بعد انقضاء ثلاثة أسابيع من الشهر الفضيل، تبدأ ملامح ميزانية الأسر لشهر رمضان تتّضح، وسقف النفقات بالنظر إلى خصوصية هذا الشهر يرتفع، فكيف واجهت العائلات الجزائرية السوق التي ألهبها المضاربون كالعادة وتتضرّر منها على وجه الخصوص الأسر المتوسطة الدخل؟
تباينت وتعدّدت المواقف وردّات الفعل بين متمّسك بالإنفاق في حدود طاقاته واستياء البعض من إجبارية التخلي عن الفواكه واللحوم والحلويات التي يعتبرونها من الكماليات، وبين من يحرص على توفير مائدة غنية بالأطباق كهدية يستحقّها الصائم بعد عناء يوم طويل وحار حتى وإن كلّفه ذلك التدين من الأقارب والأصدقاء وكذا زملاء العمل.
يشتكي متوسط الدخل من النفقات الإضافة التي تتطلبها عملية التسوق في شهر رمضان، فكيف واجهت العائلات السوق والتجار والمضاربين الذين يستنزفون الجيوب بمضاعفتهم للأسعار؟
حاولت “الشعب” الاقتراب من المواطنين من جميع الشرائح لتقصّي ظروف الإنفاق وسقفه ورأي ربة ورب الأسرة، فهل يوجد توازن بين الراتب وما تمّ إنفاقه؟ وما إلى غير ذلك.
كانت “زينة” متوجّهة بقفتها التي تأخذ شكل عربة صغيرة بعجلتين نحو السوق وهي تفكّر في نفقات ملابس العيد والحلويات، معترفة بأنّ ما تبقى لها من نقود لن يغطي سوى باقي أيام الشهر الفضيل، واعترفت أنّ راتب زوجها الذي لا يتعدى 40 ألف دينار لا يغطي تكاليف أربعة أطفال إلا بصعوبة وبشكل محتشم. ولم تخف محدثتنا في سياق متصل أنّها تنفق في شهر رمضان في حدود مدخول زوجها، وتجنح للأسواق الشعبية، ولا تكثر الأطباق لأنها تطبخ بكميات قليلة، وتحضّر الخبز في المنزل لكي تستهلك ما تبقى منه بعد الاحتفاظ به في الثلاجة، وترى أن التبذير السبب المباشر في إثقال ميزانية رمضان، ويأتي بعده المضاربة، فحسبها لو تخلّص المواطن من ذلك بحسن التدبير وزال جشع التاجر فإن نفقات الشهر الفضيل تكون كباقي أشهر السنة. وتحاول “زينة” اقتناء ملابس العيد قبل الشهر الفضيل لأنّ وقتها تكون الأسعار منخفضة، وحتى بالنسبة لمستلزمات الحلويات، حتى لا تبقى هاجسا بالنسبة للميزانية المخصصة لرمضان.
من جهته “بوعلام” خمسيني وأب لثلاثة أطفال، ذكر أنّ راتبه في حدود الـ 50 ألف دينار، بينما راتب زوجته لا يتعدى 35 ألف دينار، لكن خلال الشهر الفضيل الطلبات تكثر والأسعار ترتفع، لأنه ينفق على والدتيه وأختيه، ويتطلّب منه الأمر الإنفاق على بيتين بينما تساعده زوجته في اقتناء الفواكه والحلويات ولباس العيد. وأشار بعبارة: “لو لا أحكم يدي لاضطررت للتدين مثل العديد من زملائي في العمل، في منتصف الشهر ينفذ راتبهم خلال رمضان”، وهو يتأسّف عندما يرى زوجته تتخلّص مما تبقى من طبق الشوربة أو بقايا الخبز أو الزلابية، وما إلى غير ذلك.
ويشكّل رمضان بالنسبة للسيدة فوزية التي تتقاضى أجرا في حدود 30 ألف دينار وأم لسبعة أطفال وزوجها بدون عمل المرحلة الصعبة في تسيير ميزانية وصفتها بالضعيفة، فقالت: “أعجز عن توفير لأطفالي الفواكه والحلويات، يكفي أن أضمن لهم طبق الشوربة والسلطة والخبز والحليب..”. وردّت تقول: “إنّه رمضان الفقراء، أكاد أصرخ من شدة الضيق، وضعيتي تشبه وضعية المعوزين وسط راتب هزيل وعدد معتبر من الأفواه التي تطلب مني اقتناء الفواكه وتذوق الزلابية التي لا يمكنني الوصول إليها بسبب غلائها”. أما بالنسبة للحم فهي تشتري رطلا أو دجاجة وفي كل يوم تطهي قطعة حتى تعطي طعما لطبقها.
ويأتي رأي “حسين” التاجر، ليؤكّد وجود تبذير من طرف العديد من العائلات في شهر رمضان ، فهو تاجر وأب لطفلة، قال أنه يحرص على اقتناء كل ما يشتهيه، ويطلب من زوجته تحضير العديد من الأطباق لكن عقب الإفطار لا يتمكّن سوى من التذوق وتلجأ زوجته إلى التخلص من الكثير من الأطباق المطبوخة والحلويات التي يقتنيها ولا يجد من يأكلها. وقال للأسف فإنّه لا يستطيع وهو صائم أن يحرم نفسه من كل ما يشتهيه، وينفق خلال الشهر الفضيل في حدود 60 ألف دينار.
وتحدّثت “مليكة”، سيدة أربعينية وأمّ لأربعة أطفال، أنه أمامها في جميع المواسم خاصة رمضان خيارين إما الاستدانة أو ادّخار مبلغ مالي طيلة السنة، فإذا واجهتها صعوبات كمرض طارئ أو حدث استثنائي لا يسمح لها بتوفير أي مبلغ إضافي، وتضطر للاستدانة لأن راتب زوجها لا يفوق الـ 30 ألف دينار ونفقات رمضان بملابس العيد قد تصل حسبها إلى 45 ألف دينار.