر خلال شهر رمضان الكريم هذا العام”، فماهي التدابير المقترحة والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لتوفير هذه المادة الحيوية، سواء في كميات الإنتاج أو في نقاط البيع المعتمدة مع مراقبة أسعارها.
وتابع ذات المتحدثين “بالنسبة للحليب، أن المشكل حاليا هو عدم تحقيق اكتفاء في مجال الاستثمار في الأبقار الحلوب، على المستوى الوطني، بالرغم من أن هذه الشعبة عرفت تطورا في بعض الولايات كغرداية مثلا”، وكان الهدف الأول زيادة قطيع إنتاج الحليب بالجزائر إلى 20 ألف بقرة بحلول عام 2024، من ثمانية آلاف حالياً.
وأشاروا من جانب آخر إلى “أن الحلول التي توضع ينبغي أن تكون وفق منهجية في غاية الدقة، تشمل المدى القريب والبعيد والمتوسط، في إشارة منه إلى ضرورة توفير مناخ جيد ومستقر للاستثمار في انتاج حليب الأبقار الطازج”ّ.
ويذكر أحد منتجي حليب البقر أنه من المعقول أن يكون مطلبنا هو دعم منتجي الحليب في الجزائر، وعدم دعم الفلاحين الأوروبيين على إنتاج المزيد من الحليب لتصديره إلى الجزائر كبودرة. يجب تشجيع المواطنين والملبنات والمنتجين الجزائريين على شراء الحليب المنتج محليا من طرف مربي الأبقار.
وأكد سليمان (56 سنة مربي أبقار)، أنه بسبب التعقيدات والصعوبات والنفقات الزائدة، يفضل جميع المنتجين شراء غبرة الحليب المدعمة من طرف الدولة من طريق الديوان الوطني للحليب بدلا من تكبد كل ذلك العناء”.
وأكد زياني أن “المنتجين مطالبون بدفع مقابل للمربي، ودفع تكاليف الرقابة البيطرية للأبقار، قبل شراء الحليب منه، مما يجعل الدعم المقدر ب 2 دينار قليل جدا، ولا يغطي نفقات شراء الحليب من المربين ولا حتى نفقات المربين أنفسهم، كما أن إنتاج حليب الأبقار في الجزائر ضعيف جدا، مما يجعله نادر والحصول عليه يتطلب عناء كبيرا، وفوق كل ذلك فهو لا يغطي حتى 7 بالمائة من حاجيات المنتجين، عكس غبرة الحليب المستوردة المتوفرة لدى الديوان الوطني للحليب وبأسعار مدعمة، مما يجعل المنتجين يفضلون الغبرة المستوردة، بدلا من تكبّد عناء وتكليف شراء حليب الأبقار”.
مقترحات تنتظر التجسيد
يجمع كل من التقينا بهم بأنّ الدولة اختارت أن تُنشئ قطاعا لحليب الأبقار الطازج، وقدّمت دعما لا متناهيا للمربّين والفلاحين والمستثمرين في مختلف ربوع الوطن، ولذلك فإنه يفترض أن تمتلك نظرة واضحة واستراتيجية بعيدة المدى حول القطاع، ورفعوا جملة مقترحات تشمل:
- التقليص من استيراد حليب البودرة.
- مزج حليب البقر داخل كيس حليب البودرة المدعّم في إطار نظام دعم ومرافقة يخفّف من معاناة منتجي الحليب في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف.
- رقمنة القطاع وتتبّع مسار الحصص السّنوية من الدعم بالأعلاف إشراك مختلف  البقر في الجنوب.
- توسيع رقعة غرس الأعلاف الخاصة بالأبقار الحلوب خصوصا في المنيعة.
- إصدار المراسيم التنفيذية للتكتل في تعاونيات متخصّصة.
- التكفل بالصحة الحيوانية، وفتح مخبر بيطري متخصّص في غرداية.
وأخيرا مقترح ترسيم عيد سنوي لعرض «مشتقات الحليب وصناعة الأجبان والمنتجات الغذائية من الحليب»، بمشاركة مخابر، مديريات فلاحية، ممثلين عن جامعات ومعاهد التغذية والصناعات الفلاحية والغذائية ومختلف الفاعلين والمهتمين.
فهل سيتم تخفيض واردات بودرة الحليب؟ وهل أصبح من الضروري ادماج حليب البقر الطبيعي في الحليب المدعم مما سيسمح بتقليص فاتورة الواردات، ويسمح أيضا بدعم وتشجيع مربي الأبقار على مواصلة جهودهم محليا.