- تغيير نمط الاستهلاك يقلص الاستيراد ويحمي الصحة
يتفق خبراء ومختصون، على أن فكّ الارتباط مع الأسواق الدولية في مجال استيراد الحبوب، يمكن أن يتحقق، خاصة بعد قرار رفع تسعيرة شراء الحبوب من الفلاحين، المتخذ في آخر مجلس وزراء، والذي سيشجع الفلاح على توسيع المساحات المزروعة واحترام المسار التقني المساعدة على تحقيق مردود أفضل وهنا تتحقق القاعدة رابح - رابح أي أن الفلاح ينتج بمردود جيد في مساحة أقل والدولة تنقص على عاتقها الاستيراد والتبعية، في انتظار تغيير ثقافة استهلاك هذه المادة، ومحاربة تبذيرها لأن الجزائري يستهلك مرتين ونصف معدل ما يستهلكه الفرد العالمي، ويلقي 10 ملايين خبزة يوميا، بتكلفة مالية تصل 300 مليون دولار.
لمــــــاذا بقيت التبعيــــــة للقمـــــــح الأجنبــــــي
نستهلـــــــك ضعـــــــــف ما ننتــــــــــج ونستـــــــورد!
ترتبط الجزائر بالأسواق الدولية، من أجل ضمان توفير القمح اللين أكثر مادة استهلاكية يطلبها السكان التي تدخل في صناعة الخبز والحلويات والعجائن الغذائية، وتضيع سنويا أطنانا منها، بسبب التبذير الناتج عن الإفراط في استهلاكه، ولكن المفارقة أن أكثر مادة مطلوبة محليا للاستهلاك، لا تخصّص لها مساحات واسعة لزراعتها بالرغم من توفر جميع الظروف الملائمة، ما يبقي البلد في تبعية غذائية لأسواق دول أقل مقدرات منها.
تمتد زراعة الحبوب في الجزائر على مساحة 3 مليون و400 ألف هكتار، منها مساحة مليون و600 ألف هكتار مخصصة للقمح الصلب، وحوالي 400 ألف هكتار للقمح اللين، ومليون و300 ألف هكتار للشعير، وتستورد الجزائر حسب إحصائيات مصالح وزارة الفلاحة كمية كبيرة من القمح اللين تتجاوز 6 ملايين طن سنويا، وكمية أقل منها بكثير من القمح الصلب تعادل مليون و500 ألف طن، لأنها قطعت أشواطا في زراعة هذه المادة منذ سنوات، وبذلت جهودا كبيرة في السنوات السابقة لتطوير إنتاج القمح الصلب وتوسيع مساحات زراعته، فهذا الأخير لا تنتجه دول كثيرة، وهو ما ينقص الخيارات في حال أرادت شراءه من السوق الدولية، لأن الدول والكميات المنتجة معروفة، لذلك عملت على تطوير زراعة إنتاجه بكميات كبيرة قلصت به فاتورة الاستيراد.
خرافات تقهر
السير في اتجاه تكثيف زراعته وإنتاج كميات معتبرة من القمح الصلب، لم يغفل تطوير إنتاج القمح اللين، حيث سطرت وزارة الفلاحة ضمن إستراتيجيتها هدف توسيع مساحات زراعته، مع العلم أن مساحة زراعته كانت أكبر قبل عام 2011 وتراجعت قليلا، وقد تمّ وضع مسار تقني، إذا ما طبق سيتم رفع مردود المنتوج وتقليص فاتورة استيراد الحبوب.
ويتفق العديد من الخبراء والمختصين، على توفر العوامل المساعدة في الجزائر، لتطوير إنتاج الحبوب بنوعيها، من بينها القمح اللين الذي تراجعت مساحات زراعته منذ 2011، لأسباب غير معلومة، ويستورد بكميات ضخمة لكثرة الطلب عليه، حيث يدخل في صناعة عدة منتجات مثل الخبز العادي، العجائن والحلويات.
ووصف مدير معهد المحاصيل الإستراتيجية الكبرى في تصريحات سابقة لجريدة «الشعب» تصريحات تفيد أن تربة الجزائر لا تصلح للإنتاج القمح اللين لذلك لا يتم التركيز على زراعته محليا، ب «خرافات لا نشاطر من يؤمن بها»، لأن المعهد يتابع الدورات الزراعية، ووجد أن المساحة المستقبلة للقمح الصلب، يمكن بعد 3 أو 4 سنوات أن تستقبل القمح اللين في نفس القطعة وتعطي مردودا عاليا على القمح الصلب، بل أكثر من ذلك القمح اللين سهل زراعته مقارنة بالصلب، الذي يتطلب الكثير من المعالجة، والأرض التي تنتج القمح الصلب بإمكانها أن تنتج كل شيء.
وتملك الجزائر نحو 200 صنف من بذور القمح الصلب، والشعير، والقمح اللين، وهي محلية 100 بالمائة، يمكن تطوير سلالات 4 أو 5 أصناف وتقديمها للدليل العالمي للمحافظة عليها، خاصة تلك المقاومة للجفاف وشحّ الأمطار، وتقاوم الأمراض والتغيرات المناخية من حرارة، وبرودة.
وتسعى الوزارة الوصية إلى توسيع رقعة مساحة الأراضي الفلاحية المسقية إلى مليوني هكتار منذ سنوات، ووصلت إلى غاية سبتمبر الماضي حسب آخر الإحصائيات 1.43 مليون هكتار بزيادة قدرت بـ780 ألف هكتار خلال السنوات العشرة الأخيرة، حيث كانت تقدر 650 ألف هكتار سنة 2010، وكذا تشجيع الفلاحين على استعمال أنظمة السقي المقتصدة للمياه، حيث بلغ مجموع المساحات المستخدمة لهذه الأنظمة 898 ألف هكتار بنهاية سبتمبر الماضي مقابل 75 ألف فقط في سنة 2000.
ولمواجهة ظاهرة الجفاف وشحّ الموارد المائية، تصرّ وزارة الفلاحة على استغلال السدود الصغيرة في الري الفلاحي، بتخصيص حصصا من مخزونها وتوزيعه بطريقة عقلانية، خاصة في مناطق الجنوب حيث تتطلب حشد موارد كبيرة لتغطية الاحتياجات، خاصة وأن الاتجاه يسير نحو تهيئة مساحات كبيرة تصل إلى 200 ألف هكتار، يمكن أن تعطي معدل إنتاج 50 قنطارا في الهكتار، ما يسمح بتقليص سدس فاتورة الاستيراد.
أما التحدي الثاني الذي يواجه الجزائر، فهو مواجهة ظاهرة التبذير والقضاء عليها، لأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب ليس مرهون بتوسيع المساحات المزروعة فقط، وتشير الإحصائيات إلى تبذير يوميا 10 ملايين خبزة تصنع من القمح اللين، بتكلفة مالية تصل 300 مليون دولار، وهذه الكميات المبذرة عملة صعبة ترمى في النفايات، يمكن استرجاعها، لذلك يستدعي الأمر تغيير النمط الاستهلاكي، بإدخال القمح الصلب والشعير في الخبز، والعجائن والحلويات، واستهلاك الغذاء الصحي، خاصة وأن الجزائر تملك الإمكانيات لإنتاج الشعير في مساحات كبيرة وتكلفة أقل من القمح اللين، كما يمكن إدخال القمح الصلب في أنماط الاستهلاك الأخرى.