طباعة هذه الصفحة

فلسطين النضال والحلم في أربع تجارب نسوية فلسطينية

محمد عبيدو

 

في أعمال عديدة قدمنها المخرجات الفلسطينيات قبلن التحدي رغم المشكلات العديدة التي واجهتهن، سواء في نظرة المجتمع لهن أوفي علاقتهم بالرجل بوصفه آخر، وبتعبيرهن عن قضايا وطنية وقومية (فلسطين ـ الحرب الأهلية في لبنان ـ التطرف والإرهاب) أو القضايا الخاصة بعادات وتقاليد المجتمع إضافة إلى التحرر والحداثة. 

هنا وقفة مع أربع تجارب نسوية مهمة بالإخراج السينمائي الفلسطيني :

عزة الحسن: منتجة ومخرجة برامج وثائقية مستقلة فلسطينية، ولدت في العاصمة الأردنية عمان في عام 1971، حيث كان يعيش والداها، وانتقلت عائلتها في عام ميلادها للعيش في بيروت بلبنان عقب أحداث سبتمبر الأسود، وبعدها بإحدى عشر عامًا عادت مرة أخرى إلى عمان، عقب اجتياح القوات الاسرائيلية للأراضي اللبنانية، حاصلة على شهادة الماجستير في البرامج الوثائقية للتلفاز/ كلية غولدسميث جامعة لندن 1994 وبكالوريوس في دراسات الأقلام  والتلفزيون وعلم الاجتماع من جامعة غلاسكو 1993/ اسكتلنده. ومن أفلامها: «حضور أسمهان الذي لا يحتمل» ، (إنتاج مشترك بين النمسا وقطر)، الذي لا يُسلِّط الضوء على تفاصيل من حياة أسمهان فقط، بل يطرح أسئلة على الحاضر، لتركز على تناول جانب إنساني لسيرة فنانة، بحيث يحمل العمل قيمة ثقافية وسياسية وفي الوقت نفسه يعد جدليا.

اختيار الحسن لأسمهان وليس اسما آخر مثل أم كلثوم أو نجاة الصغيرة، مرتبط بتجربة مختلفة لشخصية تحمل تاريخا وهي ليست بالشخص السهل.

ويتناول الفيلم حياة المطربة أسمهان وعلاقتها بمدينة فيينا التي تغنت بها قبل 60 عاما، من خلال أغنية «ليالي الأنس في فيينا»، وكيف تصف فيينا بجنة عدن، حين سجلت هذه الأغنية في 1944، في وقت كانت فيه هذه المدينة تتعرض للقصف من قبل قوات الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت نفسه يلفت النظر إلى بروز نجم أسمهان في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وحضورها في ذاكرة الملايين. 

ويظهر الفيلم التناقضات التي يمر بها العالم العربي من ثورات، وكيف باتت فيينا حلما للعرب للتوجه إليها، وتكتشف الأسرار المخفية في حياة مسيرة أسمهان. . و فيلم «دايماً اتطلعي بعيونهم» 2007 مقسم إلى فصول يحمل كل منها عنواناً مختلفاً، يرصد الكثير من الحكايات، منها تلك المتعلقة بطفل فلسطيني يقوم بتربية كلب قادم من إحدى المستوطنات اليهودية، ويصر على مخاطبته بالعبرية، لعل الكلب يستجيب لأوامره، ويتواصل معه بالشكل المطلوب، في حين أنّ علاقة الطفل نفسه بالآخر الإسرائيلي أو اليهودي، تتجسد عبر لعبة «عرب ويهود» الشهيرة، والتي ينقسم فيها الأطفال، و»ملوك وكومبارس» – العنوان البريطاني «المكشوف والمفقود» 2004/ 62 دقيقة، واختارت عزة الحسن في فيلمها التسجيلي ( ملوك وكومبارس ) ضفة لها لتشاهد النهر الفلسطيني وأذرعه الممتدة في لبنان وسوريا والأردن. النهر المجازي الذي غدا غائرا في الأرض بعد أن فجرته نكبة فلسطين ونزوح عام 67. نهر الرحيل والتهجير، تطفو على سطحه، حطام أشرعة وأحلام مجهضة الجناح. هناك في الفيلم شخوص أدمنوا التيه، فلم يبرحهم مهما رقصوا أو أطلقوا الضحك الأسيان حتى المخرجة نفسها، بتجوالها في مخيمات فلسطين وبيروت ودمشق وفي الأردن، بصوتها الهادئ (المرافق للتصوير) الذي حاولت أن تجعل نبرته محايدة : لا يتجاوز ما تراه العين، وبلا فضفضة تأويل أو تعليق يغلب على الصورة، تسلل إليه الأسى القادم من الصورة.. وربما كان ذلك لأنّ نبرة الأسى من نسيج الحبال الصوتية للفلسطيني !

ترتحل المخرجة في تلك البلدان بحثا عن خيوط تدلها إلى أرشيف السينما الفلسطينية الذي صنعه السينمائيون الفلسطينيون وفقد في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي، بيد أنّ رحلة البحث ما تلبث تتقاطع مع الواقع الذي يعيشه اللاجئون في المخيمات من ذلك، وجدت المخرجة نفسها تترك ضفة النهر، مهملة تقصيها عن أخبار الأرشيف، (وهو تقص ثمين لموضوع فيلم) ولكن لتغطس في مادة حية من الواقع، تنتقل المخرجة من مخيم إلى آخر ومن بلد إلى غيره بحثا عن الأرشيف الضائع تلتقي بشخصيات متشائمة وشخصيات متفائلة وأخرى ضائعة يئست حتى من التشاؤم تسألهم عن الأرشيف وتستمع إلى إجابات لا تشفي السائل بقدر ما هي محاولة منهم لكشف الجرح وما ورّثته النكبة في النفس تزورهم في بيوتهم وتذهب إلى مقابرهم لتظهر لنا الصورة، قبور لضحايا بلا أسماء. 

خلال بحثها عن الأرشيف السينمائي الفلسطيني في فيلم ملوك وكومبارس، نجحت المخرجة الفلسطينية عزة الحسن، في رفد الأرشيف الفلسطيني الذي يصنعه الآن الجيل الشاب، والذي لن يضيع كما حدث من قبل.

  وقدمت أيضا «أقل بثلاثة سنتمترات» 2003 / وثائقي مدته ستون دقيقة وثائقي، و»وقت الأخبار» 2002 / وثائقي مدته خمسون دقيقة وثائقي، إعتمدت عزة الحسن في فيلمها الذي يتحدث عن الصراعات والحروب في الأراضي الفلسطينية اسلوب السرد القصصي بعيداً عن نمط الأفلام الوثائقية الإخبارية التي تعتمد على الأرشفة المجردة من الدراما والخيال، اختلط فيه الخاص والعام، حيث انتقلت المخرجة بكاميراتها من بيروت مكان طفولتها مصورة لآثار الدمار الذي خلفته الحرب، إلى رام الله مع بدء الانتفاضة التي ربطت توقيتها بتوقيت الكسوف. دخلت المخرجة في تفاصيل الحكاية ساعية لسرد الأحداث العامة من منطلق حياتها الخاصة، لتدخل في علاقة مع شخصيات الفيلم، أطفال الحارة التي سكنتها في رام الله، وهم أطفال أعمارهم مقاربة للعمر الذي خرجت فيه عزة الحسن من بيروت بعد الاجتياح الاسرائيلي. يقدم أطفال فلسطين وتوقهم لحياة هادئة آمنة ورؤيتهم بأن التعليم مفتاح كل شيء بدون إغفال إلمام كل طفل بتاريخه ونضوجهم قبل أوانهم في زمن الصراع والحرب؛ حيث التقطت كل ما يحيط في وقت الانتفاضة، ليتحول الصراع وتفاصيل الحياة اليومية لأخبار يتداولها العالم. وفيلم «هي السندباد» 1999 / وثائقي مدته ثلاثون دقيقة، «فضائل موسى الرئيسة» 1998 / وثائقي مدته ثلاثون دقيقة، «النساء العربيات يتحدثن» 1996.

ليلى صنصور : مخرجة ومنتجة فلسطينية، ولدت في موسكو، روسيا في تاريخ 16 فيفري 1966 لأب فلسطيني وأم روسية. كان والدها أنطون معلما للرياضيات في جامعة موسكو الحكومية، وقد انتقلت مع عائلتها للعيش في بيت لحم سنة 1973. كان والدها أحد مؤسسي جامعة بيت لحم.. ثم غادرتها في عام 1983 وتوجهت للعاصمة البريطانية لندن حيث عملت هناك في مجالات الصحافة والسينما. الفيلم الوثائقي « جيرمي هاردي في مواجهة الجيش الاسرائيلي» للمخرجة ليلى صنصنور يروي قصة الممثل المسرحي الهزلي المشهور «جيرمي هاردي» الذي قبل بتردد دعوة المخرجة البريطانية/ الفلسطينية ليلى صنصنور عام 2002 للذهاب إلى فلسطين مع مجموعة من المواطنين الغربيين تضم حركة التضامن العالمية لمساندة قرية فلسطينية في قطف الزيتون بسبب المضايقات التي يتعرضون لها من المستوطنين، وكانت الفكرة أن يكون جيرمي بمثابة شاهد ولكن يحدث الاجتياح الاسرائيلي لبيت لحم وحصار كنيسة المهد فيتم اجلاء «جيرمي هاردي» من قبل سفارته، إلا أنّ جيرمي يقرر بعد ذلك من تلقاء نفسه العودة مرة أخرى لإكمال ما اعتبره رحلته الشخصية، وهذا الفيلم هو بمثابة الرحلة الشخصية ورؤية جيرمي هاردي كمواطن وشاهد حس بمسؤوليته الإنسانية تجاه ما يجري، وقد لاقى الفيلم عند عرضه في بريطانيا، في صيف 2003، نجاحا كبيرا لم يسبق لفيلم وثائقي فلسطيني.  فيلمها الثاني «الطريق إلى بيت لحم» / 2010 / تسجيلي / 120 دقيقة يروي الفلم قصة شخصية للمخرجة التي تعود إلى مدينتها بيت لحم لتجد أن مشروع فيلمها عن الجدار يأخذ مسارا غير متوقع عندما تتخذ ليلى قرارا بأن تبدأ حملة ضده. هذه القصة الكوميدية والتراجيدية في آن واحد هي سجل فريد لمحاولة رفع العزلة عن المدينة. لم تكن المخرجة الفلسطينية ليلى صنصور تعلم أنّ عودتها إلى بيت لحم لتصوير فيلم يوثق الحياة اليومية في المدينة لمدة عام سيغير حياتها.

صنصور التي غادرت بيت لحم إلى بريطانيا وهي في الثامنة عشرة، رغبة منها في اكتشاف العالم الأوسع بعد أن شعرت وقتها أن المدينة صغيرة، عادت لها في 2004 ولم تغادرها حتى اللحظة، بعد أن بدأت بتصوير فيلمها «بيت لحم» الذي استمر سنوات دون أن تجد نهاية له.

فيلم «أهلا بيت لحم» وثائقي يأتي في 90 دقيقة يروي في رحلة سينمائية داخل المدينة يوميات شخصية وقصص حقيقية للمخرجة ليلى صنصور وثقت فيها بناء جدار الضم والتوسع العنصري، وتأثير ذلك على حياة الناس، وكيف وجدت نفسها منخرطة بالكثير من النشاطات والفعاليات مع المؤسسات والمتضامنين وأهل البلد لإيقاف هذا الجدار الذي أصبح اليوم أمرا واقعا على الأرض، خنق المدينة وأعاق الحياة فيها.

كما يوثق الفيلم قصصا كثيرة وأحداث كانت صنصور شاهدة عليها، من هدم للبيوت وقطع الأشجار وإعاقة الحياة بأبسط تفاصيلها. عنه تقول : « هذا الفيلم ليس التجربة الأولى لي، ولكنها التجربة الفريدة والأقيم، فمن خلاله أروي قصتي مع مدينتي بيت لحم التي تركتها حين بلغت الثامنة عشرة من عمري، وتجسد علاقتي بها، فقد تربيت في أحضانها ورغم ذلك كانت لدي الرغبة في الرحيل عنها ككثير من الأفراد الذين يتربون في مدن صغيرة ويبحثون عن تجربة أكبر وعالم أوسع، ولكني لم أتوقع أبدا أن أعود للعيش فيها يوما. حين بدأت إسرائيل ببناء الجدار، انتابني شعور ينتاب كل فلسطيني يعيش خارجها، وهو أني لا أستطيع أن أبقى عاجزة من دون أن أقدم شيئا لها، ولذا فكرت في صنع فيلم عن هذه المدينة والتحديات التي تواجهها مع الجدار، وخصوصا أن بيت لحم تعتبر من المدن التي تعيش في ضمير العالم أكثر من غيرها، ولذا انطلقت منها كنموذج أروي من خلاله قصة فلسطين «.

 شيرين دعيبس : (مواليد 1976) هي كاتبة ومنتجة ومخرجة أفلام أمريكية من أصل فلسطيني. عام 2009 قامت مجلة فاريتي بوضعها في قائمة أفضل 10 مخرجين واعدين.

ولدت دعيبس في أوماها، نبراسكا لأب فلسطيني وأم أردنية. ترعرعت في أوهايو والأردن. حازت على البكالورياس بامتياز في الكتابة الإبداعية والاتصالات من جامعة سينسنيتي وعلى الماجستير من كلية الفنون في جامعة كولومبيا عام 2004.

أعمالها : فيلمها القصير أتمنى من إنتاج 2006 وتبلغ مدته 12دقيقة عرض في مهرجان صندانس وحصل على عدد من الجوائز في مهرجانات. يحكي قصة طفلة فلسطينية عمرها أحد عشر عاماً اسمها (مريم) والتي تصمم على شراء كعكة للاحتفال بعيد ميلادها لكن والدتها لا تستطيع منحها المبلغ الكافي لشراء هذه الكعكة. لتقرر هي وأختها الصغرى التعاون من أجل تحقيق هذه الأمنية الصغيرة والتافهة في نظر الكبار. 

وخلال مدة الفيلم نتابع محاولات الطفلتين الصغيرتين من أجل الظفر بعيد ميلاد مميز ولا ينسى. والذكي هنا أن المخرجة (شيرين دعيبس) استغلت هذه الحكاية البسيطة لتصور الوضع المتوتر الذي يعيشه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال والذي يلقي بظلاله القاسية على الأطفال، مهدداً بوأد كل آمالهم وأحلامهم الطفولية. عام 2007 مختلفة عملت كاتبة في المسلسل التلفزيوني الأمريكي The L Word

وفاز فيلمها أمريكا 2009 بجائزة الجمعية الدولية لنقاد السينما خلال مشاركته في مهرجان كان بدورته 63، وهو من بطولة نسرين فؤاد وهيام عباس. 

ويتحدث الفيلم عن قصة امرأة وابنها حصلت على البطاقة الخضراء للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم يجسد واقع العربي وما يتعرض له من انتهاكات في معيشته اليومية لأنه عربي في أمريكا. 

نورما مرقص : أنتجت نورما مرقص العديد من الأفلام وحصلت على العديد من الجوائز عن أفلامها التي تصور جوانب حياة الشعب الفلسطيني كما شاركت في مهرجانات عديدة من بينها مهرجان كان الشهير ومهرجانات دبي وتونس وسردينيا وشيكاغو وبوسطن ولوس أنجيلس.

ومن بين الأفلام التي أخرجتها نورما فيلم «الآمال المحجبة» (1994) عن نضال المرأة الفلسطينية وازدواجية معاناتها بين فكي كماشة الاحتلال والتقاليد، وفيلم «في انتظار بن غوريون» (2007)عن تجربتها ومعاناتها وهي محجوزة في مطار بن غوريون وإصرارها على دخول فلسطين بصفتها فرنسية، وقدمت فيلم «ملامح فلسطينية ضائعة» 2010 /ملوّن / 74 دقيقة : تحمل مخرجة هذا الفيلم جواز سفر فرنسي وآخر فلسطيني، لكنها لا تشعر بالانتماء إلى أيّ مكان. تمنعها السلطات الإسرائيلية من دخول فلسطين، وتعجز عن زيارة أمها المريضة فتمضي جل وقتها على الهاتف تسمع أعذاراً واهية من الموظفين المدنيين. تتحقق أمنيتها أخيراً عندما تصدر الموافقة على زيارة وطنها، وتحرص على أن تُري صديقها ستيفان كيف يحاول الناس أن يعيشوا حياة عادية خارج مناطق الإحتلال، وأن لفلسطين وجهاً حيوياً لا علاقة له بالتقارير المؤرقة عن العنف والحرب والدماء. يمازحها صديق آخر أعياه عالم لا يرى في فلسطين إلا أرضاً متنازعاً عليها، ويقول لها «لكنهم لا يتحدثون أبداً عن مهرجانات الجعة». يستعرض الفيلم من خلال حوارات مع الأصدقاء والعائلة وحتى مع أشخاص غرباء عن مخرجته، كيف تستمر الحياة برغم الضغوط المهولة التي تفرضها البيئة السياسية المضطربة على الناس هناك، ويأخذنا في رحلة حيادية تصور ذكريات مشظاة عن مسقط رأس المخرجة... عن فلسطين كما تتذكرها. رسالة الفيلم اختصرتها الجملة الشهيرة التي ظهرت أثناء تصوير جنازة الشاعر محمود درويش وكتبت على مقامه في رام الله «على هذه الأرض- سيدة الأرض- ما يستحق الحياة». وقدمت فيلم «وحدن» (2013) الذي يحكي قصة فتاة فرنسية انضمت لمجموعة من الفدائيين، لأنها لم تتحمل الظلم الذي يعاني منه الفلسطينيون. كما أصدرت نورما كتابا باللغة الفرنسية عن نضال المرأة الفلسطينية.

عن مجلة «فواصل»