طباعة هذه الصفحة

مع بلوغ عتبة 2000 إصابة، مرابط:

العمــــــل عــــن بُعـــــد خيار نـــــاجع للحـــــدّ مـــــن تفشي العــــــدوى

فتيحة كلواز

- غرامات صارمة لمخالفي الإجراءات الوقائية ضرورة
- بعد سنة من استعمال اللقاح... مخاوف الآثار الجانبية تتلاشى

 مع بلوغ منحنى الإصابات الجديدة عتبة 2000 إصابة، تأكد ضرورة وضع استراتيجية لمجابهة تفشي الوباء، خاصة وأن المتحور الجديد “أوميكرون” يتميز بسرعة وقوة الانتشار مقارنة بالسلالات الأخرى، وهو ما أعاد طرح إمكانية العودة إلى العمل عن بُعد من أجل كسر سلسلة العدوى عندما يكون الأمر متاحا. فيما يراهن البعض على الصرامة في تطبيق الإجراءات الوقائية وفرض غرامات مالية أو عقوبات صارمة على كل مخالف لمنع خروج الوضع الوبائي عن السيطرة.


المتتبع لمنحنى الإصابات الجديدة يجدها، منذ نهاية الأسبوع الماضي، تسجل قفزات تساوي 200 إصابة في اليوم الواحد، ففي يوم الثلاثاء الماضي تم تسجيل 810 إصابة جديدة ليرتفع إلى 1359، أي ارتفاع بـ549 إصابة في 24 ساعة، ليواصل ارتفاعه يوم الخميس 20 جانفي الماضي إلى 1552 أي بـ193 إصابة، لتستمر في الارتفاع، أول أمس الجمعة، بـ1855 إصابة، أي أنها ارتفعت بـ303 إصابة في اليوم، وهو ما ينذر بالأسوإ.
الارتفاع الكبير للإصابات الجديدة أعاد إلى الواجهة خيار العمل عن بعد للحد من انتشار العدوى وأيضا فرض غرامات وعقوبات صارمة على كل المخالفين للإجراءات الوقائية من اجل مواجهة حالة التراخي والاستهتار السائدتين في المجتمع. فبالرغم من التصاعد المتسارع للإصابات، يفضل البعض عدم الالتزام بارتداء القناع الواقي ولا حتى احترام مسافة الأمان؛ مؤشر يرى المختصون أنه سبب كاف لتمديد مدة الموجة الرابعة بتأخير بلوغ ذروتها، لذلك ستكون الصرامة في التعامل مع المخالفين أنجع طريقة لتقليص مدتها.
في اتصال مع “الشعب”، قال رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط، إن الوضع الوبائي غير المستقر الذي تعيشه الجزائر، يستدعي العودة الى تطبيق العمل عن بعد، معتبرا هذه الطريقة ليست بالجديدة، فهي تختلف من مكان الى آخر وحسب نظام العمل، على اعتبار أنه لا يتلاءم مع جميع الأنشطة، لذلك يمكن تطبيقه فقط مع تلك التي يمكن تكييفها مع شروط العمل عن بعد، فيما يبقى تبني هذا الخيار من عدمه مرتبطا بكل مؤسسة على حِدة.
ولاحظ المتحدث تفضيل بعض المؤسسات الاقتصادية الخاصة العمل عن بعد منذ ما يقارب الأسبوعين. فعندما لاحظ مسؤولوها إصابة الكثير من العمال واتساع رقعة العدوى داخلها اختاروا حماية المؤسسة من التوقف من خلال تقليص عدد العاملين داخل المؤسسة، ما ساهم في خفض تكاليف أخرى كالنقل والإطعام، موضحا ان القرار يتخذ حسب طبيعة العمل، فكل عامل يمكنه أداء مهامه عن بعد استفاد من هذا الإجراء، مؤكدا ان الدولة او الحكومة لا تستطيع فرض هذا النوع من العمل على المؤسسات، بل هو خيار متعلق بالمؤسسات وطبيعة نشاطها.  
 
مسؤولية جماعية
عن الوضع الوبائي الذي تعيشه الجزائر، كشف مرابط أنه غير مستقر ويزداد تعقيدا في كل يوم. لذلك كان لابد من العودة إلى الصرامة في تطبيق الإجراءات الوقائية وهو ما نادى به المختصون منذ بداية ارتفاع عدد الإصابات، بحيث يتحمل كل شخص مسؤوليته تجاه المجتمع بتسليط عقوبات صارمة على كل مخالف للإجراءات الوقائية، خاصة ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي، سواء كان التطبيق الصارم تجاه الأفراد أو المؤسسات، فكل القطاعات على اختلافها تخضع لبروتوكولات صحية ملزمة بتطبيقها بصرامة وتوفير وسائل تطبيقه، بما فيها المراقبة التحسيس والمتابعة.
وقال رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، إن كل الدول التي عرفت حالة تراخ واستهتار في تطبيق الإجراءات الوقائية حتى المتطورة والمتقدمة منها، لجأت إلى الصرامة وتسليط غرامات مالية على المخالفين، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات من اجل التحكم في الوضع الوبائي ومنع خروجه عن السيطرة.
في هذا الصدد، يرى مرابط أن السلطات تساهلت كثيرا فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية؛ فبينما رفعت كل إجراءات وتدابير الحجر الصحي، كتنقل الأفراد والنشاطات المتوقفة، كان من المفروض إلزام المواطن بحد أدنى من احترام الإجراءات الوقائية، كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي، بمرافقة العودة إلى النشاط الطبيعي بإلزامية تطبيق بروتوكول صحي صارم. لكن، للأسف، الكثير من القطاعات تخلت عن دورها الرقابي فظهر نوع من التساهل مع المواطنين والمؤسسات.
كما لوحظ أيضا تراجع كبير في العمل التحسيسي والتوعوي. ففي الفترة السابقة ومع مرور الوقت ساد التعامل مع الوباء على أنه انتهى، خاصة في الفترة الممتدة من بداية 2021 إلى شهر جوان، قبل دخول الموجة الثالثة. فاستقرار الوضع الوبائي على مدار ستة أشهر تقريبا، جعل الجميع يتساهل، حتى المسؤولين في القطاع الصحي أو خارجه من المختصين كانت خطاباتهم تعطي انطباعا وكأننا خرجنا من الوباء، وهو ما اعتبره خطأ كبيرا، لأن ما نعانيه اليوم من ارتفاع في عدد المصابين بالعدوى والضغط الكبير الذي تعانيه المؤسسات الصحية مرده ذاك التساهل.
في الوقت نفسه رشح مرابط تزايد الإصابات اليومية أكثر، فطبيعة انتشار هذا الوباء أثبتت أنه يأتي على موجات، ترتفع كل واحدة إلى الذروة، لتبدأ في النزول مرة أخرى. وقد لاحظ المختصون أن التطبيق الصارم للإجراءات الوقائية بإمكانه الحد من شدة الموجة وكسر سلسلة العدوى، إلى جانب تقليصه أيضا لـ “عُمر” الموجة؛ بمعنى كلما كان هناك التزام بتطبيق واحترام الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي وتطبيق البروتوكولات الصحية بصفة عامة ستكون مدة الموجة أقصر. مثمنا في نفس السياق، قرار تعليق الدراسة لمدة 10 أيام لما له من أثر إيجابي على كسر سلسلة العدوى إذا التزمنا طبعا بالإجراءات الاحترازية الأخرى، فاجتماع كل هذه المعطيات سيقلص من حجم ومدة الموجة، بل ستسمح ببلوغ الذروة بسرعة.
واعتبر الأرقام المسجلة يوميا تصاعديا لم تستقر بعد، وحتى نؤكد بلوغنا الذروة لابد من استقرارها على الأقل لمدة أسبوع أو أسبوعين، لكنه رهن عودة الاستقرار للوضع بالالتزام التام والصارم بالإجراءات الوقائية.

الإجراءات الوقائية كافية
عن إمكانية العودة إلى الحجر الصحي جزئيا كان أو شاملا، قال مرابط إن كل الدول التي سبقت الجزائر في تعاملها مع الوباء ومن خلال تجربتها الكبيرة، عادت إلى تطبيق تدابير الحجر الصحي بصفة مؤقتة، خاصة عند تسجيل ارتفاع كبير في عدد الحالات، من اجل منع تجاوز عدد الإصابات الجديدة طاقة استيعاب المستشفيات للمرضى وكذا المحافظة على قدرتها بالتكفل بكل شيء متعلق بالوباء.
وأشار مرابط عدم وصول الجزائر بعد إلى هذا المستوى من التعقيد، مؤكدا في الوقت نفسه عدم جدوى الحجر الصحي على ضوء غياب الالتزام التام بالإجراءات الوقائية، فيجب أولا البدء بالأمور البسيطة التي تعتبر في متناول الجميع، ليأتي بعد ذلك الحديث عن إجراءات أخرى أكثر تقييدا للحريات وذات إسقاطات سلبية على الاقتصاد الوطني والوضع الاجتماعي للمواطن. وعلى المواطن أن يضع في الحسبان، أن عدم تحسن الوضع الوبائي وعدم عودته إلى الاستقرار من خلال الإجراءات الأخيرة المتخذة، سيطرح بقوة فرضية العودة إلى تطبيق مثل هذه التدابير الأكثر تشديدا وصرامة.

مخاوف تتلاشى  
أما فيما يتعلق بالتلقيح، فيرى المتحدث أنه الحل لمكافحة الأمراض الفيروسية، ورأينا نجاعته في الدول التي بلغت النسبة المنشودة من التطعيم كأوروبا، التي تجاوزت نسبة التلقيح في بعض دولها75٪، والولايات المتحدة وبريطانيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، فبالرغم من تسجيلها عددا قياسيا في الإصابة بفيروس كورونا، إلا أنها سجلت عدد وفيات قليلا جدا مقارنة بعدد الإصابات، بالإضافة إلى غياب تعقيدات عند أغلب المرضى. ما يعني، بحسبه، عدم وجود ضغط على المستشفيات مقارنة بالوضع الذي عاشته تلك الدول من قبل ما اعتبره دليلا آخر على نجاعة التطعيم للحد من خطورة الفيروس ومتحوراته الجديدة.
ونبه مرابط إلى ضرورة تلاشي المخاوف المتعلقة بالآثار الجانبية للقاح، فبعد أكثر من سنة من استعماله يمكن إجراء حصيلة حولها، حيث أبانت النتائج والدراسات أن أغلب اللقاحات المستعملة ضد فيروس كورونا تعطي أعراضا جانبية لا تختلف عن تلك التي تسببها لقاحات أخرى معروفة منذ عشرات السنين أو أدوية يتناولها المرضى منذ 30 أو 40 سنة.